معايير التنافس الحر في النظام الديمقراطي
صاحب الربيعي
إن معايير تنافس الأحزاب السياسية لخوض الانتخابات في النظام الديمقراطي ليست سائبة ولا بذاك التبسيط الساذج الذي يسمح لكافة الجهات السياسية المشاركة في الانتخابات للفوز بالسلطة السياسية، فأصوات الناخبين تعتبر آلية للانتخاب وليست معياراً لها. المعايير يحددها النظام الديمقراطي وليست الأحزاب السياسية المشاركة، والآليات خيارات متفاوتة ليست بالضرورة أن تكون متشابهة في جميع المجتمعات تبعاً لاختلاف نشوؤها، عاداتها، تقاليدها، عمق ثقافتها الدستورية، ودياناتها.
بذلك يمكن القول إن معايير النظام الديمقراطي ، ركائزه الأساس، لا يمكن الاستغناء عنها أو تبني إحداها ونبذ الأخرى. لكونه بناءً مؤسسياً، هيكل هندسي، تصميم بمنتهى الدقة والترابط، لا يمكن التلاعب والاستغناء عن إحدى ركائزه الأساس. يجب أن يؤخذ برمته، مع الاعتراف بضرورة وجود آليات مرنه لتطبيقاته بما تقتضيه البيئات الاجتماعية المختلفة شرط الالتزام بمعايير تصميمه الأساس.
إحدى أهم تلك المعايير فصل الدين عن الدولة، أي فصل مهام الدين عن مهام الدولة، فمفهوم الدين يرتكز على مشاعر وعواطف البشر ويُستمد من مفاهيم ميتافيزيقية، والإيمان بها لا يحتاج إلى دليل عقلي وإنما دليلاً عاطفياً. أما مفهوم الدولة، يرتكز على أدلة عقلية ويستمد ماهيته من مفاهيم واقعية، والإيمان به يحتاج إلى دليل عقلي لأنه مرتبطاً بالواقع.
لذلك تؤكد معايير النظام الديمقراطي على رفض إقحام الدين في الشؤون الدنيوية، وتشترط أن تكون أسس تشكيل الأحزاب قائمة على نبذ سياسات التمييز الديني والعرقي والجنسي… لتكون توجهاتها موحدة تخدم كافة أفراد المجتمع وليس طوائفها وأعراقها والتي بلا شك ( في نهاية المطاف ) تنال من الطوائف والأعراق الأخرى في المجتمع.
إن التنافس الحر لخوض الانتخابات في النظام الديمقراطي للفوز بالسلطة السياسية يجب أن يستند لمعيار موحد، تُلزم الأحزاب السياسية به وليس العكس. فلا يجوز أن تخوض الانتخابات أحزاباً سياسية ذات صبغات طائفية أو عرقية تستغل العواطف الطائفية والعرقية للجمهور الجاهل، مقابل وجود أحزاباً منصاعة للمعيار العام للنظام الديمقراطي، أحزاباً أيديولوجية تبشر بتوجهاتها السياسية البعيدة كل البعد عن تلك التوجهات.
هذا الاختلال في المعيار العام للنظام الديمقراطي يولد حالة من التنافس غير الشرعي للفوز بالسلطة السياسية، فلا يمكن أن يُتبع منهجين مختلفين لتطبيق معيار واحد لركيزة أساسية من ركائز النظام الديمقراطي.
يعتقد (( جليير الأشقر )) ” أن الإيمان الموجود في الدين، يجعل الإيديولوجيات الدينية أكثر صعوبة على الدحض من الإيديولوجيات التي تجسدت في نماذج تابعة للدولة ولتجارب سياسية بلغت نهايتها “.
إن معايير النظام الديمقراطي، تؤكد على ضرورة تشريع قانون لتشكيل الأحزاب السياسية ( قبل خوض الانتخابات ) يمنع تشكلها على أسس دينية أو قومية تحاشياً لسياسات التمييز والعنصرية ضد الفئات الاجتماعية المغايرة.
لذلك يجب منع الأحزاب السياسية القائمة على توجهات دينية وقومية المشاركة في الانتخابات، لأنها ترتكز على معايير مضادة لمعايير النظام الديمقراطي، فأما أن تغير مناهجها وتوجهاتها الحزبية لتكون متطابقة مع معايير النظام الديمقراطي وأما يتم حظر نشاطها السياسي وتمنع من المشاركة في الانتخابات. إن تبني النظام الديمقراطي دون استكمال مستلزماته الأساس ( خاصة منها وجود نسب عالية من الأمية والفقر والجهل في المجتمع…. ) سيولد حالة من الاستغفال والاستغلال لعواطف الجمهور الجاهل في فعل التحشيد لنيل أصوات الناخبين مقابل رفض الأحزاب السياسية غير الطائفية والقومية لذات التوجهات التزاماً منها بمعايير النظام الديمقراطي الحقة.
يقول (( نعوم تشومسكي )) : إن تعبئة العاطفة الدينية، وتحويلها إلى قوة سياسية رئيسية في مركز الخطاب السياسي لتحل محل القضايا الاجتماعية والسياسية أمر مرفوض “.
إن التأكيد المتواصل على ضرورة إنجاز مستلزمات البناء للنظام الديمقراطي قبل الشروع بتبنيه، مرده قطع الطريق على الأحزاب السياسية الطائفية والقومية العنصرية لاستغلال عواطف الجمهور الجاهل وتوظيفه لمصالحها خاصة أنها مرتبطة بأجندة خارجية مضرة بمصالح المجتمع العليا.
لذلك يجب أن ينصب جهد المطالبة بالإصلاحات السياسية على البنى المؤسسية للدولة والمجتمع لاستكمال مستلزمات النظام الديمقراطي قبل الشروع ( والمطالبة ) بتبني النظام الديمقراطي لأن المطالبة المتعجلة والمرتكزة على إجراء الانتخابات ( بوجود نسب عالية من الأمية والجهل والفقر … ) لاختيار السلطة السياسية سيؤدي لفوز أحزاب طائفية وقومية عنصرية فينحدر المجتمع نحو الهاوية.
يرى (( هنتينغون )) “إذا نشرت الديمقراطية في دول الشرق الأوسط ( في الدول العربية تحديداً ) فإن الأشرار سيفوزون بالسلطة السياسية “.
إن الأحزاب السياسية ( الطائفية والقومية ) أمامها خيارين لا أكثر : أما الشروع بتغير نهجها وتوجهاتها وسلوكها الطائفي والقومي العنصري لتكون متوائمة مع اشتراطات النظام الديمقراطي ومستلزماته الأساس، وأما يتم حظر نشاطها واعتبارها أحزاباً مناهضة للنظام الديمقراطي وتسعى لإثارة الفتن والتناحرات بين أبناء المجتمع الواحد.
الحوار المتمدن