حسين العوداتصفحات العالم

السياسة الأميركية.. أسلوب جديد لأهداف قديمة

حسين العودات
تفاءلت معظم شعوب العالم و(حكامها) بانتخاب الرئيس باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، ذلك أن هذه الشعوب وربما حكوماتها أيضاً كانت تئن من وطأة سياسة إدارة الرئيس السابق جورج بوش وأساليبها، حيث استغلت هذه الإدارة ومحافظوها الجدد فرادة بلادهم (بالقوة والهيمنة).
ورغبتها قيادة العالم وحيدة، وأرادوا الاستفادة من الظروف التي تحققت من خلالها الزعامة الأميركية للعالم، لفرض آرائهم وسياساتهم التي لا ينقصها الصلف وحب السيطرة والرغبة بالتحكم بالعالم (بصغيراته وكبيراته)، وإقامة نظام جديد مفروض على العالم كله، خلاصته إلغاء حق الشعوب في تقرير مصيرها، ومنعها من المطالبة بحقوقها، وتحويلها إلى خادمة ومعينة للسياسة الأميركية.
وخاضعة لاحتكاراتها، ومرحبة بالاستغلال الأميركي، وسعيدة بإلغاء ثقافتها وهوياتها الوطنية ومساهماتها ببناء الحضارة الإنسانية، أي تحويل حكومات العالم إلى (ملتزمة) تقديم الخدمات، وشعوب العالم إلى عمال تراحيل.
ولم تكن شعوب الأرض، لا المتقدمة منها ولا النامية، تقبل بهذه السياسة التي رغب المحافظون الأميركيون الجدد فرضها، وإن لم يستطع أحد في عالمنا الصراخ رافضاً هذه الإملاءات علناً، والعمل ضدها ومقاومتها، فقد رفضها بقلبه وهو أضعف الإيمان.
ولذلك رحب كثيرون في كل أصقاع الأرض بسقوط إدارة بوش ونجاح إدارة أوباما، التي طرحت أسلوباً جديداً لتطبيق سياستها في العالم هو أسلوب الحوار، ورفض الإملاء، وأكدتـ بالنسبة للموقف من القضايا العربية والإسلامية ـ على احترام الدين الإسلامي والثقافة العربية واتباع أسلوب الحوار معهما، وهذا ما قاله الرئيس أوباما في كلمتيه الموجهتين للعرب والمسلمين اللتين أطلقهما من تركيا ومن القاهرة.
ورغم الحذر لدى عديد من الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية العربية والإسلامية من السياسة الأميركية بشكل عام، ومن الوعود الأميركية التي أطلقتها الإدارات المتتابعة والمرشحون للرئاسة بشكل خاص، فإن التفاؤل كان هو الغالب على مواقفها، لكن الجميع انتظروا قرب تعديل هذه السياسة، سواء منها ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي والاحتلال والاستيطان، أم ما يتعلق بالقضايا الأخرى كالتواجد العسكري في العراق وأفغانستان، والتعاون الاقتصادي واحترام الثقافة والهوية وغيرهما.
والاهتمام الكلي بالحوار، وعدم ممارسة الضغوط، واحترام مصالح الشعوب الأخرى والتعاون معها بل ومساعدتها، وما زالوا ينتظرون دون أن يلمسوا ما يشفي غليلهم.
لذلك بدأ التفاؤل العربي والإسلامي يذبل مع مؤشرات تراجع سياسة الرئيس أوباما وإدارته وتجاهله وعوده أو الالتفاف على هذه الوعود بما يغطي تراجعها، وبدأت الخيبة تكبر، والضغوط الأميركية تستأنف رحلتها التاريخية وتكاد (حليمة أن تعود لعادتها القديمة)، ولعل تراجع الموقف الأميركي من الاستيطان الصهيوني والمحادثات الفلسطينية الإسرائيلية.
والمفاوضات السورية الإسرائيلية، والضغوط على السلطة الفلسطينية لتأجيل بحث تقرير غولد ستون المتعلق بجرائم إسرائيل في غزة، وبلع الإهانات التي أطلقها نتانياهو تجاه هذه الإدارة، وتمرد الحكومة الإسرائيلية للمرة الأولى في تاريخها على الإدارة الأميركية دون الخشية من عقاب، لعل هذه كلها مؤشرات على التراجع الأميركي وذبول الوعود ومبرر تبخر التفاؤل العربي والإسلامي.
يبدو أن بعضنا كان مخطئاً عندما ظن أن الرئيس أوباما قادر على تنفيذ آرائه وتغيير سياسة بلاده، فقد تناسينا أن السياسة الأميركية هي حصيلة مصالح أحزاب واحتكارات وشركات، من شركات صناعة السلاح إلى الاحتكارات النفطية والصناعية والشركات المالية والعقارية، ومؤسسات راسخة الجذور شريكة رئيس في صنع القرار (كوزارتي الدفاع والخارجية) ولا يصنع هذه السياسة رئيس بمفرده، ولن يستطيع أي رئيس فرض أفكاره أو مواقفه كما هي الحال في عدد من الدول النامية، وبالتالي فالرئيس أوباما هو قوة واحدة من قوى عديدة ومتعددة تصنع السياسية الأميركية هي قوة الشرعية الدستورية، وأي تغيير محتمل في هذه السياسة سيكون بالشكل لا بالمضمون، وبالأسلوب لا بالأهداف.
مسألة أخرى هي في الواقع افتراض يقول أن نقاط القوة التي جاءت بالرئيس أوباما كانت رداً على المحافظين الجدد، حيث أراد الديمقراطيون والشعب الأميركي من خلالها تأكيد انفتاحهم وديمقراطيتهم وبعدهم عن العنصرية، كون المرشح من أصول إفريقية، وأبوه مسلماً، ومن طبقة فقيرة.
وليس واحداً من أغنياء الولايات المتحدة واحتكارييها، لكن نقاط القوة هذه تشكل نقاط ضعف للرئيس الذي ربما (بشكل غير مباشر) يريد أن يثبت أن سياسته هي سياسة الأميركيين البيض أنفسهم وليست بعيدة عن مصالح الشركات والاحتكارات والمؤسسات الطاغية في الإدارة وغيرها. واستطراداً فإن سياسته الإسلامية والعربية غير متأثرة بمشاعره تجاه الإسلام أو العرب فيما إذا كانت موجودة وإيجابية.
وعلى ذلك فربما يزايد (بشكل غير مباشر أيضاً) على من لهم رأي آخر وموقف آخر، ولم يبق من سياسته سوى التأكيد على أسلوب الحوار، والذي هو بدوره سيف ذو حدين، فسياسة الحوار لا تتجزأ سواء كانت مع العرب أم مع الإسرائيليين، ومن الصعب نظرياً الرد على هذا المبرر إن احتجت به الإدارة.
من المؤكد أن العرب والمسلمين (شعوباً وحكومات) يتمنون أن لا يتراجع الرئيس عن سياسته التي أعلنها فور انتخابه تجاه قضاياهم، وأن لا تخيب آمالهم فيه وفي إدارته وفي الولايات المتحدة كدولة كبرى غنية وقوية عليها واجب العمل لتطبيق العدالة والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والاعتراف بحقوق الشعوب وحقوق الإنسان ودعمها وصولاً إلى عالم آخر يسوده العدل والسلام، ولكن المؤشرات جميعها تؤكد ـ مع الأسف ـ أن التفاؤل العربي لم يكن مبنياً على أسس متينة، ويبدو أنه على وشك الانهيار، لأن التغيير الذي تم ويتم هو فقط في الأسلوب وليس في الأهداف.
كاتب سوري
“البيان”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى