الرجولة في السياسة !
فلورنس غزلان
هل يمكنني أن أسميها رجولة أم ” مَرجلة” على رأي المرحومة أمي؟!…على كلٍ ..هي حالة إسترجال من أنظمة تشعر بالنقص والفقر والعجز أمام جبروت خوف يضغط عليها أو أمام من هم أقوى منها ، فتلجأ لإبراز عضلاتها وتسترجل على شعبها بشكل عام وعلى ” المرأة طبعا بشكل خاص” ، وتأخذها النخوة والحمية الشرفية الذكورية، تفتل شواربها وتنظر في المرآة لتتباهى بقدرتها الخارقة وأفكارها الخلاقة ، فتنفش ريشها الطاووسي وتتبختر على جثث النساء وسحق كل محاولة منهن لنيل مكسب، أو اختراق منفذ يُعيد لهن بعضاً من كرامتهن المهدورة والمُمتهنة في المجتمع المقصود إغراقه في الجهل والتقهقر والعودة لعصور السلف كي تحافظ على بقاء المرأة في الظل حريماً تقبع داخل الجدران وتُعَّلَب في قوارير مع” المخلل واللفت ” باعتبارها جوهرة ثمينة يجب الاحتفاظ بها لوقت الحاجة، والمحافظة عليها من عبث العيون الفارغة عندهم ــ اي عند الرجال ــ ولأن ثقتهم فيها ضعيفة باعتبارها ناقصة عقل ودين، وثقتهم بأنفسهم أيضاَ ضعيفة باعتبار أنهم ضعاف النفوس ومن السهل الايقاع بهم من المرأة التي لاهم لها سوى الايقاع والتغرير والإغواء!، لهذا يخافون من كيدها، الذي تستغله ربما لانقاذ أنوثتها المُستَلبَة المُستَغَلة منذ طفولتها، إن على أيدي الأسرة والمجتمع أم على أيدي قوانين الظلم والإجحاف كقانون الأحوال الشخصية السوري وغير السوري، أو أيدي رجال الدين المتصيدين والمتربصين بالمرأة الطرف الأسهل في النقد والمسموح باستباحتها ويُغض النظر عن الإساءة إليها والحط من مكانتها وإضعاف دورها في المجتمع وتطوره من الحكومات كي يبعدون النقد عن طرفهم وعن محسوبياتهم وسلبياتهم وفساد إداراتهم.
ــ فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يكتف نظام الملاة الإيراني وقائده المهووس بالقوة السيد أحمدي نجاد بعرض عضلاته الصاروخية وإطلاق ماهو بعيد المدى وقصيره، لكنه لم ينسى المرأة الإيرانية من فضله الرباني وخططه المقدسة، وهذه المرة لم يطل المرأة فقط، بل مايمكنه أن يكون صورة عنها، فقد أصدر السيد ــ الحريص على النساء المسلمات ــ قوانين تضييق على حرية اللُعَب البلاستيكية أو الجبسية المستخدمة كعارضات أزياء في واجهة المحال التجارية، وأقصد التي تمثل المرأة فقط أي اللُعَب الأُنثوية أما اللُعَب الذكورية فلا حرج عليها ولا يمسها القانون النجادي !، لأن جسد الرجل عندما يصور ويعرض لايُغري ولا يَشُد الانتباه ولا يحرض النفوس الضعيفة ــ باعتقادي هذا يدل على أن نفس المرأة أكثر قوة ومقاومة للإغراء ــ أما مايمثل جسد المرأة وتقاطيعه وتضاريسه ، فهذا له اختراع نجادي خاص.
ــ أصدرت شرطته الباسيجية تعليماتها وقوانينها لأصحاب المحلات التجارية في جمهوريته الإسلامية، تحذر وتهدد متوعدة أصحاب العارضات البلاستيكية ، بعدم وضع تماثيل مثيرة لعارضات أزياء تبرز وتكشف عن مفاتن وتفاصيل لانحناءات جسد ” اللُعبة المرأة” وتطالبهم بوضع غطاء إسلامي على رأس اللُعبة التمثال ” حجاب” ــ ( عن القدس العربي ) ــ…لأنها تخشى على عين الرجل الإيراني غير الموثوق برجولته بأن تُغريه اللعبة فيلجأ لكسر زجاج المحل ويعتدي على اللعبة ويقوم باغتصابها!…أو ربما أن رؤيته لجسد اللعبة سيجعل منه فحلاً وثوراً هائجاً يسير على أربع فيقفز على أي ” تشادور” متحرك يسير في طرق المدن الايرانية !.
ــ رجولة حماس تبرز ضد المرأة بشكل صارخ فتقوم بفرض الحجاب على الشابات والمعلمات في المدارس..وتفرض نظاماً إسلامياً وتقيم دولة إسلامية، ولا تجد سوى التشجيع باعتبارها دولة المقاومة الصامدة في غزة المنكوبة بها وبإسرائيل..ولا ينتصر أحد للمرأة الفلسطينية ، لأن الوقت غير مناسب لنلتفت للمرأة ويكفيها أن تكون وقوداً لاسرائيل وقصفها ووقوداً لجرائم الشرف ولقوانين حماس..فالمهم ليس وضع المرأة والأسرة والطفل في القطاع أو في الضفة كذلك، لكن المهم هو القضية التي يتقاسمها أهلها ويتاجرون بها سواء في سوق العروبة والإسلام أو في سوق العالمية والسلام …والشعب الفلسطيني المُشَّرد والمُضَّيَع والمُجَّوَع…يجب أن يظل وقوداً كذلك لكل هذه الصراعات…والمرأة هي مُغذي المحرقة..عليها أن تكثر من الانجاب والحجاب والصمت والنحيب والبكاء واللطم وأن تظل ضحية الجميع .
ــ بشير السودان ، لم يجد فشة خلق على ملاحقته قانونياً على مذابحه في دارفور سوى بنطلون لبنى حسين، ومثيلاتها من النساء، اللواتي ينذرن بوعي قريب ويفتحن أعينهن على يديه الملطخة بدماء السودانيين ونظامه الذي يبلع خيرات السودان ويفقر أهله، فراح يبرز رجولته ويعوض عن نقائصه وعجزه أمام الرأي العام العالمي في مقاومة مرتيديات البنطلون، ويشن عليهن حرباً دارفورية من نوع ذكوري فحلاوي …شعاره لابنطلون إلا للرجل ..ولا مَلحفة إلا للمرأة..
ــ النظام السوري ( العلماني )، أراد تعديل قانون الأحوال الشخصية المعمول به منذ العصر العثماني، فاختار ، لهذه المهمة أجهل علماء دين في الوطن، وأقصى المختصين من علماء المجتمع والسكان والأسرة وتنظيمها والقانونيين ، وذلك حرصاً منه على تطبيق لوائح الشريعة الإسلامية الأكثر رجولة من أي قوانين وضعية أو دنيوية!،… والتي يبدو أنها لاتتعارض مع علمانية حزب البعث المُسترجل على المرأة لا على إسرائيل!….بالطبع سُحِبَ القانون من التسويق والإقرار ، لكنه لم يتم إلغاؤه ومازال ظله مسيطراً خاصة بعد أن صدرت بعض التعديلات عليه كانت أسوأ من الأصل، كما أنه لم يتم إعلان اسم اللجنة المُشَكَلة والمُختَارة لهذا الغرض وبقيت أسماء أعضائها طي الكتمان وسراً من أسرار الدولة!…ماذا ينتظر المرأة السورية من مفاجآت ، وماذا ينتظرها من قوانين مغرقة في الظلم والاستلاب لإنسانيتها؟ ، هذا بعلم الغيب وعلم السلطة طبعاً، حاولوا تعديل القانون الخاص بقتل المرأة بدواعي الشرف، فجاء يحمل إشارة صغيرة فيها نَفَس من التطور ، لكنه يحمل منافذاً وخروقاً قانونية تسمح للقاتل بالحماية وتبيح له الاستمرار واستخدام رجولته وفحولته التي تنكأ شرفها المرأة فقط، أما سلوكيته العامة والصفات الوحشية التي نراها تزداد وتنذر بخطورة رهيبة وغريبة على مجتمعنا السوري وجديدة في إثارتها ووحشيتها التي تطال صغيرات وكبيرات في السن وأطفال ونساءــ عودوا لموقع المرصد السوري لتقرأوا الاعتداء على عجوز في الثالثة والثمانين من عمرها ، والتحرش الجنسي لامرأة متزوجة في الخامسة والثلاثين من عمرها ثم محاولة قتلها ودهسها بالسيارة، ثم إطلاق سراح المعتدي بعد 24 ساعة فقط من احتجازه !!ــ إن دل هذا على شيء فإنما يدل على مدى الإنحطاط الخلقي والتدهور الثقافي المتلازم مع زيادة الحضر والحجاب على المرأة، وعلى تورط القانون ورداءة تطبيقه بحق المعتدي حين يكون مدعوماً من طرف مسؤول، فمن سينصف المرأة حين يكون القضاء مع الجاني؟!. الغريب أنهم لايطورون قانون يحمي الوطن من الفاسدين والمفسدين والنهابين وكأن هؤلاء حملة رايات الشرف ، وكأن النهب والسلب والقتل بدواعي الثراء على حساب الوطن وفقرائه لايمس شرف الرجل ولا يُعيبه…إلا ابنته وزوجته…وما تحمله من جسد يملكه ويتحكم به ويعلق عليه شرفه!!!.
ــ باريس 29/ سبتمبر / 2009
خاص – صفحات سورية –