صفحات سوريةعارف حمزة

في الذكرى الأولى لصدور المرسوم 49 : سدود واعدة بتحقيق أكبر قدر من الجفاف

null
عارف حمزة
لقد أصبحت الأوضاع في محافظة الحسكة (أقصى الشمال الشرقي من سوريا) مأسوية بالفعل. ولا أدري إن كان هذا التوصيف يكفي كي يتم تدارك الأمور قبل وقوع مصيبة كبرى، لطالما وقعت فصول سابقة منها وعلى فترات متباعدة زمنياً، بحق تلك المحافظة، وأبنائها، التي ذكرت في كتب التاريخ وقصائد الشعراء وحوت شواهد حضارية كبيرة في تلالها الأثرية، كتل حلف وتل براك..، التي لم تكتشف كلها بعد.
الحسكة التي كانت “سلة الغذاء في سوريا” و”المنطقة الاستراتيجية الأهم والغالية على قلب كل سوري” ، كما كان يتم الحديث عنها من المسؤولين الكبار، أصبحت تتلقى “آلاف السلات الغذائية لأكثر المناطق تضررا ً من الجفاف وهي أكثر من خمسة آلاف قرية”!!. هي التي تحتوي أهم الآبار النفطية والغازية ويعتمد عليها في محاصيل القمح والقطن والشعير والمياه الجوفية.. الخ. أصبحت جائعة وعطشانة وآيلة للفراغ!!
لم تكن موجة الجفاف فقط هي السبب. فهي بدأت منذ سبع سنوات. و لكن استثمار النفط والغاز والحبوب كان منذ عقود طويلة ولكن بسياسات حكومية، إذا صدقنا بوجود مؤسسات وسياسات حكومية، متخلفة و قائمة على تفريغ المحافظة من كل خيراتها لصالح أناس لا ندري ماذا نقول عنهم الآن.. وكل ذلك جعل منها المحافظة الأكثر إهمالاً في العالم. إذ أن تلك الاستثمارات كانت تستطيع أن تحولها إلى إحدى المدن الكبرى في المنطقة كما مدن النفط في الخليج. و لكن هناك من لا يريد ذلك. بل يمعن في إقصائها، كما كل المدن السورية وإن بدرجات متفاوتة، عن التقدم والحضارة المدنية، من خدمات ومدارس وصحة وتعليم وتوظيف وتملك..، وإقصاء أبنائها عن التمتع بالمكاسب المادية من الثروات الباطنية والزراعية كما ينص عليه الدستور نفسه.
الجفاف ضرب أهم قطاع في الحسكة وهو القطاع الزراعي، طالما أنها لا تستفيد من القطاع النفطي، وجعل المزارعين وعائلاتهم يهاجرون من أراضيهم الزراعية نحو العاصمة والمدن الأخرى للعمل في المهن العضلية. وهذا ما جعل منطقتين من مناطق الاستقرار الثلاث تفرغ تماماً من أبنائها وبالتالي تحولت، وتتحول، تلك المناطق إلى أراضٍ بور وصحراوية فيما بعد.
الحكومة بنت ثلاثة سدود على نهر الخابور، الموجود منذ مئات السنين، الأصغر من أخويه الفرات ودجلة. أدت هذه السدود إلى جفاف الينابيع وضرب منطقة الاستقرار الوحيدة الباقية، والتي تسمى “خط العشرة” شمال المحافظة.
تصوروا دولة، تحوي مهندسين وشركات وخبراء..، تبني ثلاثة سدود خاطئة على النهر. وبدلاً من أن يتم إرواء أراضِ ٍ جديدة لم تكن تصل إليها مياه النهر، تم تجفيف الأراضي التي كانت تسقيها مياه النهر!!
هل كان السبب هو إطلاق أسماء شاعرية ووطنية (سد الباسل والسابع من نيسان، ميلاد حزب البعث، والثامن من آذار) على تلك السدود مع التضحية بحياة ومهن وعائلات وتاريخ وحضارات كل المحافظة؟ رغم أن تلك الأسماء متوافرة بكثرة وبشكل ٍ بارز جداً.
لن يستطيع أحد من المسؤولين الخروج والاعتراف أمام الناس، البريئين والضحايا، بالخطأ الجسيم، وعلى الأقل الاعتذار لهم عن تلك الأخطاء. لأن المسألة كانت مبرمجة ومخططة. وهنا نستطيع أن نعترف بأنها كانت، ويا للأسف، سياسة أمنية وحكومية حقيقية.
الحسكة لا تحتوي مصانع ومعامل وشركات.. ونسبة البطالة فيها ارتفعت إلى نسب مخيفة لذلك كان الحل، الذي هو هدف بنفس الوقت، الهجرة الكثيفة سواء للداخل أو للخارج.
وبسبب كل ذلك لم يبق في الحسكة سوى حركة العمران والبيع والشراء والدلالة فيها. وعندها تم إصدار المرسوم التشريعي رقم /49/ بتاريخ 15/9/2008 الذي جعل محافظة الحسكة، بالإضافة للقنيطرة فقط، منطقة حدودية كاملة!! و بالتالي فكل من يشتري عقاراً سواء للسكن أو للعمل أو أرض زراعية، أو يشتري حق استثماره أو تأجيره لأكثر من ثلاث سنوات، لا بد من الحصول على موافقة وزير الداخلية!! و هذا خطأ دستوري من جهة لأن الدستور يكفل لكل مواطن الحق في السكن والتملك والعمل. وهو خطأ قانوني من جهة أخرى لأن موضوع الشراء كان منصباً سابقاً على العقار فيما إذا كان شراؤه بحاجة لرخصة الوزير، كما كان الحال في الأراضي الزراعية، أم لا. فأصبح وفق هذا المرسوم موضوع الدعوى هو المشتري في أن يحق له التملك أم لا! وخطأ إنساني أيضاً. لأن الشخص الذي يملك عقاراً، أو أكثر، و يريد بيعه لإجراء عملية جراحية عاجلة له أو لأحد أفراد عائلته، لا يستطيع أن ينتظر موافقة الوزير، التي قد تطول على الأقل ثلاثة أشهر، وقد لا تأتي الموافقة. وبالتالي سيموت بقرار من الوزير المختص أيضاً. كما أن هذا المرسوم أوقف حركة العمران تماماً وأضر بعمل المحامين والمكاتب العقارية والبنائين وأصحاب مهن النجارة والزجاج والمواد الصحية و الكهربائية والبلاط والسيراميك… في المحافظة. وكأنه ألغى، في طريقه الأمني، مهناً تعيش منها عائلات تقدر بعشرات الآلاف!!!
هذا المرسوم، بالإضافة للسياسات الخاطئة والجفاف والتضييق الأمني في عمل وتملك العرب والأكراد سواء المواطنين أو الأجانب، سيؤدي إلى تفريغ المحافظة نهائياً من أبنائها. يوجد جوع وخوف وقلة حيلة. ولا يوجد عمل ولا مهنة ولا توظيف ولا رأفة. بل أصبح الحل الوحيد، كما الهدف غير المعلن، الهجرة من المكان بأي طريقة كانت سواء الشرعية أو غير الشرعية وهي الأغلب.
أصبح هذا المرسوم، بطريقة أو بأخرى، خطأ جسيماً وقاتلاً لا بد من محاكمته وإلغائه نهائياً وتعويض كل من تضرر منه إذا كان قد بقي منهم أحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى