قضية فلسطين

إنها الحرب

عباس بيضون
عندما لا يزيد البلد عن ٣٠٠ كلم مربع ويكتظ بمليون ونصف ويواجه آلة عسكرية عاتية، فإن المرء لا يتردد في أن يقف الى جانب غزة. ليس من أجل »حماس« التي تحملت نيابة عن العدو إعلان وقف التهدئة، ولكن من أجل شعب غزة المتروك طعمة للجوع والموت، والذي يتساقط أطفاله وسكانه كل لحظة. لا يحتاج المرء الى أن يكون عربيا أو شرقيا ليقف هذا الموقف، يكفي أن يكون بشراً. الذين تظاهروا ضد الهجمة الاسرائيلية رأيناهم على التلفزيون يعبرون ببساطة عن ذلك. مهما كانت المظاهر، مهما بلغ الادعاء، فإن إنسانا موزونا لن يصدق أن غزة تعلن الحرب على اسرائيل. صواريخ، مهما كان عددها، ليست شديدة الفعالية لن تكون حربا حقيقية حتى ولو قال أصحابها ذلك. ليس في الموضوع سوى استضعاف بلد صغير وشعب صغير. صواريخ كانت رموزاً، ورسائل رمزية، لكن تدمير بلد كامل وهدم البيوت على رؤوس أصحابها وإغراق الناس في الدم ليست مجرد رسائل. إنها محاولة إبادة فعلية وتذرع بأي سبب لكسر إرادة شعب وتحطيم مقومات بلد، وإحراق مستقبله. تكذب إسرائيل حين تقول إن بغيتها قواعد الصواريخ. إنها حجة فقط لسحق بلد. صالحت إكبر دولة عربية إسرائيل وسالمها حتى الفلسطينيون في أوسلو، لكن إسرائيل لا تثق بأحد، إنها آخر استعمار في العالم وتقاتل منذ أربعين عاما دفاعا عن سرقة أرض وإيغالا في سرقة أرض. وأمام أعين الجميع قضمت الأرض الفلسطينية الى درجة تجعل مستحيلا قيام دولة فلسطينية. لقد سرقت المستقبل الفلسطيني في العلن وأثناء المفاوضات ولا تخفي نواياها الصريحة، انها تخلق أعداءها وتدفعهم بسلوكها الى ان يسلكوا الطرق المسدودة. تدفعهم أحيانا الى الجنون وربما الى الاصطدام بأنفسهم أو الاصطدام بالجدار. ماذا تركت اسرائيل للفلسطينيين ان يفعلوا. لقد باعتهم اليأس وحده وها نحن نرى أحيانا الصور الفاجعة لليأس. انه اليأس والحرب. وستبقى هي لتجازي كل صاروخ، قلما يؤذي، بكارثة، وكل جريح إسرائيلي بمجزرة، وستبقى تعمل لتجعل أي حل حقيقي مستحيلا. لقد تركت الفلسطيني بلا مستقبل وبلا وعد وها هي الآن تجازيه على يأسه. لست مع سياسات اليأس أو الانتحار لكن هذا كلما تقدمه إسرائيل للآخرين. ليست المرة الأولى ولا الثانية التي يعاقب فيها الفلسطيني على إفقاره وتجريده من كل أمل ليغدو أكثر فقرا وأقل أملا. إنه عقاب على عقاب، وها هو شعب مغلوب على أمره ويُطلب منه كل مرة أن يقدم معجزة أخرى في الصبر والانسحاق. لا يمكن لأي إنسان موزون وحقيقي أن يصدق أن غزة تعلن حربا على إسرائيل ولو تباهى بذلك الذين يرتجلون من يأسهم أساطير ومعجزات. إنها ساعة لنفكر فيها بضعفنا وحقنا المسلوب في أن نربي أطفالنا، بحقنا في المستقبل، بحقنا من الأمل.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى