أزمة نظام
عباس بيضون
كثيرون يستكثرون الوقت الذي أُمضي في تشكيل الحكومة ويعلنون أن ثمة من سرق من حياتهم أربعة أشهر كاملة، هذا هو سؤال المتذمرين لكنه سؤال مقلوب. استعصاء تشكيل حكومة ثم تشكيلها على النحو الذي تمّ لا يعنيان إلا أن الحكومة ليست حقيقية. ما وصلوا إليه في النهاية يستحق اسماً آخر. الدليل ليس بعيداً. ما ان تقوم الحكومة حتى تكون قضيتها في نفسها. المسار الذي قطعته لتتحقق سيكون هو المسار نفسه الذي ستتبعه بعد أن قامت بالغصب وتشكلت بصورة قيصرية. السؤال مقلوب لأن المسألة لا تنتهي حين تتم الحكومة بل تبدأ، أعنف وأشد، بعد تأليفها. إذ ذاك ستكون المباراة أشد وسيجتهد الجميع في تخطي الممنوعات والضرب حيث يمكن. ستكون الوزارة هذه كما كانت سابقتها حلبة مصارعة ومعايرة وتنابذ، وسيرى اللبنانيون عندئذ أن أربعة أشهر في تشكيل الحكومة ليست وحدها المسروقة فالوقت الذي ستمضيه الحكومة لن يكون أقل إهداراً.
يتحدثون عن أزمة نظام. الآن يمكن ليساريي الزمن البائد أن يبتسموا. لقد كسبت حملتهم حين لم تعد خطرة وحين اختفوا هم تقريباً. صار يمكن للجميع اليوم الكلام عن أزمة نظام بدون أن يشعروا أن هذا يتهددهم في شيء. إنها أزمة نظام ويسكتون ولا يقولون لنا أي نظام هو هذا الذي في أزمة، هل يمكن حقاً أن يسمى نظاماً هذا الذي يهيمن اليوم، هل هو نظام ذاك الذي يجعل الدولة مجموعة احتكارات طوائفية، ويحولها إلى محميات منفصلة، وحيث يقضي الترتيب باجتماع أطرافها يؤدون في الأعلى رقصة انتزاع فروات الرؤوس ويتصارعون على الملأ. إنها حلبات صراع تحت تصفيق الجمهور من تحت. هل يصح أن نتكلم هنا عن حصر النزاع في الأعلى وإخراجه من الشارع، أم أن الحقيقة هي أن الشارع يرقص في الأعلى، وأن مشهد الكبار المتغاضين يبقي الصراع حياً ويمونه بالوقود. هل النظام هو أن تنزع الجماعات سلاح بعضها بعضاً في مرأى من الدولة ومسمع منها. وهل النظام هو التنازع على امتيازات تفيض عن قدرة المجتمع والدولة وترمي البلد في فوضى دائمة. هل النظام هو الاستيلاء المافياوي على الدولة والاتجار بها وتهريب صلاحياتها وميزانياتها للجماعات والعائلات. هل النظام هو حفلة الرؤوس الدائمة. من استفاقوا أخيراً على أزمة النظام وصلوا متأخرين. ان ما يسمونه نظاماً لا يملك أي نظام. إنه سرية أمراء الحرب والعائلات المافياوية وما من أمل بأن يقوم حقاً نظام مكان كل هذا العسف والاعتباط والفوضى. لا أمل بأن نسعد بنظام وأزمة نظام في القريب العاجل. إذا مرت أربعة أشهر دون تشكيل الحكومة فإن الوقت كله ينقضي في غياب الحكومة والنظام وربما المجتمع نفسه.
السفير