هل عاد لبنان يُحكم من دمشق
يرى وزير سابق ان سوريا عادت تحكم لبنان بصورة غير مباشرة عبر حلفائها فيه بعدما حكمته بصورة مباشرة مدة وصايتها عليه وذلك للاسباب الآتية:
اولاً: سياسيين لبنانيين حلفاء لها يتوجهون بتوجيهاتها سلباً كانت ام ايجاباً، ويجعلون سوريا كما قال نائب الرئيس السوري فاروق الشرع في حديث له “اقوى في لبنان مما كانت مدة ها فيه”.
ثانياً: جعل اي حكومة يتم تشكيلها في لبنان حكومة وحدة وطنية “ليس حباً بهذه الوحدة انما لضمان مشاركة حلفائها اللبنانيين فيها “بثلث معطل”، حتى اذا لم تتحقق هذه المشاركة فإن الحكومة تصبح غير شرعية وغير ميثاقية ويضطر لبنان الى الاختيار بين القبول بها او مواجهة الفراغ المفتوح على كل الاحتمالات، وتحقيقاً لذلك كانت الحملة على النظام الديموقراطي الذي يجعل الاكثرية تحكم والاقلية تعارض، والمطالبة بتطبيق “الديموقراطية التوافقية” التي لا لها في النظام اللبناني ولا لها في اتفاق الطائف، خلافاً لكل ادعاء. انما اعطيت كلمة “ميثاقية” الواردة في هذا الاتفاق، وكذلك عبارة “لا شرعية لاي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك” تفسيراً مذهبياً، وذلك باعتبار رفض أي مذهب المشاركة في الحكومة يجعلها غير شرعية وغير ميثاقية. وبما انها المرة الاولى في تاريخ لبنان التي تزول فيها التعددية والتنوّع داخل بعض المذاهب، وتسود فيها الاحادية التي تحتكر القرار لتصبح قادرة على فرض شروطها ومطالبها ليس عند تشكيل الحكومات فحسب، بل بعد تشكيلها، والاخطر ان تحذو المذاهب الباقية حذوها، فلا يعود في الامكان تشكيل اي حكومة الا بموافقة كل المذاهب، لا يعود في الامكان اتخاذ قرارات مهمة او حتى عادية الا بالاجماع او بشبه اجماع، خلافاً لما نص عليه الدستور بمادته الـ 65 التي حدد فيها المواضيع الاساسية التي تحتاج الموافقة عليها الى اكثرية ثلثي عدد الوزراء عندما يتعذر التوافق عليها، وعدد هذه المواضيع 14 فقط.
ثالثاً: ان تصبح لسوريا القدرة من خلال “الثلث المعطّل” داخل الحكومة على التحكم بأي قرار ان لم يكن مقبولاً منها، وحتى التحكم بنصاب جلسات مجلس الوزراء وبجداول اعمالها، فإذا تضمن اي جدول مشروعاً او موضوعاً يرفض وزراء “الثلث المعطل” او “الضامن” إدراجه فيه، فإنهم يستطيعون التهديد بالتغيب عن الجلسة وتعطيل نصابها، كما ان في استطاعة هؤلاء الوزراء ان يمنعوا طرح اي مشروع او موضوع على التصويت وفقاً لاحكام الدستور اذا كانت نتائجه في غير مصلحتهم، وتحت طائلة التهديد بالانسحاب من الجلسة لتعطيل النصاب او لشل عمل مجلس الوزراء وهو ما حدث خلال جلسات مع حكومة الرئيس السنيورة عند طرح موضوع التعيينات في وظائف الفئة الاولى، وعند البحث في تعيين اعضاء المجلس الدستوري.
واذا كان للرئيس سليمان حصة من ثلاثة وزراء في حكومة الرئيس السنيورة واصبحت حصته خمسة وزراء في حكومة الرئيس الحريري، فإن وزراء “الثلث المعطل” قد يتهمونه بالانحياز اذا صوّت الوزراء الخمسة مع الاكثرية للموافقة على اي مشروع او موضوع ملحّ، ويواجه الشيء نفسه اذا صوّتوا مع الاقلية. علماً ان الرئيس سليمان حريص على عدم طرح اي مشروع او موضوع على التصويت الا بعد ان يستنفد الوقت الكافي لتحقيق التوافق عليه لكنه لا يستطيع ان يُبقي المواضيع المهمة بدون بت اذا تعذر التوافق عليها وذلك خدمة لمصلحة الوطن والمواطن.
رابعاً: ان حكومة ما يسمى “وحدة وطنية” يكون فيها لحلفاء سوريا في لبنان “الثلث المعطّل” يجعل سوريا قادرة على اطالة عمر الحكومة او تقصيرها بحسب تقويمها لسلوكها وتصرفاتها حيال المواضيع والمشاريع التي تهمها، فإذا وقفت اكثرية الوزراء مع مشروع او موضوع غير مقبول من سوريا فإنها تحرك وزراء “الثلث المعطل” لإرباك اكثرية الوزراء، وذلك بسلوك ثلاثة سبل: السبيل الاول، معارضة ادراج اي مشروع على جدول اعمال مجلس الوزراء اذا لم يكن مقبولاً منها. السبيل الثاني، معارضة طرحه على التصويت في مجلس الوزراء اذا لم تتمكن من منع ادراجه في الجدول، السبيل الثالث الانسحاب من الحكومة كي تصبح غير شرعية وغير ميثاقية، كما حصل عندما انسحب الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس السنيورة احتجاجاً على النظام الاساسي للمحكمة ذات الطابع الدولي. والجدير بالذكر ان امام حكومة “الوحدة الوطنية” مشاريع ومواضيع كثيرة مهمة وكل مشروع كاف اذا ما صار بته خلافاً لرأي وزراء الاقلية ان يفجّر الحكومة من الداخل او يبقي المشروع مجمداً الى اجل غير مسمى والى ان يصير توافق عليه…
ان هذا الوضع الشاذ المخالف للنظام والدستور يفرض اما عادة النظر في النظام والدستور بحيث لا يبقى اقرار المشاريع الاساسية والمواضيع المهمة خاضعا لمزاج الاقلية المعطلة، وذلك تسهيلاً لسير عجلة الدولة وهذا يفتح الباب لتعديلات كثيرة في الدستور يصعب التوصل الى اتفاق حولها، واما ان يبقى لبنان محكوماً بالعرف اي بالنظام التوافقي وبحكومة تسمى “وحدة وطنية” من دون سواها ويكون لسوريا كل مرة دور في المساعدة على تشكيلها والا كان التعطيل والفراغ، وتقبض سوريا عن كل مرة ثمن تقديم هذه المساعدة…
وفي المعلومات ان الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا ودولاً عربية عندما تأكدت ان ليس في الامكان تشكيل حكومة من الاكثرية تترجم نتائج الانتخابات النيابية، لأن حلفاء سوريا في لبنان يعارضون ذلك بشدة، ويعتبرون حكومة كهذه اذا ما تشكّلت غير شرعية وغير ميثاقية، والفراغ الذي تحدثه قد يتحول فوضى في كل المجالات ولا سيما في المجال الاقتصادي والمالي، عندها اضطرت هذه الدول للعودة الى سوريا كي تتدخل لدى حلفائها في لبنان وتجعلهم يخفضون سقف مطالبهم بعد ان طلبت منهم رفعه للعرقلة التي لا حل لها الا بالعودة الى سوريا.
لذلك يمكن القول إن سوريا هي الرابحة في مرحلة التكليف ثم في مرحلة التأليف وقد يكون الثمن الذي قبضته هو في العودة الى حكم لبنان من دمشق عبر حلفائها اذ انها استطاعت ان تحول دون تشكيل حكومة من الاكثرية التي انبثقت من انتخابات 7 حزيران كما حالت من قبل دون انتخاب رئيس للجمهورية منها، بل رئيس جمهورية توافقي ليس من قوى 8 و14 آذار بحيث تظل سوريا قادرة من خلال هذا الوضع اللاديموقراطي واللادستوري على التحكم بقرارات مجلس الوزراء وبمصير الحكومة…
النهار