عجز العرب عن ايجاد قواسم قومية مشتركة
ميشيل كيلو
حين تتكور أمة على ذاتها، وتصير قوة تقرر مصيرها بنفسها، وحين يقبل الآخرون وضعها ويقرون بشرعيته، تصير الأمة صانعة الواقع وتشارك بفاعلية في عصرها، الذي يصير بدوره من صنعها. وعندما تتمحور أمة حول غيرها، وتتعين بما يقرره لها، فإنها تفقد حقها في تقرير مصيرها، وقدرتها على لعب دور حاسم في شؤونها.
مر تطور الأمة العربية الحديث في مراحل ثلاث:
1 – بعد استقلال الأقطار العربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بدأت الأمة العربية تصنع مصيرها بنفسها منذ أوائل الخمسينيات. هذه الانعطافة بدأت مرحلة نوعية مع ثورة يوليو في مصر، التي عرفت بالثورة الناصرية، وتركز جهدها على تأسيس مركز عربي في مصر يمكن لبلدان ودول وشعوب الأمة التكور حوله، أول واجباته وضع نفسه في خدمة تنميتها الشاملة، وفرز مصالحها عن مصالح غيرها من الأمم وتعريفها كمصلح عربية قائمة بذاتها، ليتمكن العرب من تلمس ذاتهم ككيان مستقل، يبني حياته القومية انطلاقا من مفرداته الخاصة وحقائق عصره، ويكون قادرا على تعبئة مجاله الأموي بوجوده المميز، ومؤهلا للانخراط في الحياة الدولية عبر واقعه الجديد، ومعدا لتوسيع مكانه في العالم وزيادة تأثيره على أحداثه وعلاقاته بطرق مشروعة تعود عليه بنفع يعزز وجوده ودوره.
كانت ثورة يوليو خطوة مهمة على طريق إدخال الأمة العربية إلى عصرها ونحو إشراكها في الزمن الدولي المعاصر. وبسبب نجاح مسعاها، أول لأمر، صار العالم يرى في العرب كيانا واحدا، وصارت كل دولة عربية تعرّف بعبد الناصر ومصر، فيقال لمن يسأل عن هويته ويجيب بأنه عربي : آه، عبد الناصر، أو ايجيبت (مصر). لبرهة من الزمن، تحول العرب إلى أمة واحدة في نظر العالم، واعتبر الوطن العربي حيزا جغرافيا / سياسيا واحدا، تعامل الآخرون معه بصفته هذه، بعد أن خبروا صعوبة الانفراد بجزء أو بقطر منه دون رد فعل من بقية أجزائه وأقطاره. وفي هذا الوقت، تحول العرب إلى قوة مؤثرة في إقليمهم، فكانت خطبة يلقيها عبد الناصر كافية لهز وإسقاط الحكومات، كما حدث في تركيا وباكستان، حيث سقط رئيس الوزراء مندريس في الأولى، وسهروردي في الثانية. وكان شباب الأمة يصدقون ما يقوله مفكرون كبار عن تحول أمتهم من موضوع للآخرين إلى ذات تاريخية فاعلة، تقرر مصيرها وبعضا من مصائرهم.
وكان الدليل على صدق هذا القول ملموسا، فالأمة تتحرك وتتفاعل وتدافع عن نفسها كجسم واحد يشد بعضه بعضا من المحيط إلى الخليج، حتى أنه عندما قاطع عمال أمريكا عام 1958 السفينة المصرية ‘كليوباترا’ في أحد المرافئ، قام العمال العرب في اليوم التالي لإذاعة الخبر بمقاطعة شاملة لوسائل النقل الأمريكية: البحرية والبرية والجوية، وأوقفوا شحنات النفط، فرفع الأمريكيون مقاطعتهم وشحنوا السفينة بالقمح. المثير للاهتمام هو أن العمال العرب فعلوا ما فعلوه بمبادرة ذاتية، دون أن تدعوهم مصر أو أية دولة عربية إليه.
2- مثل كسر هذا الوضع هدفا استراتيجيا لاحقه أعداء العرب، وخاصة منهم الصهاينة. وكان قد قام خلال فترة التقدم العربي القصيرة مركزان متجاوران داخل الوطن العربي : أولهما مصر وثانيهما الكيان الصهيوني. كما قام على حوافي الوطن العربي مركز إيراني وآخر تركي، أقصاهما المركز العربي عن الفعل داخل مجاله القومي، فعملا، بتنسيق مع إسرائيل أو بدون تنسيق، إلى شطبه، لأن شطبه خطوة أولى على طريق تفتيته وإدخال العرب في متاهة يتخبطون فيها إلى أن يفقدوا رشدهم، بالتزامن مع انفجار أو تفجير خلافاتهم وتناقضاتهم، التي لطت وكمنت في طور صعودهم القومي، دون أن تختفي تماما، وسيهشم انفجارها ما في الحياة العربية من قواسم عامة ومشتركات وأفكار جامعة وموجهة.
بعد حرب حزيران عامة، واتفاق كامب ديفيد خاصة، بدأ تلاشي المركز العربي، وتصاعد دور المراكز الثلاثة، ثم تجدد الثاني منها الإيراني – على أسس دينية / مذهبية، والثالث التركي بفضل توليفة فكرية / سياسية غربية حديثة، بينما هيمنت إسرائيل، بعد عام 1967، في منطقة الفراغ، التي نشأت نتيجة انهيار دور مصر القومي وانكفائها على ذاتها، ومنعت قيام مركز عربي بديل فيها. وللعلم، فإن أحدا من عرب المشرق والمغرب لم يتقدم لملء الفراغ في هذه المنطقة وللعب دور يعوض دور مصر كمركز وحدوي، بزعم أن بناءه سيكون صعبا أو مستحيلا. بدل بناء مركز قومي بديل، سارعت الدول إلى تقاسم دور مصر، وتصارعت بشراسة لتكبير حصتها منه، بموافقة القوى الكبرى وتشجيعها. افتقر العرب إلى رؤية يواجهون بمعونتها الواقع الجديد، تسد فراغا قوميا صار ملموسا وقاتلا، وتم الإجهاز على دور المركز المصري الغائب والمغيب، الذي ترتبت على تغييبه وغيابه آثار سلبية كثيرة جعلت الملك عبد الله بن عبد العزيز يتحسر، فيما بعد، عليه، ويتمنى لو انه بقي ودام.
واليوم، تحاول كل واحدة من القوى الكبرى الثلاث في منطقتنا: تركيا وإيران وإسرائيل، ممارسة دور قوة إقليمية ترعب العرب في حالة إسرائيل، ويتمركزون حولها في حالتي إيران وتركيا. لا تترك القوى الثلاثة وسيلة تحقق هدفها إلا واستخدمتها: من القوة (إسرائيل) إلى التخويف (ايران) إلى المصالح (تركيا)، كي لا يعي العرب أنفسهم ويتصرفوا كأمة، ويقلعوا عن السعي إلى التكور على ذاتهم، وإلى الانفراد في تقرير مصير منطقتهم ووطنهم، ومتابعة طريقهم نحو العصر بإرادتهم الحرة وقواهم الخاصة، وكي لا يتحولوا مجددا من موضوع لغيرهم، كما هم اليوم، إلى ذات تاريخية فاعلة يصعب على أية قوة في المنطقة مضاهاتها أو معاداتها أو التدخل في شؤونها.
هذه هي، باختصار شديد، مراحل التطور القومي العربي الحديثة: في أولاها بدأ العرب يتشكلون كأمة بالمعنى السياسي، وحرروا مجالهم القومي الخاص من الوجود الأجنبي.
وفي الثانية غاب المركز وتشتتت الإرادات وتضاربت الخيارات، وبرز تكوين بديل ضم مصر وسورية والسعودية، نظم العلاقات العربية في ضوء مصالح وأدوار أطرافه الثلاثة، غير المنسجمة في قضايا وأمور كثيرة. في المرحلة الثالثة، الحالية، بدأ العرب ينشدون إلى مراكز غير عربية، دولية وإقليمية، بعد أن فقدوا قدرتهم على التعامل مع غيرهم بوصفهم أمة موحدة الإرادة، وانفرط عقد الحلف الثلاثي (المصري / السوري / السعودي)، الذي كبح تدهور أوضاعهم لبعض الوقت، ثم اختفى بدوره.
إنه زمن عربي أخر، أذهب العرب إليه عجزهم عن إيجاد قواسم قومية مشتركة على قضايا العصر المهمة، وخوفهم من التطورات العالمية والإقليمية، واقتناعهم أن الإطار القومي لم يعد قادرا على حماية أحد، أو على ضمان مصالحه، أو على تلبية حاجة أطرافه إلى العمل المشترك. وعندما يعجز الإطار القومي عن احتواء خلافات وتناقضات العرب وعن خدمة مصالحهم، فإن باب تطورات غير مسيطر عليها وخطيرة يكون قد انفتح!
‘ كاتب وسياسي من سورية
القدس العربي
لأول مرة أقرأ للسيد ميشيل كيلو و لأول مرة اشعر بالكراهية للعلمانية (التدحرج بين الأمراض) التي لم أعترف بها إلا ككلمة مترجمة غربية يستخدمها اعداء الحضارة في الأوقات المناسبة، لعدم قدرتهم على استخدام اللغة العربية ضمن المفاهيم الحديثة لأسباب تتعلق بالتركيبة الفيزيولوجية النفسية ..
السيد كيلو يريد استخدام أسلوب الإعلاميين الصهاينة (هذا لايعني أنه صهيوني) و لكنه على مايبدو ضعيف في علوم النفس و الإعلام النفسي و مايسمى بالرمي غير المباشر..
أو أن اطلاعاته على المقالات السياسية الغربية لم تخترق الذاكرة الإنفعالية بالشكل الذي يسمح باستخراج المفاهيم اللازمة ضمن الاسلوب اللازم، فبدا مقاله السياسي هذا (أعرج) ، مما جعل الغطاء القومي الذي ألبسه للمقال يتدلى من جهة، ليعري جهة أخرى رغم مخاولات التخفي، و لكنه أعرج هذه صفة لايمكن الشك بها و لذلك يمكن إيقاعه في أي وقت.
ليس لدي أي نية بالنيل من الأستاذ كيلو ، ولكن وعائي من الكلمات وإن حاولت تنقيته بمصفاة دقيقة الثقوب فلن تقطر إلا ما سأكتبه الآن:
السيد كيلو ينعم بذاكرة تمتد لأكثر من خمسين عاماً، فذكرنا بالعداء التركي و الإيراني و الصهيوني ، و محاولات تلك القوى باللعب على حبل الخلافات العربية العربية، لا بل أنه أراد زرع لغم في فمنا فذكرنا بالقيادة الناصرية لنطبق أفواهنا راضين بتحليله الذي لم يضف إلى واقعنا الممتد أكثر من مئة عام إلا تحسرات عبد الله بم عبد العزيز على الأيام الخوالي ، حينما كان آل سعود يضربون اليمن بطريقة استر و أقل عيباً من اليوم ،رغم عدائهم المفضوح لمصر التي يقول أنها كانت تمثل قلباً لإمة في رجل..
يا للأسف.. على أوقاتكم الضائعة ، و على علومكم المنهية عند قمة أهرام الدولار..
السيد كيلو يريد قول مايعجز عنه الصهاينة أنفسهم.. و كل ماكتبه كان يجسد البراءة الصهيونية لو أنه ابدى بعض الرجولة فأضاف لهذا الثلاثي محركه الأساسي في المنطقة أي سوريا .. سوريا التي لايريد السيد كيلو أو هو لا يستطيع البوح بقدراتها السياسية التي تعبر فعلاً عن قدرات لن نوصفها بالعظمى لكي لا نخدش بعض الآذان أو لكي لا نعمي العيون التي لاترى إلا الأخضر الفاتح..
السيد كيلو يريد تحالفاً سوريا- سعودياً- مصرياً !!!!! ولديه من الإعتقاد مايجعله متأكدأ من أن أحداً لن يسأله عن قواعد و مغزى و أهداف هذا التحالف. ..!! يا للعجب !!!!!!!
هل غير السعوديون من عدائهم لعبد الناصر(أقصد وحدة الأمة)؟؟؟ أم أن لمصر حاجة كبيرة باللقاء مع سوريا التي تدعم معبر رفح؟؟؟
لن أزيد من ردي لكي لا أشعر بخيبة أكبر إذا لم ينشر (هذا أمر طبيعي في وسائل الإعلام الديمقراطية) ..فنحن في عصر الديمقراطية الغانية