صفحات العالمما يحدث في لبنان

بعد عودة الحرارة إلى س.س. هل يسلك الحريري طريق دمشق قريباً؟

جورج علم
طار الرئيس المكلف يتنقل ببطء بين محطات الأسئلة والأجوبة.. و«الميني حوار»
يأتي الكلام الدبلوماسي من منهل آخر لا علاقة له بكل هذا «العجق والخفق»، فالقمة السوريّة ـ السعوديّة انتهت فصولا، وبقيت النتائج والمردودات، والكل بانتظارها لمعرفة حقيقة ما طرح من مواضيع وملفات، وحقيقة ما حسم وتمّ تفاهم بشأنه، وكيف سيترجم الى أفعال على أرض الواقع.
وحتى في هذا، شيء من المبالغة، لأن ما تمّ التفاهم بشأنه قد لا يرضي مصر او قطر او إيران او الولايات المتحدة او إسرائيل… او أي دولة أخرى تتمتع بتأثير ما على الساحة، وتقضي لعبة مصالحها بفرملة الإندفاعة السوريّة ـ السعوديّة.

سجّلت الساعات الـ48 الماضيّة حركة دبلوماسيّة باتجاه الفعاليات الهدف منها الوقوف على ما عندها من أجواء ومواقف وتوقعات محتملة بعد الزيارة ـ الحدث، وعودة الحرارة الى معادلة س. س. وجاءت السلّة طافحة بالتحليلات والتمنيات، فيما الكل يراهن على عامل الوقت، كونه الفيصل، والكفيل وحده في تظهير النتائج.
وما يردد في الكواليس أن الاستشارات النيابيّة التي اتخذت طابع «الميني حوار»، او ظهرت بحلتها الجديدة بمظهر «البروفا الحواريّة» لا تزال تنتظر ليبنى على الشيء مقتضاه. تنتظر الأجواء الجديدة التي ستهب على لبنان نتيجة القمّة، والإيحاءات والهمسات والوشوشات التي سيتبلغها كلّ من الفريق الأكثري، والأقلوي، وكم هي جديرة في أن تأخذ طريقها نحو التنفيذ بمعزل عن «الفيتويات» الخارجيّة الأخرى، وما إذا كانت محصنّة كافية ضد «أونفلوانزا» الضغوط السلبيّة المعطّلة.
ويرى بعض الدبلوماسيّين، أو هو يأمل، أن تشكّل القمة «حركة تصحيحيّة» للمنطلقات السياسيّة المحليّة، والتي أدت الى اشتباك سياسي لم تقتصر مدلولاته على حمل الرئيس المكلّف الى الاعتذار. ويفترض بهذه «الحركة»، او بمعادلة س.س. أن تحسم الخيارات ما بين الدوحة والطائف، وإن كان البعض في الفريق الأكثري يرى ان القمة شكّلت انتصارا للطائف، وحسمته كخيار سياسي «ارتضاه اللبنانيون؟!».
تتصدّر مشكلة الصلاحيات الأحاديث عن الطائف في الوقت الراهن، ذلك أن رئيس الجمهوريّة يشكو، وقد فرّج عن كربته هذه في أكثر من مناسبة رسميّة كان آخرها خطابه في الأول من آب الماضي. والرئيس المكلّف سعد الحريري يشكو أيضا، وقد خاض قبل الاعتذار، ويخوض بعد التكليف الثاني، معركة الحرص على الصلاحيات الدستورية لرئيس الوزراء، وأيضا للرئيس المكلّف، وقد تمكّن من أن يستثير عصبيّة واسعة، وانبرى معظم رؤساء الحكومات السابقين من أقصى الموالاة الى أقصى المعارضة، مع العديد من الفعاليات الروحيّة والسياسيّة السنيّة للدفاع عن صلاحيات رئيس الحكومة التي حددها الطائف، مع التأكيد على أنها خط أحمر ممنوع الاقتراب منه او تجاوزه. فهل ستتخذ «هذه الحركة التصحيحيّة» المبادرة للتصحيح؟.
ويراهن بعض الدبلوماسييّن ـ كما اللبنانيين ـ على عامل الوقت لمعرفة ما إذا كانت هذه القمة كافية لترسيم خطوط العلاقة السوريّة ـ السعوديّة بشكل نهائي وواضح في لبنان حتى تخرج من خنادق الجبهات المتقابلة ما بين الفريق الأكثري والأقلوي الى ساحة التعاون والتكامل، أم أنها تحتاج الى خارطة طريق لم ترسم بعد؟.
والكلام في بعض الكواليس عن خارطة طريق، هو كلام جديّ، لأن المطلوب ان تعالج كل المخاوف والهواجس المعبّر عنها من قبل هذا الطرف المحلي او ذاك، بدءا من المحكمة الدوليّة واحتمالات تسييسها، وإمكانية تحويلها الى عصا طيّعة في يد الولايات المتحدة، او عواصم الدول الكبرى النافذة، للتهويل بها على هذا الطرف المحلي ـ الإقليمي، او ذاك، هذا بالإضافة الى السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات، الى حق العودة، والمخاوف من احتمالات توطين اللاجئين الفلسطينييّن، الى سائر المواضيع الكبيرة التي طرحت او ستطرح على طاولة الحوار الوطني، والتي تشكّل تحديات جديّة، بدليل ان الرئيس المكلّف قد وضعها كأولويات على طاولة الاستشارات، وحوّل هذه الاستشارات الى حلقات سريعة من الحوار.
وترى هذه الجهات بأن اللبنانييّن قد أصبحوا على مشارف نهاية السنة المالية للمحكمة الدوليّة، فهل ستسير الأمور بهدوء، وعلى أفضل ما يرام داخل المؤسسات الرسميّة لتمرير التمويل؟
ويأتي الجواب من الكواليس عينها، ليشير الى أن في الأمر مبالغة، ولا يمكن «تكبير البيكار الى هذا الحد»، ويكفي ان تتفاهم الرياض مع دمشق على حكومة ترضي أذواق وطموحات فريقي الأقليّة والأكثريّة برئاسة سعد الحريري، لتتحمل مسؤولية تدوير كل الزوايا الحادة، على ان تحظى بمظلة واسعة واقية توفرها لها معادلة س. س. لكن لبلوغ أفياء هذه المظلّة لا بدّ من مقدمات، ولا بدّ من أن تمهد الرياض الطريق أمام الرئيس المكلّف للوصول الى دمشق، إذا كانت متمسكة فعلا بسعد الحريري رئيسا ديناميا فاعلا لحكومة كل لبنان.
لقد قرع الرئيس فؤاد السنيورة ـ بما يمثّل ـ الباب عندما أصرّ في تصاريح صحافيّة عدّة على أنها كانت أكثر من مصافحة مع الرئيس بشّار الأسد في جدّة. كان لقاء، واستمر وقتا، وعرضت خلاله وجهات النظر من مواضيع وقضايا كثيرة. إن في ذلك بداية، لكن الانطلاق نحو دمشق، وسلوك الطريق المؤدي الى علاقات وديّة متينة قائمة على الاحترام المتبادل وعلى الشفافيّة، أمر مختلف، ويفترض ان يمّر بمراحل ثلاث، الأولى: تجاوز الماضي بخطاباته ومفرداته، والاستعداد لفتح صفحة جديدة.
والثانية، وجوب الخوض في مواصفات هذه الصفحة المطلوب فتحها لبناء جسور الثقة بين ابن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والمؤتمن على إرثه، وبين القيادة السوريّة.
وحتى تكون هذه الصفحة صافية، لا زغل فيها، يفترض ان تعالج المواضيع والملفات والعقد التي تدور حولها شكوك وعلامات استفهام، خصوصا بعدما نجح الخارج في التسلل الى داخلها للعبث بمحتوياتها وفق مقتضيات مصالحه، وربما مصالح الآخرين أيضا، مقابل بناء العديد من مداميك الكيديّة في العلاقات اللبنانية ـ السوريّة.
أما المرحلة الثالثة، وهي تأسيسيّة بامتياز، فيفترض بها أن تتناول هذا الخارج تحديدا، للحد من صلفه، ومكائده، وفي الطليعة إسرائيل، وتصويبها المستمر على سلاح المقاومة، وإصرارها على إبقاء «حزب الله» خارج الحكومة، فيما تستمر هي بالاحتلال، وبالخرق اليومي للسيادة اللبنانية جوّا وبحرا وبرّا.
ويندرج في صفوف هذا الخارج ـ بعد إسرائيل ـ كل القوى الدوليّة والإقليميّة والعربيّة التي لها مصلحة في تفشيل معادلة س. س. لكي يبقى لبنان مرتعا للعبة مصالحها، وساحة لتصفية حساباتها … فهل ترتقي العلاقة ما بين سوريا والسعودية الى هذا المستوى من التنسيق والتعاون، لجبه كل هذه التحديات؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى