خلل سوري سعودي
ساطع نور الدين
هل كان هناك خلل في التقديرات والتوقعات السورية والسعودية من القمة التي جمعت الملك عبد الله والرئيس السوري بشار الاسد، في دمشق في وقت سابق من هذا الشهر، ينعكس سلبا على الحلفاء اللبنانيين الذين لم يفهموا نتائجها حتى الآن، أو الذين لم يتلقوا أصلا هذه النتائج، وما زالوا يحاولون الحصول على توضيحات لما جرى الاتفاق عليه في خلال تلك القمة التي لم تدم أكثر من 18 ساعة، وانتهت ببيانين ختاميين منفصلين، ومن دون لجنة متابعة مشتركة، ولا أي موعد جديد للقاء.
المقياس اللبناني لنتائج القمة دقيق جدا. ولعله الوحيد المعتمد حاليا من جانب دمشق والرياض، ومن عواصم عديدة راقبت باهتمام شديد ذلك اللقاء وما زالت تترقب توابعه. لكن المهلة الزمنية المحددة لذلك المقياس لم تنته بعد. هي شارفت على الانتهاء، لكنه ما زال المرجح أن يتوج سعد الحريري رئيسا لحكومة جديدة تضم جميع الفرقاء، لا أن يخرج من نادي رؤساء الحكومات محتفظا بمرسوم التكليف ليس إلا، ويعلن بالتالي أن السعودية ضاقت ذرعا بذلك الاختبار اللبناني الصعب لهيبتها ومكانتها ومصالحتها المفترضة مع سوريا.
وليس من قبيل المجازفة القول إن العقد اللبنانية الداخلية، أو بالتحديد عقدة مطالب العماد ميشال عون الحكومية، تتخطى كل ما افتتح في قمة دمشق، وتعبر عن معضلة عميقة تتناول ليس فقط الدور بل أيضا الموقع السياسي للمسيحيين اللبنانيين الذين مزقتهم الانقسامات بعدما شردتهم الحروب الأهلية، وما زالوا ضائعين حول العروض التي يتلقونها لإعادة الاندماج في الدولة اللبنانية التي كانوا سبب وجودها، لكنهم لم يكونوا يوما مصدر مجدها، الذي يحتاج البرهان عليه الى جهد استثنائي خارق، خصوصا أنه أصبح حلما يراود المسلمين سنة وشيعة، لكنهم لن يدركوه بسهولة في المستقبل المنظور.
ثمة معضلة داخلية جدية جدا يجري تفكيكها الآن، بمساع تكاد تكون غير سياسية، وهي تؤسس لمصالحات شخصية لا شك في أهميتها، لكنها تعيد الى الاذهان التقييم الاولي الذي أعطي لقمة دمشق السورية السعودية، بصفتها مصالحة شخصية بين القيادتين أكثر مما هي مصالحة سياسية، تحتاج الى الكثير من التنازلات المتبادلة التي لم تلتقط حتى لا في دمشق ولا في الرياض.. ولا طبعا في بيروت، التي لا يزال فيها من يحسن قراءة مثل هذا الحدث العربي المهم.
المؤكد الآن ان دمشق كانت تتوقع أكثر بكثير من بادرة الزيارة الملكية السعودية. ولائحة التوقعات السورية طويلة جدا، لكنها واضحة جدا ومحصورة الى حد بعيد بالعلاقات الثنائية وسبل تطويرها قبل الانتقال الى القضايا العربية الاقليمية. كما ان لائحة التوقعات السعودية كانت طويلة جدا ومحددة جدا، لكنها تعتبر الخلافات العربية والاقليمية مدخلا لتطوير العلاقات الثنائية. ولذلك كان من الصعب جمع هذه التوقعات المتبادلة والمتعارضة في بيان مشترك، ولذلك اختُزلت نتائج القمة بذلك الاختبار اللبناني الذي لا تزال دمشق والرياض تتفقان ضمنا على أنه دليل على حسن النوايا المشتركة التي كان هناك خلل في التعبير عنها!
السفير