ما يحدث في لبنان

صورة المشرق العربي اليوم

null

حازم صاغيّة

ما حدث، قبل أيّام، في بيروت وفي سائر لبنان، لم يكن حدثاً لبنانيّ المصدر بالمعنى الحصريّ، كما لن يكون حدثاً يحتكر لبنان نتائجه. فهنا، في “الساحة اللبنانيّة” على ما درج القول، تجمّعت تناقضات المنطقة العربيّة بمجملها وتكثّفت، حتّى ليصحّ اعتبار بيروت المرآة الأدقّ لتوازنات القوى ومسارها في عموم المشرق العربيّ وجواره.

وأولى الملاحظات التي تتبدّى في هذا المجال أن العرب، على ما لاحظ غير مراقب في العامين المنصرمين، انعدموا حقّاً بوصفهم إرادة وفعلاً سياسيّين لمصلحة كلّ من إيران وإسرائيل. هكذا نرى نفوذ طهران، بالتحالف الوثيق مع دمشق، يهدّد بقضم بيروت بعدما قضم غزّة، فيما توالي إسرائيل سياسة الاستيطان وتوسيعه من دون أيّ تقدّم فعليّ باتّجاه تسوية مع الفلسطينيّين تسفر عن نشأة الدولة الموعودة لهم. وليس من غير دلالة، في المعنى هذا، أن يصطفّ رئيس الحكومة اللبنانيّة فؤاد السنيورة الى جانب الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس ضعيفين عاجزين فاقدين للتأثير في مجريات بلديهما. فالأوّل، وبغضّ النظر عمّا سينتهي إليه مؤتمر الدوحة، لن يحتفظ، لا هو ولا أيّ من رموز “14 آذار”، برئاسة الحكومة اللبنانيّة، بينما الثاني بات يربط مستقبله السياسيّ بعمليّة التسوية التي لا يلوح لها مستقبل.

وانعدام العرب سياسيّاً هو ما تلعب فيه سورية دوراً مركزيّاً حيث تمارس تجويف الوظيفة العربيّة المفترضة من الداخل. وهي، والحقّ يقال، لعبة خطرة على الكلّ: ذاك ان ما قد ننتهي جميعاً اليه ليس فقط تصدّع الاستقرار ووضع الكيانات والخرائط على المحكّ، بل أيضاً صعود السلفيّين التكفيريّين والارهابيّين، على عمومهم، وتصدّيهم لملء الفراغات بطرقهم القاتلة. وها هو أسامة بن لادن يطلّ من جديد في ثوب الأب الحريص على الشعب الفلسطينيّ وقضيّته. فإذا قيل إن دمشق نفسها لن تكون بمنأى عن هذا الحريق، وهو ما لن تقف ناره معتذرة ومنكفئة عند البوّابة السوريّة، قيل أيضاً إن المحكمة الدوليّة للتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري تُفقد سورية سيطرتها النفعيّة على حركتها، فتتصرّف على هدي “أنا الغريق…”.

هكذا، وفي معزل عن حسن النوايا القطريّة أو سوئها، يلوح انعقاد المؤتمر اللبنانيّ في الدوحة دليلاً على تقلّص الأوزان العربيّة في إطفاء حرائق المنطقة، فيحلّ الأضعف محلّ الأقوى للتعامل مع مهمّة تستدعي كلّ قوّة القويّ.

يقابل ذلك عجز الولايات المتّحدة الأميركيّة الذي لم يتبدّ من قبل على النحو الذي يتجلّى اليوم. فما بين نهايات الولاية الثانية لجورج دبليو بوش والتردّد الذي عموماً ما يسم عمل الديموقراطيّات وصناعتها القرار، وما بين مرارات حرب العراق وأكلافها فضلاً عن الانخراط في حملة الانتخابات الرئاسيّة والانشغال بها، تتراءى واشنطن العربيّة وكأنّها مجرّد عاصمة صوتيّة فحسب. وكم كان هذا واضحاً في جولة الرئيس بوش الأخيرة في الشرق الأوسط حيث اندرجت الوعود الضخمة في شأن الدولة الفلسطينيّة، وكذلك التهديدات في ما خصّ إيران وسوريّة و”حماس” و”حزب الله”، في خانة وهم سبق أن سمعناه وصُور سبق أن رأيناها.

فإلى أين نحن ذاهبون من هنا؟

لقد قضت المعادلة الكلاسيكيّة للاستقرار اللبنانيّ باعتبار ذاك الاستقرار نتاج اتّفاق وتوازن بين “العرب”، لا سيّما عواصمهم الكبرى والأشدّ تأثيراً، وبين “الغرب”، أي فرنسا وبريطانيا قبلا والولايات المتّحدة منذ أواخر الخمسينيات. هذان الاتّفاق والتوازن ما أنتجا الاستقلال للبنان في 1943، ثم نجمت عنهما تسوية1958 التي أعقبت النزاع الأهليّ للعام المذكور. بعد ذاك تكرّر الأمر نفسه، مع اختلاف في التفاصيل والأسماء، حين انعقد مؤتمر الطائف واعتُبر إنهاء للحرب البادئة في1975.

والمعادلة هذه نراها الآن تتصدّع إذ ينعدم، أو يكاد، التأثيران العربيّ والغربيّ في وقت واحد، لتنحصر المبادرة في يدي إيران وسوريّة ذات العلاقة المتردّية مع المراكز الكبرى للقرار العربيّ.

فهل ثمّة ما يستحقّ التعويل عليه في لبنان، وتالياً في منطقة المشرق التي يُعدّ لبنان مرآتها الأوضح وساحتها الأهمّ؟

أغلب الظنّ أن الجواب سلبيّ. عسى نكون مخطئين.

كاتب لبناني
جريدة الغد


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى