عبد الله الغذامي لـ”الرأي”: السجال مع الخصوم خدم مشروعي النقدي والثقافي
بيروت – الرأي: لا يحتاج عبد الله الغذامي إلى تعريف أو تقديم، فقد بات اسمه متداولاً داخل السعودية وخارجها منذ أن نشر كتابه الأول “الخطيئة والتكفير: من البنيوية إلى التشريحية” سنة 1985. لعب الغذامي الدور الذي يلعبه الرواد في ثقافات بلدانهم، وهو ما فعله من خلال جدة الموضوعات التي اشتغل عليها، فضلاً عن كتابته في الصحافة السعودية، وإسهامه المفصلي والمتميز في فعاليات “النادي الثقافي الأدبي” في مدينة جدة.
أصدر الغذامي أكثر من عشرين مؤلفاً، وكتب في البنيوية والحداثة وما بعد الحداثة، والمرأة واللغة، والنقد الثقافي،… وتناول موضوعات إشكالية جعلته هدفاً لخصوم سلفيين وحداثيين في آن واحد. السجالات والصحافة والتدريس في الجامعة عوامل إضافية ساهمت في تقريب نبرته النقدية والعلمية من الجمهور العريض، فخاض في موضوعات تهم النخبة والعامة.
“الرأي” التقت الغذامي في بيروت أثناء مشاركته في مؤتمر النشر العربي الذي نظمته مؤسسة الفكر العربي، وكان هذا الحوار حول تجربته في النقد والكتابة:
* لنبدأ من كتابك الأول “الخطيئة والتكفير” الذي بدا مثل نبت شيطاني كما يُقال. فجأة يظهر ناقد سعودي بأطروحة بنيوية وتشريحية عن الشعر. السؤال هو كيف ترى فكرة كونك ناقداً بلا نسب في الفضاء الثقافي السعودي والخليجي؟
– سأذكر لك ما يُعزّز الفكرة التي تقولها. أول بحث لي كان قراءة سيميولوجية عن شعر أبي القاسم الشابي، وكان قبل صدور “الخطيئة والتكفير” بسنة، نشرته في مجلة تونسية فجاء اسمي في آخر البحث مقروناً بأني كاتب مغربي. وهذا مصداق لكلامك. الحادثة الأخرى أني كنت في القاهرة بعد صدور “الخطيئة والتكفير” بأشهر قليلة، وسألني أحد الأصدقاء المصريين إن كنت سعودياً بالأصل أم سعودياً مجنَّساً. حتى في السعودية، بعض من هاجموا الكتاب كانوا يصفونني بأني نبتة شيطانية. وراحوا يحللون اسمي ويفتشون عن معانٍ سلبية في كنية “الغذامي”لإثبات ادعاءاتهم.
كتابي الأول كان حصيلة دراسة مرحلة الدكتوراه في بريطانيا، ثم سنة تفرغ علمي في الولايات المتحدة. هناك أنجزت الكتاب. الأمر الأساسي الذي كان يعذبني هو: هل سأكتب شيئاً يشبه أعمال محمد غنيمي هلال و محمد مندور؟ إن كنت سأفعل ذلك فلا داعي للكتاب. لو كنت أريد أن أصبح واحداً من النقاد الذين عرفتهم وقرأت لهم، لدرست في مصر وليس في بريطانيا. ما معنى أن تذهب إلى الغرب سبع سنوات وتعود بنفس الصيغة التي ذهبت بها؟ أين المثاقفة والمعرفة؟ في ذلك الوقت كانت البنيوية وما بعدها هي السائدة، فوجدت نفسي منسجماً معها.
* نشرت كتابك الأول في عمر الأربعين. أين كنت قبل ذلك؟
– كنت أستاذاً في الجامعة. أنهيت دراستي في بريطانيا عام 1978، وعُيّنت في جامعة الملك عبد العزيز في جدة. كانت الجامعة حديثة وتحتاج إلى كوادر إدارية عديدة. أنا اشتغلت في كل العمل التأسيسي للجامعة. كنت عضواً في أغلب اللجان. ثم سألت نفسي: ما الذي جرى لرأسي العلمي؟ فقررت أن أتوقف عن العمل الاداري، وأبقى فقط في المجال الأكاديمي. حسمت الأمر ولم أستلم أي منصب إداري منذ الوقت رغم الاغراءات الكثيرة.
* هل تعتقد أن غزارة نتاجك النقدي عائدة إلى أنك تأخرت في البداية، وأنها نوع من الاستدراك لما فات؟
– ربما، ولكني أريد أن أركز على نقطتين مهمتين: الأولى هي أسئلة الطلبة، والثانية تتمثل في الخصوم الذين هاجموا أعمالي. إذا استخدمت هذا الهجوم بشكل إيجابي يكون مثمراً عندك. ملاحظات الخصوم فتحت الآفاق أكثر أمامي لأني لم استقبلها بشكل سلبي. ما يجب أن اسجله لخصومي هو أنهم انتهوا بأنهم خدموا مشروعي النقدي والثقافي.
* أريد أن أن أسألك عن النادي الثقافي والأدبي في جدة. ماذا قدمت هذه التجربة للمجتمع الثقافي السعودي منذ الثمانينات فصاعداً.
– هذه التجربة أفادت على المستويين الاجتماعي والشخصي. نحن نتكلم عن فترة الثمانينات التي ظهرت فيها الصحوة الاسلامية في السعودية، والطريف أن ظهورها تزامن تقريباً مع الحداثة في السعودية. إلى الآن الناس يتصورون أن وجود الصحوة كان أمراً سلبياً. في تجربة النادي الثقافي والأدبي كانت أمراً إيجابياً، لأن الأمسيات والمحاضرات كانت ملتهبة، والقاعة تكون ممتلئة بأكثر من ألف شخص. 80 بالمئة من الحضور لم يكونوا حداثيين. لو كان المتحدث حداثي والجمهور حداثي لكانت القضية عادية وباردة. بسبب وجود شباب من الصحوة الاسلامية كانت النقاشات حامية جداً. وهذا ما أخرج الأفكار من حيز التجريد والنظرية إلى حيز الواقع. تحولت الندوات إلى اختبار للحداثيين وهو هل تستطيع أن تدافع عن أفكارك وأن تشرحها وأن تجعلها تصمد أمام الامتحان الاجتماعي والثقافي المباشر.
* هل تعددية مشاريعك ونتاجك النقدي مردّها حاجة البيئة التي ظهرت فيها تجربتك. أنت قمت بدور ريادي طبيعي في مجتمع ثقافي بكر وخصوصاً على المستوى النقدي. أنت فتحت الأبواب بهذا المعنى.
– عندما تبدأ العمل على مسألة أو قضية بحثية ما، غالباً ما تبدأ بفكرة واحدة، وتجد أن هذه الفكرة تولد أفكاراً كثيرة. فتجد نفسك منقاداً بهذه الأفكار المتوالدة. هذا يحدث في الرواية عادة، عندما تفلت الشخصيات والأحداث من المخطط الأولي الذي يكون الروائي قد فكر فيه. في البحث الأدبي يحدث هذا. مثل أحجار الدومينو. هذا ما كان يُسمى عند الجاحظ بالاستطراد. يكون عنده متن فيخرج منه ويعود إليه. وقد لعب لعبة الخروج والعودة باتقان. السؤال عندي دائماً هو لو أن الجاحظ لم يعد واستمر بالخروج. ربما وصل إلى نص عظيم لا يخطر ببالنا، ولكن يبدو أن الشرط العلمي في زمنه كان يحتّم عليه أن يعود وليس الثورة الدائمة على المتن. هو كان يثور جزئياً على المتن ثم يعود إليه.
* من خلال عملك في الجامعة كيف هي علاقتك بالطلبة والأجيال الجديدة. هل تحس أن هناك أفكار ومشروعات ينمو وتزدهر؟
– أعتقد أن هذا يحدث. نحن نمر الآن في تغير ثقافي ضخم جداً. و إذا انتبهنا إلى هذا المتغير الثقافي فسنفهم حركة التاريخ. الأشياء تتحرك الآن بسرعة أكبر من الماضي، ولكن على المستوى النوعي تتحرك بشكل مختلف. لا نستطيع أن نجر العالم إلى شروطنا الثقافية لكن نستطيع أن نكون جزءاً من حركة هذه المتغيرات. المهم ألا تحدث من دوننا.
* هل تعتقد أن حداثتنا العربية تحتمل نقلة مثل النقد الثقافي في حين أن النقد الأدبي نفسه، الأكاديمي والصحافي، لا يزال يشكو من نواقص عديدة؟
– أعتقد أن العقل البشري واحد . الشيء الذي استطاعه أفلاطون أو جاك دريدا سيستطيعه شخص هندي أو عربي. قد يكون الإمسان الغربي سبقنا تكنولوجياً ونحتاج إلى زمن طويل كي نصل إلى ما وصل إليه، ولكن على مستوى العقل والتفكير الأمر مختلف. كل مسألة يكون مصدرها العقل والمنطق لا توجد فيها فروق بشرية. لا يجوز أن نسأل أنفسنا: هل نحن جاهزون لهذه المرحلة الثقافية أم لا؟ لأننا بالضرورة غير جاهزين. كل البشر غير جاهزين. لكن الفكر يعرف كيف يحول غير الجاهز إلى جاهز، ولذلك تجد دوماً أن الأفكار الجديدة تواجه معارضة. دريدا واجه معارضة شديدة في فرنسا. الاعتراف به جاء من الولايات المتحدة. حين نال الاعتراف في أميركا عاد إلى فرنسا منتصراً. الثقافة ذات البعد التاريخي العميق تقاوم بشراسة. الثقافات ذات التاريخ القصير لا تقاوم بنفس القوة. كلما كانت الثقافة عميقة تاريخياً، كما هي الثقافة العربية، ستقاوم بالضرورة. ولكن الأمر يتعلق أيضاً بمدى قدرة المفكر على الصبر إلى أن تتحقق أفكاره وأطروحاته. هذا هو السؤال.
* إلى جانب غزارة أفكارك وإصداراتك الكثيرة، تجد وقتاً لكتابة زاوية صحافية في جريدة “الرياض”.
– الحقيقة هي نوع من الغش. ابن سينا لديه مصطلح لطيف يسمّيه “الغش النافع”. يقصد فيها المجازات التي يستخدمها الكاتب في اللغة. إنه يغش القارئ، ولكنه غش نافع ومطلوب. مقالاتي في تقع في هذا الباب. إنها تسريبات أولية لأفكار الكتب وامتحانها مع قارئ الصحيفة اليومي. هي محاولة اختبار لكيفية تلقي الأفكار التي تشغلني من قبل القارئ. مقالاتي هذه أشبه ببروفات المسرحيين للوصول إلى الصيغة الأفضل للعرض المسرحي. وأحياناً تكون هذه المقالات هي بقايا الكتابة. أحياناً تشعر أن الكتاب الذي أنت بصدد تأليفه سيترهّل لو استخدمت فيه صفحات معينة فتستبعد هذه الصفحات وتستثمرها في مقالات صحافية. أنا نشرت كتابي “المرأة واللغة” بعد أن استبعدت منه صفحات كثيرة. ثم نشرت ما استبعدته في جريدة “الحياة” وأضفت إليه، وصار كل ذلك مادة لكتاب “ثقافة الوهم”.
* لم تمنعك رصانتك العلمية والنقدية من الخوض في موضوعات وظواهر ثقافية شعبية ويومية. هل الهدف هو ترطيب النقد المتهم بالجدية والجفاف والمنهجية الصارمة وجعلها في متناول القارئ العادي.
– في أحيان كثير نكتشف أن إيصال الأفكار عبر الحكايات أكثر مفعولية من إيصالها عبر التسلسل المنطقي الجاف. هما وسيلتان متوفرتان. سأذكر لك مثالاً من المغرب. طه عبد الرحمن يكتب برصانة منطقية شديدة، مقارنة بعبد الفتاح كيليطو. وأنا أميل لكيليطو. أعتقد أن هذا الأسلوب صنعه الجاحظ مبكراً في ثقافتنا عبر استخدام الحكاية والاستطراد والطرفة. هناك لعبة إمتاع في هذه النوع من الكتابة. أنا أعمل ضمن هذه المنهجية. أشعر بالراحة في هذه الكتابة وهذا يُشعرني بأن القارئ سيجد راحة مماثلة في القراءة. والعكس صحيح.
التدريس في الجامعة لعب دوراً مهماً في عثوري على أسلوب سهل وسريع ومباشر يجعل الأفكار تصل من دون عُقد. الكتابة الصحفية لعبت دوراً مشابهاً لأنها درّبتني على الوصول إلى القارئ بأيسر الطرق. أحياناً أقارن بين مقالاتي القديمة وما أكتبه حالياً فأجد أني تهذَّبت. الصحافة هذّبت كتابتي وعلمتني بطريقة غير مباشرة. كان قراء مقالاتي الأولى كانوا يجدون صعوبة في فهمها، وهذا جعلني أنتبه. القراء أعطوني دروساً.
* بمناسبة الحديث عن قرائك وانتقاداتهم. ما هي مشكلتك مع السلفيين في السعودية؟
– ليس لدي مشكلة معهم. هم لديهم مشكلة معي. المشكلة أنهم لا يسمحون لأنفسهم أن يتفهموني، أنا وغيري أيضاً، بشكل كافٍ. مثال على ذلك عوض القرني في كتابه “الحداثة في ميزان الاسلام”. الرجل لا يعرف الحداثة حتى يحكم عليها. المفروض أن يبدأ بفهم الحداثة قبل وضعها في ميزان الاسلام. لم يجرب، مثلاً، أن يتصل بي ويجلس معي ويسألني. إذا وجدني ضالاً سيكون من حقه أن يحكم علي. ولكن عليه أن يفهمني أولاً. المشكلة عند السلفيين إذن وليس عندي. لو حاولوا أن يفهموا الطرف الآخر فإن أموراً كثيرة كانت ستجد حلاً حقيقياً.
* ولكنك هوجمت من حداثييين أيضاً.. أدونيس ومحمود أمين العالم… يبدو أن هناك إجماعاً من السلفيين والحداثيين ضدك؟
– يجب أن أسجل للعالم تعامله الراقي مع نقدي له رغم أني كتبت ست مقالات لاذعة بعنوان “هذا الألسني المتورِّط” عن نقده لرواية “اللجنة” لصنع الله ابراهيم. لقد قابلني الرجل بأبوة ومحبة حين التقينا. أدونيس مختلف، فهو لا يحتمل فكرة أن ينتقده أحد. محمود أمين العالم لم يعرفني إلا بعد أن انتقدته على عكس أدونيس الذي كنت أعرفه قبل انتقادي له. طبعاً أنا ما زلت أحترم أدونيس وأعتبره صديقاً، ولكنه لم يغفر لي ولم يتقبل نقدي له. على أي حال، إذا كنت تريد أن تكون مخلصاً لفكرتك وليس للصداقات والفئويات، فمن الطبيعي أن تجد خصوماً. لو انضويت تحت لواء صداقة أو فئة ستضطر إلى المجاملة. أظن أن أدونيس لم يحتمل نقدي لأنه جاء من ناقد محسوب على الحداثيين، وأنا أتفهم ذلك.
* هل شعرت في وقت ما أن جهدك النقدي عومل على أساس أنه قادم من الأطراف خصوصاً من عواصم المركز.
– في الحقيقة لا. أنا لم أقدم نفسي يوماً على أساس أني سعودي. أنا لست مثقفاً سعودياً أو خليجياً. أنا مثقف عربي. الكلام الطويل والعريض الذي يُقال في الخليج أو في المغرب العربي غير صحيح. الكتابة الجيدة تفرض نفسها بصرف النظر عن الجغرافيا ومصطلح المركز والأطراف. خذ قاسم حداد في البحرين أو عبد العزيز المقالح في اليمن. خذ أبو القاسم الشابي وقصيدته “إذا الشعب يوماً أراد الحياة …”. نحن لا نستطيع الدفاع عن الرداءة بحجة أنها قادمة من الأطراف. حتى عندما تفكر بشعراء مثل أمل دنقل أو السياب. دنقل جاء من الصعيد وعاش فقيراً ومريضاً. السياب جاء بنفس الطريقة إلى بغداد ثم إلى بيروت. الإبداع هو الذي فرض نفسه في مثل هاتين التجربتين. العمل الجيد يفرض نفسه.
* بدأت بكتاب حداثي هو “الخطيئة والتكفير”، وآخر إصداراتك هو “القبيلة والقبائلية كهويات ما بعد حداثية”. هل تحس أنها صدفة في العناوين أم هناك خط تنازلي موضوعي من الحداثة إلى القبائلية؟
– مرحلة ما بعد الحداثة هي مرحلة الهوامش والهويات الجذرية. في الغرب وفي الشرق معاً هناك عودة إلى اللغة وإلى اللون والدين والعرق والمذهب. العودة إلى المربع الأول للذات. الحداثة كانت على العكس من ذلك. كانت وعداً كبيراً بالليبرالية والديمقراطية والعقلانية. ما الذي جعل العالم يتراجع عن تلك الوعود، ويدخل إلى مرحلة لا يمكن أن توصف بالعقلانية والديمقراطية. كل بلد لديه اليوم إشكال خاص ومحدد. القبائلية واحدة من الهويات الأخرى: الطائفية والعرقية والعنصرية. بغض النظر عما إذا كنا معها أو ضدها، وعما إذا كنا فاعلين أو ضحايا. أنا كباحث لا أناقش هذه النقطة. مهمتي أن أتعرف على الظاهرة الثقافية البشرية كمنطلق أولاً ثم على تجلياتها المباشرة في الفضاء الخاص بي. القبائلية عادت إلى شبه الجزيرة العربية وإلى العراق تماماً كما عادت العرقية واللون واللغة إلى أوروبا وأميركا. هناك حروب بسبب اللغات. لنتذكر كلام أمين معلوف عن الهويات القاتلة. سابقاً كان هناك أفق واسع من الأفكار ومن الانتماء إلى هذه الأفكار. اليوم لم يعد هذا الأفق موجوداً. الحداثة بدأت بوعود كبيرة لم تتحقق. وجدنا مزيداً من الحروب ومزيداً من المجاعات والأوبئة والتصفيات العرقية.
* ولكنك قلت في حوار سابق لك، إن هذا يصاحب أي فكرة جديدة مثل الآثار الجانبية المصاحبة لدواء ما؟
– نعم ولكن المشكلة أن الآثار الجانبية للحداثة صارت هي المرض نفسه تقريباً. صار الانسان في الكثير من البيئات، وخصوصاً النساء تتمنى أن تمشي في الشارع بدون أن تُختطف أو تغتصب. كيف يمكن مقارنة ما يحدث اليوم بما كان يحلم به العالم في خمسينات القرن الماضي. أنا لا أقول أن الماضي أفضل والراهن أسوأ. أنا أقول إننا نحتاج إلى قراءة الهويات الجذرية ومعرفة أن صعودها ليس حقيقة منفصلة عن كونها نتيجة لأسباب كونية. الخوف الأسطوري الذي كان في داخل الانسان القديم سكت بسبب الدين والعلم معاً. الآن عاد هذا الخوف بتجليات حديثة، هناك خوف من نضوب البترول والطاقة والمياه وخوف من الانحباس الحراري. هناك خوف من الآخر. الآخر الخارجي والآخر الداخلي في البلد نفسه. هذا الخوف يُفقد الفرد طمأنينته السابقة. ربما كانت تلك الطمأنينة وهماً أو مخدراًولكنها أشعرتنا بنوع من الأمان. اليوم هذا الخوف يدفعك إلى اللجوء إلى أوهامك القديمة .. إلى هويتك الرمزية الأصلية. هذا كان موضوع كتابي.
* أخيراً ما رأيك بالرواية السعودية الجديدة؟
– أعتقد أنه من الخطأ النقدي أن نتكلم عن هذه المرحلة ونقول إن هذه الروايات ليست مهمة. حتى غير المهم يصبح مهماً بطريقة ما إذا كان ذلك يؤدي إلى إحداث تغيير ثقافي. التراكم عادة يفضي لاحقاً إلى اختيار. لوكان لديك ألف رواية حتماً ستجد خمساً منها ممتازة. ولكن كيف صارت ممتازة؟ بسبب رداءة الباقيات. الروايات السعودية الجديدة مهمتها هي كسر الصمت. أنا لا أرأف بها نقدياً ولكن إذا وضعنا هذه الأعمال في ميزان النقد الثقافي وليس الأدبي فإن مفعولها إيجابي، ولكن على ستوى النقد الأدبي يمكن قول كلام آخر بحق هذه الروايات. على مستوى النقد الثقافي كسرت هذه الروايات الصمت والتحرّج والتردد. المجتمع المحافظ يستعيب عادة أن يُحكى عن خصوصياته. الرواية جاءت لتلعب على هذا الجانب. بدأ المجتمع يتقبل هذه الروايات. وردود الفعل باتت أقل حدة مما كانت عليه قبل خمس سنوات.
الراي