قانون الانتخاب، فبركة الاقتتال
امين قمورية
غاية قانون الانتخاب في الدولة الحديثة تجديد الحياة السياسية وتنقية شرايينها بمدها بنخب جديدة وتصحيح الاخطاء عبر المحاسبة او المكافأة. اما في لبنان، فان هذا القانون آلة سحرية لا بد منها لتعميق التعصب والانقسام، وفبركة الخلافات والاقتتال كلما آن اوانها.
قواعد عمل هذه الآلة السحرية بسيطة جدا وفهمها لا يحتاج الى عناء. فيكفي ان تعرف ما هو القانون لتعرف من هم النواب الجدد اسماء وانتماءات وحتى اصواتا، ويكفي ان تعرف شكل التقسيمات الادارية لتعرف ما هي احجام الكتل البرلمانية سلفا ولتعرف من هي الاكثرية البرلمانية المقبلة، ومن هي الاقلية المعارضة المقبلة.
السياسة في لبنان كلها حزازير بحزازير، ما عدا الانتخابات. النتائج معروفة سلفا ولا مفاجآت اللهم، الا في الدوائر المحشورة طائفيا بنسب متقاربة من الناخبين. لا بل ان شكل التمثيل السياسي في اي مجلس عتيد منبثق من اي قانون انتخاب لا يعتمد النسبية يمكن ان يسهل التخمين متى موعد الاقتتال الطائفي المقبل، او متى موعد الحرب الاهلية المقبلة؟
فاذا تركت بيروت انتخابيا على اساس قانون عام 2000 فان الاكثرية الحالية يمكنها ان تحافظ على غلبتها البرلمانية، واذا قسمت على اساس قانون 1960 فان المواقع قد تتبدل ويمكن عندئذ للمعارضة الحالية ان تصير اكثرية وتتحول الاكثرية اقلية. اذا تركت دائرة واحدة قد تنتج الوانا سياسية متنوعة من النواب. واذا قسمت بالطول قد تنتج لونا سياسيا معينا. واذا قسمت بالعرض قد تنتج لونا مغايرا. واذا قسمت على اساس غلبة لون طائفي على الالوان الطائفية الاخرى فلا غرابة ان يعتبر المغلوبون انفسهم ضحية “حرب الغاء” سياسي بالصناديق وعندئذ يمكن التنبؤ بموعد الانفجار المقبل.
واذا قسمت على اساس الصفاء الطائفية لكل دائرة من دوائرها الانتخابية فليس من الصعب تقدير اين ستكون خطوط التماس المقبلة.
عادة، كان الناخبون في الدائرة الثانية لبيروت يتوجهون من دون حماسة تذكر لاختيار بضعة نواب. الآن صار مصير لبنان واللبنانيين معلقا على الشكل الذي سترسو عليه دائرتهم، وعلى تركيبة ناخبيها واتجاه تصويتهم. وقد تكون هذه “المسؤولية التاريخية” التي القيت عليهم من حيث لا يدرون، سببا لغيرة ناخبي الدوائر الاخرى واحتجاجاتهم. فلا يكفي ان في لبنان ناخب يحق له اختيار اكثر من 15 نائبا كما في الشمال والجنوب في مقابل ناخب لا يحق له سوى باختيار نصف هذا العدد في الجبل وبيروت او البقاع، اي ناخباً بسمن وآخر بزيت، فقد صار هناك ناخب مكلف “مسؤولية تاريخية” وناخب هامشي لا يحظى بمثل هذا الشرف الرفيع!
جميع الافرقاء السياسيين في لبنان يزينون حجمهم الانتخابي على هواهم وبمقاساتهم الخاصة، ويسعون الى قانون انتخاب يترجم هذه الاماني على ارض الواقع حتى وان كلّف الامر الفصل بين الاخ واخته في بعض الدوائر تأميناً للصفاء السياسي “الطائفي”. وحدها النسبية بين كل القوانين يمكن ان تعكس الاحجام الفعلية على حقيقتها وتعطي كل صوت وزنه. لكنها هي ايضاً غائبة عن الدوحة وستظل مغيبة طويلاً، لا لانها تفضح حقيقة الاحجام والاوزان، بل لان من شأنها ان تسمح بتسرب اصوات “نشاز” من خارج الاصطفافات الطائفية والطائفيين وبلا منة منهم، ولانها وحدها لا تتأثر بآلاعيب الاستئثار بالسلطة ولا تعترف بقوى الامر الواقع المفروض على الارض.
من الدوحة ثمة مشهد وحيد علق في الاذهان: اللبنانيون هنا قلقون من مصير اسود، وتجار السياسة والحروب هناك يتصارعون على مقعد نيابي تحت ذريعة تأمين متطلبات العيش المشترك والتوازن والعدل والمساواة.
فحتام تبقى اصواتنا سلعة يتاجرون بها في سوق المزايدات الطائفية؟
ألم يحن اوان حرمانهم اياها او مقايضتها لمرة واحدة فقط بذرة وطنية؟