كوابيس وأوهام
سعد محيو
محمود عباس يستقيل من الرئاسة ومن العملية السلمية “بعد ما أذلّه الأمريكيون والإسرائيليون” (على حد تعبير “فاينانشال تايمز”). بنيامين نتنياهو يُعلن النصر. وتوماس فريدمان، الصحافي الأمريكي الذي يمتلك على ما يبدو “قدرات خفية وسحرية” على قادة الشرق الاوسط، يدعو أمريكا إلى إعلان نفض يدها من كل المفاوضات حول فلسطين.
هل يعني كل ذلك أننا وصلنا إلى لحظة انفجار كبرى جديدة؟
أجل، ولكن. أجل، لأن كل ظروف الحريق الجديد باتت متوافرة: فحل الدولتين اختنق بأنفاسه، وتهويد القدس والضفة يكاد يكتمل، ولم يبق الآن سوى أن يخوض الفلسطينيون و”الإسرائيليون” صراعاً دامياً في إطار دولة واحدة.
أما ال”لكن”، فهي تتعلق بما يشاع الآن عن جهود يبذلها رئيس الحكومة الفلسطينية في رام الله سلام فياض لإعلان قيام الدولة الفلسطينية وفق حدود ،1967 على أن يستند هذا الإعلان إلى قرار دولي جديد يحل مكان القرار التاريخي الرقم 242 الذي صدر غداة هزيمة 1967.
الدوائر المحيطة بفياض، الذي يُعتبر النجم المحبوب الثاني في الغرب بعد عباس، تؤكد ان هذه الخطوة تحظى بدعم حماسي من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وأن الأمريكيين لم يرفضوها حين عُرضت عليهم.
واشنطن قد تقبل بالفعل قراراً دولياً جديداً ما، على الأقل من الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن، هل يمكنها حقاً أن تطوي صفحة القرار 242؟
من يراهن على هذا الأمر لا يُدرك طبيعة هذا القرار الدولي الخطير وفلسفته، بكونه الثابت الوحيد في السياسة الخارجية الأمريكية طيلة نصف قرن.
يقول يوجين روستو، أحد أبرز مهندسي هذا القرار، إن مضمون 242 وجوهره هو ما اتفق على تسميته بالصفقة الشاملة (Package Deal)، وهو يعكس تجربة العام ،1957 حين أجبرت أمريكا “إسرائيل” على الانسحاب من سيناء من دون صفقة سلام.
ويضيف أن الناس يصفون أحياناً القرار 242 بأنه غامض أو صيغ عمداً بعبارات غامضة. لكن المسألة ليست كذلك. إذ للقرار ميزتان أساسيتان: الأولى أنه يدعو إلى اتفاقية سلام قبل انسحاب “الإسرائيليين”، والثانية تتعلق بالمدى الذي سيصل إليه الانسحاب.
النقطة الأولى في “الصفقة العامة”، وهي أنه لا انسحاب قبل السلام، هي جوهر القرار وتمثّل اهتماماً أمريكياً عميقاً بوجود “إسرائيل”. والنقطة الثانية هي أن القرار ينص على انسحاب إلى حدود آمنة ومعترف بها استناداً إلى اتفاق وكجزء من عملية السلام. وهذه النقطة (برأي روستو) خالية أيضاً من الغموض، فالحدود المتّفق عليها في إطار القرار 242 ليست بالضرورة هي نفسها حدود 1949. القرار ،242 في أساسه، يرتكز إلى صخرة صلدة من التعاون الأطلسي، بخاصة التعاون الأنجلو أمريكي. وفي كل تاريخ نزاع الشرق الأوسط، كان العام 1967 هو المناسبة الوحيدة التي اتفقت فيها الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات اتفاقاً تاماً على اتّباع سياسة منسّقة.
هذه هي الأبعاد الأمريكية و”الإسرائيلية” الحقيقية للقرار 242. وهي أبعاد لم تتغيّر قيد أنملة منذ حرب ،1967 ولا حتى بعد حرب ،1973 حيث جاء القرار 338 ليؤكد كل مضامين القرار 242.
هل يُدرك سلام فياض هذه المعطيات؟
حتماً. لكن يفترض به الآن أن يتذكّرها بقوة، وإلا فإن آماله السياسية لن تكون خارج الكوابيس الراهنة التي يعيشها رئيسه عباس هذه الأيام.
الخليج