صفحات العالم

أميركا تنخرط.. أميركا تنكفئ

ساطع نور الدين
اقفل الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس إحدى جبهات الحرب التي شنها سلفه جورج بوش على العالمين العربي والإسلامي، وقرر التراجع عن واحدة من اهم حملات الإصلاح والتغيير التي استندت الى الكثير من الأكاذيب والأوهام، والقليل من الوقائع والأحلام.. وساهمت في تفجير حروب اهلية كانت كامنة في عدد من البلدان العربية والإسلامية، فصارت خياراً وحيداً للعرب والمسلمين في مختلف انحاء العالم.
الرئيس اوباما قرر أن «ينخرط» مجدداً مع النظام السوداني، الذي سبق له شخصياً ولسلفه السيئ الذكر أن صنفه إرهابياً واتهمه بارتكاب الإبادة الجماعية في إقليم دارفور وفي الجنوب، وأبدى استعداده الضمني لوقف المساعي الدولية لمحاكمة الرئيس عمر حسن البشير وأركان حكمه بهذه التهم… والعمل بدلاً من ذلك على توفير عدد من الحوافز الأميركية اذا ما التزمت الخرطوم بإنهاء الحروب الأهلية التي تكاد تغرق السودان في الدماء والفوضى.
إنها سياسة «الانخراط» التي وعد بها اوباما في حملته الانتخابية وشرع في تنفيذها فور وصوله الى البيت الأبيض، مع الدول التي كانت إدارة بوش تعتبرها مارقة. وكان هدفه الأول إيران التي كانت تنتظر رحيل الرئيس الأميركي السابق لكي تستكشف إمكانات الحوار مع أميركا، ثم حدد سوريا هدفاً تالياً بالرغم من مقاومة وتحفظ بعض كبار مسؤولي إدارته، لا سيما في وزارة الخارجية، على أي انفتاح متسرع ومجاني على دمشق… بعدما كان قد أبلغ العرب والمسلمين في اسطنبول ثم في القاهرة أن النداء الآتي من واشنطن للتغيير والإصلاح قد صمت نهائياً، لأنه يفترض ان يصدر من داخل المجتمعات العربية والإسلامية لا ان يفرض عليها من الخارج…
وهذا ليس مجرد تعديل عابر في وجهة السياسة الأميركية تجاه العالمين العربي والإسلامي، بقدر ما هو اعتراف ضمني بالهزيمة امام هذه الأنظمة التي «تنخرط» معها اميركا اليوم، والتي تحولها بين ليلة وضحاها من انظمة مهددة بالمحاكم الدولية الى انظمة قائدة او رائدة للأمة، تبتدع صيغاً استثنائية للبقاء، نكاية بالأميركيين او خداعاً لهم، من خلال الإعلان أن الهم الوحيد والمشترك هو الإرهاب الإسلامي… والتوجه مجدداً إلى أميركا بطلب تجديد ذلك الحلف القديم والمقدس بين الدكتاتوريات العربية والإسلامية وبين أجهزة الأمن والاستخبارات الأميركية.
لكن «الانخراط» قد لا يكون سيئاً الى هذا الحد، خصوصاً في الحالة السودانية، وربما ايضاً الإيرانية. لأنه يفسح المجال للمجتمع السوداني الحيوي، والإيراني الذي لا تعوزه الحيوية ايضاً، لكي يعثر بنفسه على آليات التغيير والإصلاح الداخلي، من دون ان يشعر النظام في البلدين أنه مهدد بالسقوط على يد الأميركيين، ومن دون ان يتهم المعارضون بأنهم أدوات أميركية… علَّ في ذلك ما يجنب السودان خاصة مخاطر الانهيار اليمني او الصومالي الذي لا يمكن ان ينسب الى السياسة الأميركية.
ليست فرصة سودانية فقط بل هي فرصة عربية وإسلامية أيضاً، للاستفادة من ذلك «الانخراط»، أو بتعبير أدق «الانكفاء» الأميركي… وإنتاج بدائل تحمي العرب والمسلمين من الاحتلالات الأجنبية او الحروب الأهلية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى