حلم إسرائيلي يتحقق
ساطع نور الدين
حتى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش كان ليتردّد في اتخاذ مثل هذا القرار الاستراتيجي الذي يعيد تأسيس دولة إسرائيل ويعيد تخطيط دورها الاقليمي العسكري والسياسي، الذي كان معظم المحافظين الجدد في إدارته يعتبرونه عبئاً ثقيلاً على اميركا في لحظة اشتباكها مع العالمين العربي والاسلامي، وفي لحظة اغوائها العرب والمسلمين بأن دولهم ومجتمعاتهم ستتحول بين ليلة وضحاها الى ما يشبه المانيا واليابان وكوريا الجنوبية.
طوال ثماني سنوات، كانت ادارة بوش التي خرجت الى واحدة من اشرس الحروب الاميركية على العالمين العربي والاسلامي، تتعامل مع اسرائيل باعتبارها مصدر إحراج واتهام لأميركا بالمعايير المزدوجة، وكانت تطالب الإسرائيليين على الدوام بتدبير شؤونهم بطريقة لا تمسّ بأمن القوات الاميركية المنتشرة في افغانستان والعراق، ولا تسيء الى جدول اعمالها السياسي. فكانت تصفية السلطة الفلسطينية واغتيال رئيسها الراحل ياسر عرفات، ثم حرب لبنان، فحرب غزة، بمثابة فرص انتهزتها إسرائيل أكثر مما كانت خططاً مسبقة وضعتها ونفذتها مع الأميركيين.. الذين لم يكونوا طبعاً يمانعون في تأديب القوى الفلسطينية واللبنانية التي تناهضهم.
وحتى اليوم الأخير من عهد بوش كان النقاش الأميركي حول موقع اسرائيل ودورها في ما كان يُسمى بالشرق الاوسط الكبير ثانوياً بالمقارنة مع موقع دول عربية وإسلامية كبرى كان الأميركيون يتطلعون الى تطويعها وتشكيلها على صورتهم ومثالهم، وكانوا يمنعون الإسرائيليين من اعتبار الفتوحات الاميركية في افغانستان او العراق او سواهما مكتسبات لهم او محطات لتجارهم وخبرائهم او حتى لزوارهم.
باختصار كان هناك بعض الحرج الأميركي في تقديم إسرائيل كحليفة رئيسية في الشرق الاوسط، وكان هناك بعض المراعاة لمشاعر العرب والمسلمين وحساسياتهم الفلسطينية، التي يبدو أن ادارة اوباما قررت الدوس عليها والارتقاء بالتحالف الاستراتيجي الأميركي الإسرائيلي الى مستويات لم يسبق لها مثيل منذ قيام دولة اسرائيل على يد الاوروبيين في العام 1948 وحتى ضمان بقائها وتفوقها على يد الأميركيين في أعقاب حرب حزيران العام 1967.
يمكن الزعم بان المناورات الاميركية الاسرائيلية التي بدأت، امس، هي مجرد تطمين وتهدئة للإسرائيليين الذين تعرّضوا في السنوات القليلة الماضية لهجمات صاروخية من حزب الله وحركة حماس، ولتهديدات ايرانية بمثل هذه الهجمات، لكن حجم القوات الأميركية المنتشرة هذه الأيام في اسرائيل، والتي تفوق تلك التي نشرت في خلال حرب تشرين العام 1973، وكذلك نوعية الأسلحة والصواريخ والرادارات المستخدمة في المناورة، والتي سيبقى معظمها في القواعد الإسرائيلية، توحي بأن اميركا قررت بالفعل تحويل دولة اسرائيل من قلعة حصينة قادرة على حماية نفسها الى قاعدة عسكرية متقدمة، تتجمع فيها الوحدات الأميركية التي تنقل من اوروبا وتنطلق لخوض معاركها المقبلة في العالمين العربي والإسلامي، ليس فقط على الجبهة الإيرانية التي توشك أن تقفل أو الجبهة التركية التي توشك أن تُفتح!
طوال ستين عاماً من عمرها كانت دولة إسرائيل تحلم بمثل هذا اليوم، برغم أنها كانت تخفيه بأوهام الاستقلال والسيادة والقرار الوطني الحر.
السفير