انطباعات
ساطع نور الدين
ضغطت سوريا فشُكلت الحكومة. هذا هو الانطباع الاول الذي تكون لدى الغالبية من اللبنانيين. الشكل الذي اتخذه هذا الضغط، والحليف الذي تلقاه معروف. اما التوقيت فهو الذي يطرح اسئلة تتخطى العديد من التكهنات التي راجت في بيروت في الآونة الاخيرة، ودفعت بالازمة الحكومية المفتوحة منذ خمسة اشهر الى حدود طهران او صعدة او ربما اسطنبول!
اللقاء الذي عقدته قيادات الاقلية مساء الجمعة الماضي واصدرت في اعقابه بيان الاتكال على الله والمضي قدما في تشكيل حكومة الوحدة، لم يبدد هذا الانطباع، الذي سعى الى انكاره، بل لعله رسخه واعاد تظهير صورة سوريا كشريك تقليدي في تأليف الحكومات اللبنانية، لم ينقطع عن القيام بهذا الدور سوى في الاعوام الخمسة الماضية، التي لا يمكن لأي لبناني ان يزعم انها كانت مستقرة ومريحة، لا على المستوى الحكومي ولا النيابي ولا على مستوى الشارع طبعا.
وهذا حق من الحقوق السياسية للاقلية التي اثبتت ان اعتمادها على دمشق هو اكبر بكثير من اعتماد الغالبية على حلفائها الاميركيين او السعوديين او المصريين او سواهم ممن قطعوا اتصالاتهم الى حد بعيد مع بيروت في اشهر التكليف العجاف والتزموا جانب الحياد الايجابي، الذي لم تخرقه سوى بعض النصائح البعيدة الموجهة الى حلفائهم بالتنازل عن حقيبة وزارية هنا او عن اسم هناك… والامتناع عن التعاطي مع نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة باعتبارها خلاصة معركة ديموقراطية جرت في السويد او النروج.
وأهم ما في هذا الحق انه يترجم جزءا مهما من المصالح القومية السورية، التي سعى فريق الغالبية الى المس بها او اغفالها منذ العام 2004، فدفع ثمنا باهظا.. قبل ان يتلقى النصيحة الجدية الوحيدة من الخارج بان يعقل ويتعقل ويلتزم حدوده المتواضعة، ويستفيد من العبر المستخلصة من التاريخ اللبناني الحديث، الذي لا يمكن قياسه بالسنوات الخمس الماضية، ولا حتى بالعقود الثلاثة التي اعقبت الدخول العسكري السوري الى لبنان في العام 1976.
ومن الخطأ بل المسيء لسوريا ان تحسب مصالحها الحيوية في لبنان بناء على حصة الجنرال ميشال عون، او موقع المسيحيين في السلطة التنفيذية. هذا المعيار كان صالحا لسنوات قليلة جدا من السبعينيات، ولم يصمد حتى اواخر الثمانينيات. وإن ما يقال اليوم عن ان ولادة حكومة سعد الحريري الاولى ستؤدي الى عملية خلط للاوراق والتحالفات صحيح، لانه ينسجم مع التقاليد السياسية اللبنانية والسورية على حد سواء. والمراقبة الدقيقة لهذه العملية تتم الآن في اسرائيل اكثر من اي مكان آخر، وهو ما عكسه تقرير الكاتب الاسرائيلي تسيفي برئيل في صحيفة «هآرتس» يوم الجمعة الماضي.
والبحث لا يقتصر على تحديد المسافة اللبنانية التي تفصل بين دمشق وطهران، والتي تبدو ضيقة جدا، وتتعارض مع الرأي الذي شاع في بيروت طوال فترة التكليف عن تعطيل ايراني للتشكيل… ولا يعتمد على الحكومة اللبنانية التي تولد متأخرة شهرا كاملا عن زيارة الملك السعودي عبد الله الى دمشق، لتحديد طبيعة المصالحة السورية السعودية.. ولا ينحصر في الاعتقاد ان الرئيس السوري بشار الاسد يريد ان يتفادى اي سؤال لبناني محرج في المؤتمر الاسلامي في اسطنبول اليوم، او في زيارته الى باريس بعد غد!
هي مجرد انطباعات لكنها تشبه الوقائع.