احموا “اتفاق الدوحة” من المتضررين !
سركيس نعوم
حسناً فعل المتحاربون – المتحاورون اللبنانيون عندما توصلوا فجر الثلثاء – الاربعاء في الدوحة الى اتفاق يفتح الطريق عريضة امام هدنة طويلة اذا احسنوا تطبيقه ويعطي لبنان القدرة على انتظار انتقال المنطقة من حال المواجهة الحادة بل الشرسة مع نفسها ومع العالم او معظمه، الى حال الهدوء والاستقرار والتسويات ويعطيه ايضاً “المناعة” التي فقدها من زمان والتي قد تساعده على فرض نفسه لاعباً، وإن صغيراً، على الطاولة وليس جائزة ترضية لأي من الاطراف الاقليميين والدوليين المستميتين لاقامة نظام اقليمي جديد في الشرق الاوسط والحصول على ابرز الحصص فيه واكبرها. قلنا هدنة لان ما اتفق عليه ليس حلاً رغم انه قد يؤسس مستقبلاً لحل اذا اتحد اللبنانيون او اذا انتفت حاجة الخارجين الاقليمي والدولي اليهم كأدوات والى بلادهم كساحة صراع ومواجهة. فالحل يعني قيام دولة او البدء بتأسيس دولة. والدولة كما هي في المفهوم القانوني وسائر المفاهيم العلمية والعملية هي المسؤولة عن امن مواطنيها والوطن، وهي المخولة وحدها قانونا امتلاك السلاح وحمله واستعماله. والاتفاق الحالي لا يصلح لتأمين دولة بل لاقامة شكل دولة يمكن “ملؤه” لاحقاً كي يصبح دولة فعلية. والسبب الاساسي بقاء مشكلة السلاح، غير الفردي طبعاً، من دون حل. لكنه ليس السبب الوحيد. اذ اليه، هناك اسباب اخرى بالغة الاهمية بل اكثر اهمية منه ابرزها انقسام شعب لبنان شعوباً متناحرة ومتحاربة وفشلها كلها في التفاهم على صيغة عيش مشترك تحترم وحدة البلاد وتحفظ تنوعها وتعددها في آن. وأحد ابرز اسباب الفشل غياب الصراحة عند الجميع وعدم إقدام الأقوياء بينهم على الجهر بحقيقة ما يضمرون، سواء من شكاوى او من مشروعات حلول الامر الذي ابقى الناس في حالة من “الانغشاش” والخبث والكذب والعجز والاستعداد للتطوع في حروب غير اللبنانيين اعتقاداً منهم انها لا بد ان تساعد كلاً منهم في التغلب على الآخرين او في حل مشكلاته على حسابهم.
طبعاً، نتمنى ويتمنى معنا اللبنانيون ان تكون الهدنة التي يفترض ان تبدأ رسمياً يوم الاحد المقبل بانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، طويلة. ذلك انها تتضمن، الى الانتخاب المذكور تأليف حكومة جديدة “عمّدوها” باسم الوحدة الوطنية، واعداد مشروع قانون انتخاب تم الاتفاق على تفاصيله الدوائرية التي كانت تقض مضاجع الجميع، رغم انه يفترض في المتفقين ان ينشغلوا ايضاً بتفاصيل مهمة اخرى تساعد كثيراً في تصحيح تمثيل اللبنانيين طوائف كانوا او مذاهب واحزاباً وقبائل وزعامات بعضها اقطاعي وبعضها مستحدث. ونتمنى ويتمنون معنا ان تكون طويلة لأن الرئيس المقبل وحكومته الاولى سيشرفان على انتخابات نيابية أواخر ربيع السنة المقبلة ولأن اطراف الحوار والحرب يعرفون ان جماهيرهم رغم التعبئة الكبيرة في صفوفهم لا تقبل منهم “شطب” الاتفاق بناء على نزوات شخصية او فئوية، لأن عواقب ذلك حربياً وعمرانياً واجتماعياً واقتصادياً وانسانياً ووطنياً ستكون وخيمة جداً. لكن التمني، سواء اتى منا نحن الصحافيين او من الناس، لا يكفي لكي تطول الهدنة المشار اليها اعلاه، بل يجب ان يرافقها غياب فعلي لأي متضرر اقليمي او دولي او داخلي من اتفاق الدوحة، وخصوصاً اذا كان يملك القدرة على ارتكاب اعمال وممارسات مباشرة او بالواسطة بعضها عنفي عام وبعضها الآخر عنفي خاص يضع البلاد وأهلها على شفير الحرب من جديد. ونحن بذلك نحاول لفت نظر رعاة هذا الاتفاق وضامنيه، اي جامعة الدول العربية مجتمعة ومعها المجتمع الدولي وكل اصدقاء لبنان اكثر مما نحاول ترهيب اللبنانيين وتخويفهم، وذلك من منطلق تحليلي بحت قائم على مراقبة الماضي قريبه والبعيد والحاضر بكل تجاربهما المريرة، وليس من اي منطلق آخر وتحديدا معلوماتي. ويجب ان يرافق الهدنة التزام فعلي من الرعاة والضامنين والمجتمع الدولي لمساعدة العهد الجديد في لبنان على تنفيذ “اتفاق الدوحة”. وليس ترك هذه المهمة على عاتق اللبنانيين، لأننا بكل صراحة لا نثق كثيراً بالكثيرين منهم او بقدرتهم على التحلل من الخارج وخصوصاً الذي يمكن ان يكون متضرراً من وضع لبنان على طريق العودة من الساحة الى الوطن.
في اختصار، يوفّر اتفاق الدوحة فرصة قد تكون اخيرة لتلافي حرب اهلية مذهبية الطابع بين المسلمين قد تكون عراقية الاسلوب او قد يكون لها أسلوب جديد وفرصة اخيرة لتلافي تحول غالبية السنة، وهم من اهل الاعتدال، نحو الفكر الاصولي المتعصب المكفّر لكل المعتدلين السنة كما لكل المذاهب الاسلامية الاخرى واتباع بقية الديانات. وفرصة اخيرة لتلافي عودة القوى الاقليمية من عدوة وشقيقة الى الاراضي اللبنانية دفاعاً عن نفسها او عن انظمتها سواء بمبادرة منها او بتغطية دولية او بالامرين معاً. ذلك ان عودة كهذه ستدمر لبنان وستعزز حجة الذين يعتبرون انه غير صالح لأن يحكمه اهله رغم انتمائهم الى محاور سياسية واقليمية ودولية متناقضة او متعادية. فالقوات العربية والاسلامية في لبنان او في بيروت ستُدخل قوات سورية الى مناطق لبنان المحاذية لها على الاقل وخصوصا في ظل التحول السني نحو الراديكالية العنفية. والقوات الدولية لا تأتي لفرض حل بالحرب في ظل حرب اهلية خطيرة. وتجربة كوسوفو هنا لا يمكن الاعتداد بها. فهل يُضيّع اللبنانيون وزعاماتهم فرصة الهدنة هذه كما جرت العادة؟ وطبعاً لا جواب عن هذا السؤال الآن
النهار