الحوار هو الحل
بيان التجمع الوطني الديمقراطي في سورية حول الأزمة اللبنانية
1- كان واضحا أن الوضع الداخلي في لبنان خلال العامين المنصرمين ينذر بالتفجر، خاصة في ظل الاصطفافات الحادة بين السلطة والمعارضة والتراشق الإعلامي المتبادل بين الطرفين، ليتأكد هذا الأمر في الخامس من الشهر الحالي الذي حمل معه فعليا نذر دخول لبنان من جديد في حرب داخلية معروفة البدايات لكنها بالتأكيد غير معروفة النهايات.
جاء هذا التطور الخطير على إثر قيام حزب الله بالسيطرة المسلحة على بيروت ومطارها ومرفئها، وعلى بعض المناطق اللبنانية الأخرى، كرد على قراري الحكومة اللبنانية الخاصين بأمن المطار وشبكة اتصالات حزب الله. ليأتي بعد ذلك انفجار الوضع الداخلي اللبناني عنفا مسلحا واعتداءات وعمليات استفزازية متبادلة، أعادت في بعض المحطات صور الحرب الأهلية السيئة الذكر إلى الأذهان، فضلا عن تخريب المقار الإعلامية، وعودة صور الشحن الطائفي والمذهبي التي حاول اللبنانيون نسيانه، وصور الخوف والقتل والتفجير، ولتنتهي بمقتل حوالي مائة لبناني وجرح حوالي الثلاثمائة آخرين في غضون ثلاثة أيام بقيت أعصاب اللبنانيين، والعرب عموما، مشدودة خلالها.
جاء التحرك العربي سريعا هذه المرة، فأرسلت لجنة وزارية عربية إلى لبنان في مسعى لنزع فتيل الأزمة، وهو ما أثمر عن اتفاق أولي تراجعت الحكومة اللبنانية بمقتضاه عن قراريها المعروفين، وتراجعت المعارضة عن المظاهر المسلحة التي بدأتها، ليكون الجميع على موعد لمناقشة الأزمة في الدوحة في 16/5/2008 برعاية الجامعة العربية، للتوصل إلى اتفاق يقضي بتطبيق المبادرة العربية في بنودها الثلاثة المعروفة، أي انتخاب رئيس الجمهورية التوافقي وتشكيل حكومة وحدة وطنية والتوفق على قانون انتخابي جديد.
2- يشكل هذا الاتفاق الأولي مدخلا ضروريا وإيجابيا لحوار مفيد ومثمر، شريطة تحمل جميع الفرقاء اللبنانيين لمسؤولياتهم واقتناعهم بالحوار كمدخل وحيد لإنقاذ لبنان من حرب الجميع فيها مهزوم، ومن أزمة طالت وتكاد تقبض على أرواح اللبنانيين.
إننا في التجمع الوطني الديمقراطي في سورية، إذ نبارك جهود جامعة الدول العربية واللجنة الوزارية العربية على المبادرة السريعة والذهاب نحو إنقاذ لبنان من الدخول في حرب داخلية جديدة، ودفع الأطراف اللبنانية نحو الذهاب باتجاه الحوار كمدخل وحيد لحل الأزمة اللبنانية، وإذ نبارك أيضا موافقة الأطراف اللبنانية وتجاوبها العملي مع بنود اتفاق اللجنة الوزارية العربية، وذهابها نحو الحوار، لكننا، ومن موقع الحرص والخوف على لبنان الوطن، فإننا نرى أن هذا الحوار كي يكون مفيدا وينتهي إلى نتائج إيجابية عليه أن يعيد التأكيد على أساسيات أو بديهيات الحوار:
أ- إعادة إرساء الثقة بين جميع الفرقاء اللبنانيين والابتعاد عن لغة التخوين والانتقاص من وطنية الآخر، وعدم تصوير الخلاف السياسي على أنه خلاف بين طرفين يرتبط كل منهما بمشروع خارجي، أحدهما أمريكي والآخر إيراني، فالجميع مع لبنان ومع مصلحة اللبنانيين جميعا، وهذا يعني اقتناع الفرقاء بأن حل الأزمة بيدهم أساسا، وما دور الأطراف الخارجية إلا مساعدتهم على التوافق.
ب- هناك خلافات في الرؤى والتوجهات السياسية، لكن يجب ألا يكون هناك خلاف بين الفرقاء على الاستقرار والديمقراطية والسيادة اللبنانية، فهذه الأسس هي في جوهر تكوين لبنان الوطن.
ج- التأكيد على عدم العودة إلى استخدام السلاح في الداخل، وعلى ضرورة عدم اللجوء إلى العنف والقوة كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية أو للحصول على مكاسب سياسية، إذ لا أفق لأي طرف يحاول الاستئثار بالحكم لوحده، فلبنان لا يصلح أن يكون إلا لبنان العيش المشترك ولبنان قبول الآخر المختلف. فالسلاح، كل السلاح، ينبغي أن يكون موجها وحسب نحو أعداء لبنان على الحدود في جنوبه الذي يتعرض على الدوام لاعتداءات واستفزازات إسرائيلية.
د- ولذلك قد يكون من الأساسيات في الحوار المرتقب توجه الفرقاء اللبنانيين نحو إرساء علاقة صحية واضحة المعالم والأركان بين الدولة والمقاومة تحدد دور ووظيفة كل منهما. وهذا ممكن من خلال: أولا صيانة جميع الأطراف للحقوق السيادية للدولة كائنا من كان في سدة السلطة، وثانيا من خلال اعتراف الطرفين، أي الدولة والمقاومة، بحاجة كل منهما للآخر، خاصة في ظل وجود لبنان واقعيا وفعليا في قلب الصراع العربي-الإسرائيلي، وفي ظل ارتباط تاريخ لبنان ومستقبله بتاريخ ومستقبل المنطقة العربية عموما، فالمقاومة بحاجة إلى الدولة اللبنانية والمجتمع اللبناني كي تكتسب عموميتها، وتوفر السند الضروري لاستمرارها وتطورها على صعيدي الرؤية والفعل، وبالمقابل فإن الدولة اللبنانية والمجتمع اللبناني بحاجة إلى استمرار المقاومة طالما هناك أرض لبنانية محتلة وتهديد إسرائيلي مستمر لسيادة لبنان، وطالما مازال الجيش اللبناني غير قادر على القيام بأعباء هذه المهمات.
3- أما على مستوى التحرك العربي المطلوب حقا من أجل لبنان، فإننا نؤكد على دور العرب في مساعدة لبنان وإفساح المجال أمام اللبنانيين لإعادة تأسيس تجربتهم الديمقراطية، وبناء دولتهم بحرية واستقلال، وفق ظروفهم ومصالحهم، ولهم في هذا المجال خبرة واسعة، تشكل تجربة رائدة في المحيط العربي.
واجب العرب، خاصة جارته القريبة سورية، منع لبنان من الانزلاق نحو منزلقات خطيرة، فلبنان يستحق منا جميعا أن نحافظ عليه ونصونه حفاظا على دوره كنافذة ثقافية وديمقراطية للعالم العربي على العالم الواسع.
بالمقابل نرى أن العلاقة المميزة بين لبنان وسورية حقيقة واقعة لابد من دعمها ورعايتها بالتوافق والاختيار الحر والمعاملة بالمثل والتأسيس القانوني عبر المؤسسات الشرعية، أي إرساء العلاقة بين البلدين والشعبين الشقيقين على أساس الاحترام المتبادل والتكافؤ والمصلحة المشتركة، وعلى العلاقات الطبيعية المتعارف عليها بين الدول.
هذا يعني أنه ينبغي لأي اتفاق لبناني داخلي، كي يكون قابلا للحياة والاستمرار، ألا يعكس مطالب وأولويات النظام العربي والنظام الدولي أكثر مما يلبي مصالح الدولة اللبنانية والشعب اللبناني، فالمنطلق والأساس هو المصلحة الوطنية اللبنانية للخروج من الأزمة.
4- لا شك أن عملا كبيرا وشاقا ينتظر الفرقاء اللبنانيين في الدوحة، لكن العقل المنفتح المؤمن بالحوار كوسيلة للحل، إلى جانب الإصرار على إيجاد مخرج توافقي من أجل لبنان، كفيلان بتذليل جميع العقبات.
نتمنى للأطراف اللبنانية النجاح في التوصل إلى توافق داخلي، وطي صفحة الأزمة التي حملت للبنانيين المآسي والآلام، فضلا عن تعطل الحياة العامة والاقتصادية والمؤسسات الدستورية للبلد، ونتمنى للجامعة العربية واللجنة الوزارية العربية النجاح في مسعاهم في إنقاذ لبنان من شبح الحرب السوداء وإعادته لممارسة دوره وحياته الطبيعية.
التجمع الوطني الديمقراطي في سورية ـــــ 17 / 5 / 2008
خاص – صفحات سورية –