لجنة عراقية – سورية – أميركية ؟
سركيس نعوم
فاجأت ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما العالم ولا سيما العربي منه عندما امتنعت عن مساندة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في اتهامه سوريا بشار الاسد قبل اسابيع برعاية اخصام العراق من بعثيين واسلاميين اصوليين وحمايتهم ومساعدتهم بوسائل متنوعة على التنظيم والتدريب والتسلل الى الاراضي العراقية عبر الحدود المشتركة بغية تنفيذ اعمال ارهابية ليس ضد القوات الاميركية المحتلة فقط بل ايضاً ضد دولة العراق وقوى امنها ومؤسساتها وشعوبها. وفاجأته ايضاً بتعليقاتها المهادنة لسوريا والمخففة من مسؤوليتها عن الاعمال الارهابية التي نسب المالكي اليها الضلوع فيها والتي كان آخرها تفجيرا بغداد اللذان اوقعا المئات بين قتيل وجريح. ولم يمنعها من ذلك استمرار المالكي في توجيه اتهاماته الى السوريين.
ما هي اسباب الموقف الاميركي المتعقّل هذا او الحكيم من اتهام رئيس وزراء العراق سوريا مباشرة بالتخطيط لعمليات ارهابية في بلاده او على الاقل بالمساعدة في الاعداد لها؟
السبب الابرز، على ما تقول مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة بعضها اميركي هو غياب اي أدلة مقنعة وكافية من شأنها دعم الاتهامات التي وجهها المالكي الى النظام الحاكم في سوريا بعد التفجيرين الارهابيين الانتحاريين الضخمين في العاصمة العراقية. وهو ايضاً عدم وجود أدلة واضحة تشير الى ان تنظيم “القاعدة” الاسلامي الاصولي الارهابي هو الذي نفذ التفجيرين المذكورين. وهو اخيراً معرفة الاميركيين ان اللاجئين العراقيين في سوريا ومنهم المنتمون الى حزب البعث الحاكم فيها لا يتلقون معاملة خاصة من المسؤولين في دمشق الذين يكتفون بتقديم نوع من المساعدة او الرعاية اليهم تمكنهم من العيش في الحد الادنى. اما لماذا ضخّم المالكي الوجود والنفوذ البعثيين في العراق فلأن الخوف من انبعاث حزب البعث في بلاده من جديد حفر عميقاً في نفسه، على حد قول المصادر نفسها. علماً ان بعضا منها يورد سبباً آخر لذلك هو اقتناعه بأن مهاجمته سوريا سياسياً واعلامياً طبعاً من شأنه مساعدته في تنفيذ اجندته او خططه السياسية الطموحة وخصوصاً ان العراق على أعتاب معركة انتخابات نيابية لا تبدو سهلة عليه هذه المرة مثلما كانت سهلة الانتخابات المحلية الاخيرة التي خاضها وحقق فيها فوزاً كبيراً.
طبعاً لا يعني ذلك استنادا الى المصادر اياها ان الحدود بين العراق والدول المجاورة له وخصوصاً مع سوريا لا تقلق المسؤولين في الادارة الاميركية من مدنيين وعسكريين ولا تؤثر في شكل او في آخر على علاقة بلادهم بسوريا. لكنه يعني انهم لا يزالون يأملون في معاودة البحث في هذا الموضوع مع بغداد ومع دمشق ولكن ليس بطريقة ثنائية وانما من خلال تطبيق اقتراح سبق ان قدمته واشنطن ووافقت عليه العاصمتان المذكورتان لكن تنفيذه أُرجىء او جُمِّد بعد الازمة التي فجرها رئيس الوزراء العراقي بين بلاده وسوريا. ودعا هذا الاقتراح في حينه الى انشاء لجنة ثلاثية، عسكرية على الارجح، تمثل العواصم الثلاث وتتولى البحث في كل المشكلات الحدودية بين سوريا والعراق. ويفترض على حد قول المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة نفسها وبعضها اميركي ان يوضع تأليف اللجنة المذكورة على نار قوية وأن تباشر اعمالها. وفي انتظار ذلك فان الادارة الاميركية عملت وستستمر في العمل بوسائل مختلفة من اجل مواصلة البحث مع سوريا في كل القضايا المقلقة لهما معاً او لكل منهما وللعراق في الوقت نفسه. وفي هذا الاطار كانت زيارة نائب وزير الخارجية السوري لواشنطن اخيراً رغم ان المحادثات الرسمية التي اجراها مع مسؤولين اميركيين كبار بدا ان هدفها في صورة اساسية مناقشة قانونية وتقنية للوسائل الواجب استخدامها لرفع عدد من العقوبات الاميركية المفروضة على سوريا بموجب “قانون محاسبة سوريا”… وذلك نظراً الى الكم الهائل من المعلومات الخاطئة عفوا او عمداً عن رفع عقوبات محددة والتي نشرتها الصحف وغالباً بتسريب سوري. وقد جرى في هذه الاجتماعات شرح تعقيدات رفع العقوبات لنائب وزير الخارجية السوري واحيط علماً بأن المضي قدماً في هذا الامر يقتضي بحثاً بين دمشق وواشنطن في مسائل سياسية مختلف عليها او بالأحرى تحقيق تقدم في بحث كهذا وبين المسؤولين فيها. ومن هذه المسائل عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة مثل العراق ولبنان. ومنها أيضاً انهاء الدعم المقدم الى “حماس” الفلسطينية و”حزب الله” اللبناني. علماً، تلفت المصادر اياها، ان هذه الموضوعات قد نوقشت تفصيلاً في الاجتماعات بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم ومساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان وكذلك بينه وبين مساعد موفد الرئيس الاميركي المكلف السعي الى تسوية ازمة الشرق الاوسط فردريك هوف الذي يعمل في موقعه على سوريا ولبنان. وقد بدا واضحاً في كل المحادثات المشار اليها ان الادارة الاميركية كانت جدية في البحث عن وسائل لاحتواء النزاعات مع سوريا ومحاولة ايجاد حلول لها.
هل تنجح اميركا اوباما مع سوريا حيث فشلت اميركا بوش الإبن؟
تجيب المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة نفسها وبعضها اميركي ان الادارة المذكورة قررت اعتماد الحوار مع سوريا، وغيرها، لتسوية المشكلات والخلافات. اولا، لأنها تؤمن بهذا النهج بعدما ثبت فشل نهج المواجهة وخصوصاً العسكرية. وثانياً، لان السياسة التي انتهجتها فرنسا واسرائيل أضعفت على نحو كبير سياسة العزلة التي انتهجتها ادارة بوش الابن. وما يجري اليوم هو التشديد على ضرورة اختبار سوريا وخصوصاً في موضوع لبنان والحدود العراقية و”حماس” و”حزب الله”. ويبدو استناداً الى معلومات اميركية يفترض انها دقيقة ان سوريا تتجاوب الى حد ما في الاختبار المذكور. ومن الدلائل على ذلك امتناعها عن تسليم “حزب الله” شحنة صواريخ ارسلتها اليه ايران عبرها. وقد يكون من اسباب ذلك، الى الاختبار الاميركي، تهديد اسرائيل بتوجيه ضربة الى سوريا في حال تسليمها الشحنة المذكورة الى اصحابها.
النهار