بين الاب والابن
ساطع نور الدين
الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري الى ضريح والده، فور الاعلان عن تشكيلته الوزارية الاولى، لم تكن تعبيرا عن الوفاء لذكرى الراحل الكبير، ولا كانت تجديدا للالتزام بالثأر لمقتله والتعهد بملاحقة ومحاكمة منفذي جريمة اغتياله، بقدر ما كانت طلبا للنصح والعون على طريق محفوف بالمخاطر والصعوبات، استعادتها الذاكرة أمس ودفعت الى إجراء أكثر من مقارنة بين الحكومة الجديدة وبين الحكومات الحريرية السابقة.
وكان السؤال الاول والاهم الذي طرح على كل شفة ولسان هو ما اذا كان حظ الابن وفرصته الراهنة ستكون اكبر من الحظوظ والفرص التي اتيحت للاب، وكادت تؤدي الى تحويل لبنان الى مركز اقتصادي اقليمي بارز، وإلى مجال سياسي مستقر يضمن الحد الاقصى من التعايش بين الدولة وبين المقاومة، ويحمي الجانبين من الزلازل والعواصف الخارجية التي كانت السبب في اغتيال الاب .. وفي مجيء الابن اليوم الى رئاسة الحكومة.
كان من الصعب الحصول على جواب واحد يفيد بأن التفويض الذي ناله سعد الحريري اليوم هو اسهل مما حظي به والده، الذي عبر الى السياسة والسلطة من دمشق، مكلفا اولا بإزالة آثار الحقبة الفلسطينية، ومن ثم التأسيس للحقبة السورية التي ارسيت على اتفاق الطائف، وامتدت من نهاية الثمانينيات حتى مصرعه في شباط العام 2005، من دون ان تلوح في الافق حتى الآن حقبة بديلة تحكم لبنان وتبدد شعور اللبنانيين التقليدي بالفراغ والفوضى التي تنجم في العادة عن غياب الوصي الخارجي.
جاء الاب من دمشق، التي اصطدم بها الابن وما زال. وهو مكلف اليوم بإدارة سلطة يتشبث نصف اعضائها على الاقل بفكرة تاريخية مفادها ان اللبنانيين غير مؤهلين لاختبار قدرتهم على حكم انفسهم بانفسهم، او ربما غير مستعدين لابقاء الوالي السوري بعيدا عن تفاصيلهم اليومية، يقتصر دوره على «التنسيق» حول القضايا المصيرية الكبرى.. كما هو مطالب اليوم اكثر من اي يوم مضى بأن يحدد على المستوى الشخصي والطائفي وحتى الوطني طريقة استخدامه لملف المحكمة الدولية في اغتيال والده، التي يمكن ان تفلت في اي لحظة من اي استثمار محلي، وتنقلب الى عبوة ناسفة تفجر الوضع اللبناني برمته، وتدمر العلاقات اللبنانية السورية.
جاء الاب من الرياض التي لا يمكن للابن ان يقدم نفسه باعتباره مبعوث الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز او حتى حامل مشروعه اللبناني، الذي لا يخلو اساسا من الميل لدمشق اكثر من بيروت، بعكس ما كان عليه الوضع مع الملك الراحل فهد بن عبد العزيز.. برغم ان سعد الحريري قد يبدو اكثر اندماجا من والده في الخطاب الرسمي السعودي الذي يخوض مواجهات علنية لم يسبق لها مثيل مع خصوم سياسيين ومذهبيين في مختلف انحاء العالمين العربي والاسلامي.
غطاء سعد الحريري السوري والسعودي وكذلك المصري والفرنسي والاميركي هو بلا شك اقل مما تمتع به والده، وبالتالي فإن هامشه سيكون أضيق.. لكن تكليفه الآن بإنهاء حرب اهلية غير معلنة نشبت في لبنان على مدى السنوات الخمس الماضية، يمكن ان يجعل منه رفيقا اهم للبنانيين طوال السنوات الاربع المقبلة على الاقل، اذا احسن التقدير والتدبير.
السفير