ستة اسباب لنجاح الوساطة القطرية
22/05/2008
حققت الوساطة القطرية معجزة بتتويج الحوار الذي استضافته عاصمتها علي مدي الايام الخمسة الماضية بين اقطاب الازمة اللبنانية، باتفاق قد يؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ لبنان البلد الذي مزقته الخلافات السياسية، وكادت تدفع به الي اتون الحرب الاهلية التي يعمل الجميع علي تجنبها لنتائجها الكارثية.
فقد نجحت الدبلوماسية القطرية بما اتسمت به من صبر، وقدرة علي الاقناع، وادارة متميزة للحوارات، في بلورة مصالحة تاريخية، واتفاق مرض لاطراف احتكمت الي السلاح حتي ايام قليلة ماضية في تسوية خلافاتها وحسم صراعاتها علي الحكم.
هناك عدة اسباب ادت الي حدوث هذا الاختراق الكبير لأزمة في غاية التعقيد، لدرجة ان كثيرين اعتقدوا انها مستعصية علي الحل تماما، نوجزها في النقاط التالية:
اولا: وصول المعسكرين المتناحرين في لبنان الي نتيجة مفادها انه لا يمكن ان يحكم طرف بمعزل عن الطرف الآخر، وان التصعيد سيؤدي الي هلاك الطرفين، واغراق البلاد في حرب اهلية تمتد الي سنوات وتحصد الاخضر واليابس، فمعسكر الموالاة يملك الشرعية الدستورية، ولكنه يفتقر الي القوة التي تؤهله للحكم، ومعسكر المعارضة يملك القوة العسكرية، ولكنه يفتقر الي الشرعية الدستورية التي يمكن ان توصله الي الحكم. فالحسم العسكري لا يمكن ان يملأ الفراغ الدستوري، والشرعية الدستورية تظل بلا قيمة دون قوة تسندها.
ثانيا: ضغوط الشارع اللبناني لعبت دورا في كسر العناد السياسي، وانانية بعض الزعماء السياسيين، فهذا الشارع كان يدفع باتجاه التسوية، بعد ان ضاق ذرعا بالفوضي والمواجهات الاعلامية التي كادت ان تتحول الي صدامات دموية شاملة، ولهذا طالب قادته ان لا يعودوا دون اتفاق.
ثالثا: المصالحة القطرية السعودية ساهمت بانجاح هذه الحوارات، والتوصل الي اتفاق، وكان امير قطر في قمة الدهاء عندما اشرك القيادة السعودية، الي جانب القيادات الخليجية الاخري في الجهود المبذولة، عندما تشاور معهم وحصل علي مباركتهم اثناء حضوره القمة التشاورية الخليجية التي انعقدت يوم امس الاول في الدمام.
رابعا: العلاقات القطرية المتميزة مع سورية وقادة المعارضة، وعدم دخول قطر طرفا في الصراع اللبناني، ومساهمتها في اعمار الجنوب، كلها عوامل أهلت الوساطة القطرية للنجاح، وسهلت مهمة اللجنة العربية التي تولت قيادتها في شخص رئيس وزرائها ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني.
خامسا: تراجع دول المراكز العربية لحساب الاطراف في السنوات الاخيرة، بسبب ضعف القيادات وجمود تفكيرها وايثارها السلامة في بعض الحالات، وشيخوختها في احيان اخري. وقد انعكس ذلك بوضوح في خلو وفد اللجنة العربية من اي وزير خارجية عربي من دول المراكز الرئيسية.
سادسا: معادلة الحكم في لبنان لا تقوم الا علي التعددية والتوافق بين مختلف الطوائف والاديان والاعراق. ومن حسن الحظ ان هناك اتفاقا بين مختلف الافرقاء علي هذه الحقيقة انعكس بجلاء في اعتماد اتفاق الدوحة.
الترحيب الاقليمي والعالمي باتفاق الدوحة هو أحد المؤشرات علي امكانية صموده وتطبيقه علي الارض، وتنفيذ بنوده كافة، خاصة ما هو متعلق منها بانتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن لا بد من الحذر، وعدم الاغراق في التفاؤل بسبب تجارب سابقة مريرة جرت في لبنان، حيث انهارت الكثير من الاتفاقات بعد ساعات او ايام من توقيعها.
اتفاق الدوحة هو انجاز كبير حققته دولة قطر، ومدرستها الدبلوماسية المتميزة، ويمكن القول ان هذا الاتفاق لا يقل اهمية عن اتفاق الطائف الذي انهي سبعة عشر عاما من الحرب الاهلية ووضع لبنان علي طريق الاستقرار والامان. ولا نبالغ اذا قلنا انه جاء انعكاسا لموازين القوي الجديدة علي الارض، وسد الثغرات في الاتفاق الاول التي تسببت في الاحتقان والتوتر اللذين قادا الي الاعتصامات والحروب الاعلامية والمواجهة الدموية الاخيرة بين الاطراف المتنازعة.
القدس العربي