صفحات العالمما يحدث في لبنان

محور الإشكاليّة: سوريا رعت الطائف فيما المتمسكون به في حال انقلاب عليها

جورج علم
يعرف رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان الجواب جيداً، وقد يأتي الوقت ليفصح، ويبررّ، إلاّ أن السؤال الذي يستهدفه مباشرة ومن زوار كبار عرفتهم بيروت هذه الأيام: أين طاولة الحوار؟ ولماذا لا يبادر الى دعوة الأقطاب اليها؟ وإن لم يكن حوار للتفاهم على كيفيّة مواجهة التحديات التي تتربص بلبنان الآن، فحول ماذا، ومتى يكون؟
ويتنقّل السؤال هذا وسط المحيط الأكثري، ويأتي الجواب متنوعاً، حيث تحرص السرايا على التمسّك بالدستور، وبصلاحيات الرئيس المكلّف، وترجمة ذلك ان الطاولة ضرورة، ولكن بعد اكتمال عقد المؤسسات الدستوريّة وتأليف الحكومة ونيلها الثقة، عندها يصبح الظرف مؤاتياً للتشاور حول شكلها ومواصفاتها، والمعايير التي يفترض أخذها بعين الاعتبار عند اختيار من سيجلس حولها.
وتشكّل الطاولة حساسيّة مفرطة عند بعض الفريق الأكثري، كونها تذكّر باتفاق الدوحة، وبإحدى التوصيات التي جاءت واضحة في متنه، فيما المطلوب التحليق خارج الدوحة في أجواء الطائف، وكيفيّة وضعه موضع التنفيذ بالكامل لطمأنة الفريق المسيحي الأكثري على الأقل، وهو المتخوّف من وجود مؤامرة تستهدف النظام، ولا بدّ من تدجين هذه المخاوف، وطمأنة أصحابها من خلال التشبث بأهداب الطائف ودستوره.
وليست العقدة بهذا الحجم عند الفريق الأقلوي، فأبوابه مشرّعة لاستقبال كلّ الاحتمالات، إلاّ أنه أكثر غيرة على الرئيس ودوره، وصلاحياته، ولم يطالبه علناً بأخذ المبادرة، والدعوة الى الحوار، او الى أي خيار آخر عن طريق الحوار، لكنه يرى أنه من غير المقبول أن «يغرق فخامته بالروتين»، بل عليه أن يبادر، أن يتحرّك، أن يقترح ويقارع للوصول الى ديناميّة يريدها ويديرها لتحقيق الغايات الوطنيّة المرجوة منها، ويؤكد من خلالها حرصه على الإمساك جيداً بزمام الأمور.
ولا يرى هذا البعض أن في الأمر ازدواجيّة، او تجاوزاً للدستور والصلاحيات، طالما ان الرئيس المكلّف ماض في مهمته ولا شيء يثنيه عن ذلك، او يتعارض معه، فيما الحوار بدعوة من رئيس الجمهوريّة، ورعايته سيتناول قضايا وطنيّة كبرى، وتحديات ماثلة في الأفق، وربما أسهم في تطريّة الأجواء الحكوميّة، ومعالجة الكثير من العقد والعقبات التي تعترض التأليف.
وما بين الدور، والصلاحيات، يدور بعض حراك الموفدين، خصوصا الأوروبيين منهم. صحيح أن هناك أهدافاً ومصالح استدعت حضورهم للتقصّي والمتابعة، لكن هناك بالمقابل حرصاً على معرفة مدى القابليّة والقدرة عند اللبنانيين على التصديّ بشجاعة وتعقل الى كلّ ما يعتمر في صدورهم من هواجس ومخاوف تتلطى تارة بتعديل الدستور وإعادة بعض الصلاحيات لرئيس الجمهوريّة، وتارة أخرى بالحرص على تنفيذ الطائف كاملاً، بحجّة أن الكثير من بنوده لم يأخذ طريقه الى التنفيذ، وبعد ذلك، وفي ضوء كلّ ذلك، يصار الى إعادة تقويمه. ولكن ـ وكما يقول بعض ممثيلهم في بيروت ـ إن النظرة الى روما من فوق مختلفة عمّا هي عليه من تحت، وإن الاصطدام بالحقائق على أرض الواقع يأخذ الأمور باتجاهات مغايرة، ذلك ان لبنان شهد حواراً في العهد السابق، وطاولة تنقلت ما بين ساحة النجمة وقصر بعبدا، لكن حدّه الأدنى كان يومها الإصرار على تطبيق القرار 1559، فيما حدّه الأقصى التهويل شبه المستمر باستخدام المحكمة الدوليّة كسيف مسلط بوجه سوريا، بدعم وإصرار من الإدارة الأميركيّة ومن معها من المجتمع الدولي. في حين ان الحوار اليوم يتطلب كاسحة وطنيّة تحرر طريقه من ألغام كثيرة، اولها حوار لا تقوده السفيرة ميشيل سيسون، كأن تجلس الى الطاولة بصورة غير مباشرة او وراء العازل بصورة مباشرة لتحدد أولوياته، وتشرف على إدارة وقائعه. وثاني هذه الألغام يتصل بالعلاقة مع سوريا بعدما أثبتت التجارب أن التصويب المباشر على دمشق لا يمكن ان يؤدي الى معالجة مسألة السلاح خارج المخيمات، وإن كان التفاهم قد حصل بين أقطاب الحوار حوله، وإن استنجاد فريق محلي بمحور عربي لمواجهة محور آخر سيحوّل الطاولة الى خط تماس يتخندق وراءه المتحاورون وفقاً لاصطفافاتهم السياسيّة.
ولعل التجربة التي يخوض غمارها الرئيس المكلّف سعد الحريري مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، ورئيس حزب المردة النائب سليمان فرنجيّة، وآخرين، مثيرة للاهتمام، لأنها البديل عن حوار كان يفترض ان يكون بضيافة حامي الدستور، ولأنها محاولة جادة لاكتشاف الآخر، والتعرف الى أفكاره وطروحاته، وهواجسه ومخاوفه، توطئة لبناء جسور الثقة، ومعها جسور التعاون والانسجام.
ولا يرى رئيس الجمهوريّة في ذلك حرجاً، طالما ان الغاية تأليف حكومة وحدة وطنيّة، وشرطه في ذلك ان تكون وحدة وطنية بالفعل لا بالشعارات فقط، وللوصول الى هذا الهدف المرجو، لا ضير إذا ما تحوّلت الاستشارات الى «ميني حوار» للتفاهم حول كل المواضيع التي يفترض ان يأتي على ذكرها البيان الوزاري.
والمسألة في نهاية المطاف لا تقتصر على من يحاور، وكيف يحاور، بل الإرادة في الحوار والتصميم على تحريره من الضغوط الخارجيّة بحيث لا يبقى حواراً بالواسطة ما بين الولايات المتحدة وإيران، او ما بينها وبين سوريا، او بين أصحاب هذا المشروع على مستوى المنطقة، لهذا الفريق من السياسييّن، مقابل أصحاب المشروع الآخر، والطرح الآخر، من قبل الفريق المواجه او المنافس.
وإذا كان الحوار الدائر والذي يتولاّه الرئيس المكلّف، يشكّل جزءاً ممهداً او مكملاً لمسعى التأليف، فإن الحقيقة تقضي بالاعتراف أن العقبات أكبر من كل كلام تفاؤلي عن تفاهمات وإيجابيات، فلا معادلة س. س. قد شملت بعفوها كل الذنوب والهفوات المرتكبة بين فريقي الأكثرية والأقليّة، ولا القمة السعودية ـ السوريّة قد حسمت إشكالية الحوار مع سوريا كبديل للحوار على سوريا، ولا ترسملت القوى المسيحيّة في الفريق الأكثري بضمانات تؤكّد: «على الطائف… ونقطة عالسطر؟!»، ولا قبلت الأقليّة بأي خروج عن روحيّة اتفاق الدوحة الذي كرّس مبدأ حكومات الوحدة الوطنيّة، سواء احتفظت الأقليّة بالثلث الضامن العلني، كما هي الحال في حكومة تصريف الأعمال، او بالتفاهم على صيغة 15 ـ 10 ـ 5.
لكن إذا كان الحوار حول التأليف قد أصبح أشبه ببورصة، تارة في صعود، وأحيانا كثيرة في هبوط، فإن ذلك يبررّ لبعض كبار الزوار من ان يطرح السؤال: وماذا يبقى من دور لرئيس الجمهوريّة، إذا لم يفض الحوار الذي يقوده الرئيس المكلّف الى تشكيل الفريق الوزاري الذي يرضي طموحات بعبدا، ويشكل صمّام أمان للوحدة الوطنيّة؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى