ما يحدث في لبنان

إن لم تكن هذه هي الفتنة.. فماذا عساها أن تكون؟

null

زهير سالم

ما يجري في لبنان فتنة على مستوى الأمة، بكل المقاييس والمعايير..

فتنة تستخف الكثير ممن يفترض أن يكونوا من أهل الأحلام والنهى، فيحطبون في حبالها مشرقين ومغربين. وتتعالى فيها الأصوات: منكرة، مستنكرة، مهجرِّة مكفرة، يتقاذف أصحابها بأقسى ما يصل إلى أيديهم من عبارات القذف الدينية والمدنية على السواء.

كتبنا أكثر من مرة في هذا السياق أن التقاذف (بالكفر) ليس عمل الراشدين. وأن (الكفر) كفر (الاعتقاد) أو كفر (العناد) ليس العلة الأولية التي ُيستند إليها عند أول الاختلاف ولا عند آخره كذلك. وحين سئل الإمام علي رضي الله عنه عن الخوارج الذين كفروه وأصحابه وحملوا عليه السلاح: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. فقه ينبغي أن يتعلمه طلاب الرشد من (أقضى الأمة) وإمامها الراشد، وأن يتوقفوا عنده ملياً.

يوم قال أبو ذر الغفاري الذي (ما أقلت الغبراء أصدق لهجة منه) لبلال رضي الله عنه: يا ابن السوداء.. قيل له: (إنك امرؤ فيك جاهلية).

أن نختلف مع (إيران) وأن نختلف مع (حزب الله) في الرؤية والموقف والأداء لا يتيح لنا أن نرمي بقذائف فيها جاهلية من عيار (الفرس) على سبيل الاستصغار ولا (المجوس) على سبيل التكفير.. الذي فرت فرق الأمة أجمع منه.

وأن نختلف مع سواد عام من أبناء الأمة حكاماً ومحكومين لن يغفر لنا أن نرمي بتهم من عيار (الخيانة) و(العمالة) و(التبعية).

في (لبنان) مشكلة، مشكلة كانت موجودة قبل أن يوجد حزب الله وسلاحه، وقبل أن يقتل الحريري.. وقبل أن يبرز تيار المستقبل؛ بل وقبل أن يكون (لبنان) في تجليه الأخير.

بعض مشكلة لبنان هي جزء من مشكلة الأمة في وعي الفرد وإداركه لذاته ودوره على الصعيدين الخاص والعام. وفي عجزه عن تحويل المعطى الإسلامي بمعناه (المدني) المباشر إلى خلق وسلوك وإطار للتعايش وقوام لبناء مجتمع السواء لا بغي ولا عدوان.

(وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض..) ذلك هو العنوان الحقيقي لما يجري في لبنان (والظلم من شيم النفوس) تلك هي الحقيقة الثانية. والذين يعيبون على (القوي) قوته، وعلى (القادر) قدرته، وعلى (المبادر) مبادرته!! لماذا لا يعيبون على أنفسهم الضعف والعجز والتردد والوهن، والانشغال بالصغائر والتفاهات. لنعرف بعض السبب فيما يجري في لبنان لنقارن بين ما تبثه قناة (المنار)، بعيداً عن السياسة، وما تبثه قناة المستقبل على سبيل المثال..!!

لنعرف بعض السبب فيما يجري في لبنان لنقارن بين إصرار أحمدي نجاد على الامتداد، وانكفاء الآخرين تحت شعار (لا أظن التتار يبخلون علي ببغداد).

لنعرف السبب فيما يجري في لبنان لنتابع ما يبذله الشيعة من أثرياء الكويت والإمارات ودول الخليج عامة من مال وجهد على أرض (الشام) سورية ولبنان، نصرة لمشروعهم الذي به يؤمنون، والبذل نصرة للإيمان مهما كان يستحق التحية وينال الإعجاب، وكيف يتلكأ المترددون عند (شبر) الثوب، ونوع شجر السواك، وعظمة فوائد عود الآراك!!

لنعرف ماذا يجري في لبنان.. علينا أن نتوقف عند انشغال أصحاب الفضيلة الكبار بمتابعة (متشات) الكرة (أهلاوي أو زملكاوي) عن متابعة شأن الفلوجة وحماة وطرابلس.. ثم الهيام وراء كل راية عمية غروراً أو استبطاناً لغرور..

أيها الضعفاء، العجزة، المترددون الخائبون.. أقلوا..

أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم

من اللوم أو فسدوا المكان الذي سدوا

مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية
أخبار الشرق – 19 أيار/ مايو 2008


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى