الأحزاب الشيوعية في اجتماعها الأخير – لا جديد تحت الشمس –
كامل عباس
كل الأحزاب الشيوعية بلا استثناء تتبنى المنهج المادي الجدلي بقوانينه الديالكتيكية ومقولاته العامة التي تقول بالترابط الشامل والتغير والتطور المستمر . بناء على هذ المنهج يُفترَض ان لا يوجد نص مقدس عندها , فالنص يُستنبَط من الواقع , وكل واقع يفرز نصوصه الخاصة به , والأولوية دائما للوقائع على النصوص . وهي تتهم أعداءها البورجوازيين بتبني المنهج الميتافيزيقي الذي لا يرى جديداً تحت الشمس , وكل مافي الكون مسبق الصنع برأي هذا المنهج . والنصوص عند أعدائها مقدسة ولها الأولوية على الوقائع .
ولكن سخرية القدر ومكر التاريخ جعل الآية وكأنها مقلوبة, فالبورجوازيون هذه الأيام يقولون بالتطور والتغير , والشيوعيون لا يرون جديداً تحت الشمس .
كان من الفروض أن تأتي اجتماعات الأحزاب الشيوعية – بعد انهيار النظام العالمي السابق وتشكل النظام العلمي الجديد – بنصوص جديدة مستنبطة من واقع العولمة الجديد , ولكن اجتماعها الاستثنائي الأخير في دمشق لا يختلف في شيء عن اجتماعاتها أيام الحرب الباردة . فهي مازالت تأخذ بالنصوص القديمة التي ترى ان الخطر الأساسي على شعوب منطقتنا يتجسد بالأمبريالية التي تريد بلقنة المنطقة وتفتيت دولها حتى يسهل عليها استغلالها ونهب مواردها .
استنادا الى المنطق الجدلي الذي تتبناه تلك الأحزاب يتوقع المرء أن ترى التغير الحاصل في العالم وتخطط استراتيجتها من جديد بناء على هذا التغير.
ان منطق العولمة الجديد هو منطق توحيد السوق الرأسمالية على المستوى الكوني حيث الصراع في ظلها يتقدم فيه الشكل الاقتصادي على الشكل العسكري لاقتسام مناطق النفوذ حسب قوة المراكز الاقتصادية . العالم الآن قرية كونية واحدة يتم فيها التسوق عبر الانترنت ووسائل الاتصالات الحديثة . وبفضل هذه الوسائل تمكنت الصين من ضرب المستثمرين الفلسطينيين المحليين الذين كانوا ينتجون شماخات فلسطينية بوسائل بدائية لأنها لم تعد تصمد امام الشماخات الصينية الرخيصة الموجهة للثوار الفلسطينين ومن يساندهم في ارتدائها كرمز للتعاطف معهم . هذا يعني بالنسبة للمناطق المتخلفة في العالم ومنها منطقتنا ان التطور على الصعيد العالمي جعل تخلفها وجهلها واستبداد حكوماتها عبئا على التطور العالمي ومعرقلا لاستثمار الشركات فوق القومية المعولمة . وهذا يعني ببساطة أيضا ان نهب الحكومات في هذه المنطقة لشعوبها أكبر من نهب العولمة فيها , وهذا جديد التطور على المستوى الكوني . والفكر الشيوعي الجدلي منحاز للطبقة العاملة وحلفاؤها المنتجين , وهمه دائما حصة المنتج من إنتاجه وما دامت حصته ستكون اكبر في النظام العالمي الجديد من النظام السابق المتمثل بدول استبدادية في المنطقة , فمن البديهي ان لايقف مع تلك الأنظمة الاستبدادية كما كان الحال عليه أيام الصراع العسكري بين جبارين .
الأنكى من هذا الا يستخلص الشيوعيون من تجاربهم السابقة ما فعل القمع بشعوب المعسكر الاشتراكي فيحذرون من نتائجه في الدول التي ما زالت تحكم بالديمقراطية الشعبية .
بالطبع يجدر بكل سوري وفلسطيني ان يشكر الشيوعيون على مطالبتهم الدائمة برحيل الاحتلال الصهيوني عن راضيهم كما فعلوا عيانيا في زيارتهم للقنيطرة المحررة بعد انتهاء اجتماعهم , ولكننا نستغرب ان يخلو بيانهم الختامي من أي ذكر للديمقراطية وأهميتها في ساحة كساحتنا من اجل تحرير أراضينا المحتلة .
يمكن للمرء ان يتفهم دوافع حزبنا الشيوعي السوري لضغطه باتجاه إغفال الديمقراطية بحجة أولوية الوطنية عليها الآن , فهو مستفيد من وجوده على موائد السلطة السورية ولن ترضى عن كلام كهذا في البيان وهو لا يريد ان يعكر صفو تحالفه معها . ولكن لا يمكن تفسير ذلك بالنسبة لأحزاب أخرى عريقة وفيها مناضلون حقيقيون يعملون من اجل الانسان في كل مكان .
يتزامن اجتماع الأحزاب الشيوعية الاستثنائي مع الاحتفال في الصين بالذكرى الستين للثورة هناك , لتكتمل المأساة في أذهان فقراء العالم . فالصين الآن بلد رأسمالي بامتياز, وهي منخرطة بقوة في نظام العولمة الجديد , وبفضله تغزو منتجاتها وبضائعها كل أسواق العالم بما فيها السوق الفلسطينية الصغيرة كما ذكرنا , وهي نقطة قوة تحسب لصالحها . لكن ما يثير الدهشة والاستغراب هو الإصرار على بناء الرأسمالية في الصين تحت يافطة شيوعية لكي نستمر في الإساءة لتلك الفكرة السامية في أذهان الناس ونكرههم بها .
ترى متى يصبح قادة الصين واقعيون ايديولوجيا كما هم واقعيون سياسيا ويعترفوا بان نظام الصين نظام رأسمالي قائم على اقتصاد السوق . وان النظام الاشتراكي القائم على التخطيط لم يحن أوانه بعد لا في الصين ولا في غيرها كما تقول التجربة عيانياً على المستوى العالمي .
لو فعل القادة الصينيون ذلك لقّدموا خدمة للجنس البشري ككل , فهم في هذا السلوك المفترض يرسلون شعاع أمل للناس يقول : ان نظام العولمة الجديد يبدأ عندهم بمراجعة الحقبة الاشتراكية السابقة والتخلص من النفاق والكذب والرياء الذي صاحبها حتى الآن .
– اللاذقية