باحث سوري: “انقلاب” حزب الله رسالة للرئيس اللبناني القادم
دمشق (19 أيار/مايو) وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء
اعتبر باحث ومحلل سياسي سوري أن “انقلاب” حزب الله الأخير في بيروت قد يكون “رسالة إستباقية” لرئيس لبنان المرتقب، “ترسم له حدود الصلاحيات الفعلية له وتُفهمه مسبقاً الأطر التي لا يحق له تجاوزها”، وشدد على أهمية أن لا ينتظر العرب حلول دولية قال إنها “قد لا تأتي”، وشدد على أهمية إيجاد “مظلة سياسية” تجمعهم مع تركيا وإيران للخروج من أزماتهم
ووصف الباحث والكاتب والأكاديمي السوري د. عبد الله تركماني في تصريح لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء ما قام به حزب الله في بيروت بأنه “انقلاب مسلح على لبنان”، وشدد على أن “أية تسوية للأزمة في لبنان لا تأخذ بعين الاعتبار إنهاء موضوع الميليشيات المسلحة وجعل السلاح حصرياً بيد الدولة، لن تحقق الأمن والاستقرار هناك على المدى البعيد”، على حد وصفه
وحول توقعاته لما بعد مؤتمر الدوحة اللبناني، قال “يتعين على المراقب أن يلهث لتوقع الآتي الأعظم في استثمار الانقلاب وتحويله معادلة سياسية جديدة، إذ أنّ حزب الله وحلفاءه لن يعودوا للتسليم بالقواعد الكلاسيكية للنظام السياسي الذي حكم لبنان بعد الطائف. لقد كان ليل 8 أيار/مايو نهاية جمهورية الطائف واقعياً وبداية شق الطريق نحو نظام آخر غامض المعالم، سيكون إيذاناً بنشوء ما يستحيل التكهن به” الآن
وأضاف تركماني “من المؤكد أنّ حزب الله يريد إخضاع اللبنانيين لوجهة نظره من الصراع العربي الإسرائيلي، ومن امتلاك السلاح، وحول علاقة لبنان بالمحيط العربي والمجتمع الدولي، إضافة إلى تجاوز اتفاق الطائف وإرساء صيغة جديدة تكون ناتجة عن ميزان القوى الجديد، وبذلك ستلغي المعارضة كل مفاعيل ثورة الأرز في 14 آذار/مارس 2005 وتفسح المجال عندئذ أمام انتخاب رئيس للجمهورية، ثم تكليف رئيس جديد لحكومة انتقالية تقر قانوناً جديداً للانتخابات” النيابية
وتابع الباحث السوري “في كل الأحوال يبدو أنّ لبنان سائر إلى تفكك، جراء انحطاط النخب فيه واستتباعها لهذه أو تلك من المصالح والسياسات الخارجية”. ورأى تركماني أنّ العقبة الرئيسية التي تحول دون تطور النظام السياسي اللبناني هي “المعادلة الطائفية الشائخة”، التي “ما زالت تفعل فعلها السلبي الكابح لكل تطور”، وتابع “كان حرياً بحزب الله أن يخرج من قمقمه الطائفي ويبادر إلى معادلة وطنية ديمقراطية، تطيح بالمعادلة الطائفية العائلية وأمرائها الدائمين” على حد تعبيره
وشدد تركماني على أن لبنان “سقط في صراع جديد ذي طابع خطير، أسير ماضيه، وأسير حاضره وطوائفه والخارج، ولكنه في الوقت نفسه يعكس مدى حاجة لبنان لتثبيت منطق الدولة، وتحويل كل القوى إلى أحزاب سياسية تتضامن لإخراجه من أزماته، على قاعدة إعادة النظر في التركيبة السياسية للحكم، وتعميم مفهوم الدولة الدستورية، التي تنتفي فيها القسمة الطائفية، ويغلب مفهوم المواطنة”، على حد وصفه
وحول تأثير ما جرى ـ ويجري ـ في لبنان على العلاقة العربية ـ العربية، قال الباحث السوري “لقد رفض العرب ما آلت إليه التطورات في لبنان، خصوصاً استخدام السلاح واللجوء إلى العنف بما يهدد السلم الأهلي في هذا البلد. ومما لا شك فيه أنّ التحرك العربي، إذا ما تم بالشكل الملائم، يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية تكفل حل الأزمة ونزع فتيل التوتر القائم بين القوى السياسية المختلفة في الساحة اللبنانية، ويمكنه أن يستفيد من تراجع العنف نسبياً، ودعوة الرموز السياسية اللبنانية إلى العودة إلى طاولة الحوار”. “ولكن”، يستطرد تركماني “يجب ألا نغفل أنّ اجتماع وزراء الخارجية العرب لم يتمكن من تسمية ما حصل في لبنان بأنه انقلاب، ولم يتمكن من تسمية حزب الله كطرف نفذ الانقلاب. وبدا واضحاً أنّ الأزمة تحتاج إلى تفاوض دول الاعتدال العربي مع سورية وإيران، بل إلى مؤتمر إقليمي يضم الجامعة العربية وتركيا وإيران لمناقشة القضايا التي جعلت من لبنان ساحة لصراعات إقليمية ودولية” على حد قوله
وتابع “على العرب عدم انتظار حلول دولية قد لا تأتي، وإن حدثت فستكون متأخرة وليست في مصلحتهم، فضلاً عن أنها ستتعامل معهم كما تعاملت في قضية احتلال العراق، تقصيهم في البداية، ثم تحمّلهم الأخطاء، ولهذا على الدول العربية إيجاد مظلة سياسية تجمعهم مع تركيا وإيران للخروج من هذه الأزمة“.
وفي العودة إلى أحداث لبنان الدامية الأخيرة مرة ثانية قال “إنّ قراءة متأنية لانقلاب حزب الله تُظهر أنه خاض حرباً استباقية، أسبابها تتراوح بين أنّ الحزب كان ينتظر حرباً إسرائيلية عليه، وأنه لا يستطيع تحمّل وجود الحكومة الحالية برئاسة فؤاد السنيورة كممثلة للبنان في أية مفاوضات أثناء الحرب أو بعدها،. أو أنّ الحزب يسعى إلى استباق انتخاب رئيس جديد للجمهورية برسم حدود الصلاحيات الفعلية للرئيس العتيد وإفهامه الأطر التي لا يحق له تجاوزها، وبالتالي الإتيان بمجلس نواب ملائم لمشروع الحزب وتطلعاته”، وأضاف “لقد أراد الحزب فرض منطقه ونهجه وسياسته وخياراته وحساباته بقوة السلاح، بعد أنّ عجز عن إقناع شركائه في لبنان بالحجة والمنطق، وحتى بالضغط السياسي“.
وحول وجود بصمات لإيران أو سورية في “انقلاب” حزب الله قال “يبدو أنّ الانقلاب يندرج في إطار محاولة إيران تعطيل أية مفاوضات سورية ـ إسرائيلية جرى الحديث عنها كثيراً في المدة الأخيرة عبر وساطة تركيا، إذ أنّ هذه المفاوضات ستؤدي إلى إنهاء المهمة الأساسية لحزب الله وسلاحه كحزب مقاوم، مما قد يكون حمل إيران على استباق هذه الخطوة من أجل تعطيل احتمال بيع رأس الحزب، عبر فرض أمر واقع جديد بالسيطرة على القرار في لبنان. وفي هذا السياق ليس مستبعداً احتمال مقايضة صناع القرار قي سورية لبنان مع محور الاعتدال العربي مقابل المحكمة الدولية“.
وفي الواقع، يتابع الباحث السوري “لم ينشأ حزب الله ويتطور في إطار المعادلة الداخلية اللبنانية فحسب، بل نشأ وتطور في سياق تحالفه الإقليمي مع إيران وسورية، ولهذا التحالف استحقاقاته، فإنجاز الحزب وقوته العسكرية المتطورة أصبحت جزءاً من معادلة إقليمية، فسورية توظف هذا التحالف مع الحزب وإيران من أجل تحسين شروطها التفاوضية حول استعادة الجولان ومن أجل انتزاع مكانة إقليمية، وفي الحد الأدنى تريد خروجاً من العزلة والحصار الممارس عليها من المجتمع الدولي”، أما إيران فهي “تضع الحزب ضمن استراتيجيتها النووية ومكانتها الإقليمية”، على حد وصفه.