صفحات مختارةفلورنس غزلان

عورة العقل!

فلورنس غزلان
عورة العقل تطلب منا أن ننتقل، من الحجاب إلى النقاب ومن البابوج إلى القبقاب.
غياب العقل عن الفعل والاستنباط والتحليل والقراءة ، تغييب العقل المتعمد من المسؤولين عن التنوير، انحسار وإقصاء للمتنورين وذوي العقول، محاربتهم وإعمال التشويه والتخوين والتشكيك في كل مايصدر عن عقل يبصر ويمعن ويحلل بمنطق ، تغييب دوره الفاعل وتصدي السخف والفحش والدجل والتلفيق لكل من يحاول أن يفتح كوة في سراديب الاستبداد الفكري ، لأنه نتاج وثمرة للاستبداد السلطوي، يتم ويحصل هذا بشكل ممنهج ومعد ومخطط للحيلولة بين نور العقل والتواصل مع الانسان المواطن ، كل هذا من اختصاص بلداننا العربية وأنظمتها بجدارة تحسد عليها حتى من أعتى الأجهزة الأمنية، بل وتتفوق على ” السيه آي ايه وغيرها ” .
ــ يلهوننا، ويتلهو بنا وبيومياتنا، يدخلوننا في دوامات التيه ، يتدخلون في أدق تفاصيل حياتنا، كيف نلبس وكيف نأكل، وبأي يد نمسك الملعقة والشوكة والسكين، لاهم لهم ولا خوف عليهم وعلى بلدانهم وتطورها ومستقبلها ونصرتها إلا من المرأة التي تشاركهم البيت والهواء والشارع والعمل ، المكان والوطن، هي سبب تردي حال السياسة وسبب قضم الأوطان ، بنطالها يميت وحجابها يحي وينصر على العدو، أما نقابها وهذا هو التحفة الجديدة التي تطل وتشرق على حياتنا لتنير لنا ظلماتنا النهارية وقبرنا الذي ندفن فيه قبل أن يأتي موعدنا مع عزرائيل ــ لأنهم لم يتركوا له مجالا ليعمل ــ فقد خاصموه في قطع الأنفاس والأرزاق، وقرروا أن ينتهوا مع من يسحب رجولتهم من بين أفخاذهم وعماماتهم من فوق رؤوسهم ، فقد صعقت بطارياتها العاملة وانفلتت عيارات الفولتات وباتت تبرق وترعد وتقصف حمماً خطابية فقهية، …المرأة المسلمة العربية سبب البلاء وسبب الخراب..اقضوا عليها وزجوا بها للأبد في غياهب النقاب ..اخفوا معالمها الأنثوية وتخلصوا من عاركم الذكوري ، يتنطح المغالون والمحتالون الذين يتخذون من برقع الحق الإنساني والدفاع عن الحريات الخاصة والعامة ستاراً للفكر الظلامي وهؤلاء هم الأخطر على المجتمعات،” فيذهبون للقول أنه من حق المرء أياً كان أن يختار اللباس الذي يختاره ويناسب قيمه وأفكاره وأن نوعية اللباس لاتحول بينه وبين أداءه الوظيفي”! ولا ننسى كيف تنقلب لغتهم هذه للعكس حين يتعلق الأمر بإمرأة تكشف شيئا من جسدها، فحينها يقولون أنها تحولت لسلعة !…فكيف تكون الحرية إذن حين تحمل وجهاً واحداً؟.
وللاجابة على هذا الادعاء المغرض والمصاب بفيروس العداء للجنس والنوع البشري الأنثوي بالذات ولتقسيم المجتمع إلى مجتمعين منفصلين مجتمع الذكور صاحب الدرجة العليا الممسك بالقرار، ومجتمع العبيد المتمثل بالمرأة منفذة وطائعة لما يقرره قوانين مجتمع السوبر القَوَام ، كيف يمكن أن تقوم المجتمعات دون تواصل؟
وكيف يكون التواصل الإنساني موجوداً وفاعلا مع الفصل والحواجز؟، هل يمكنني أن أتحاور مع شبح؟ هل يمكن للحوار أن يكون بشرياً إنسانياً دون ملامح؟ نصف الحوار ونصف التواصل وتبادل الفكر يقوم على الملامح ولغة العيون ولغة الوجه والتقاطيع والمعالم قبل الكلمة التي تخرج عن فم مغلق وشفتين مختفيتين لا أعرف ولا أرى حركاتهما ولا أشعر بالابتسامة ولا لون أسنان الناطق…فكيف تردون هذا للإسلام؟ وكيف تريدوننا أن نتواصل مع إسلامكم البعيد عن العقل والمُغَيِب للعقل؟ تريدون للمرأة أن تؤمن بقراراتكم وأن تغلف جسدها لأنكم تخشونه تخشون سطوته عليكم، فلماذا لانخشى نحن سطوة أجسادكم؟..عورة…عورة أنا؟ أم عورة عقولكم التي تحملونها في رؤوس لم تنضج بعد؟
التطور ينتقل من حال رديئة إلى حال أكثر وعياً ومساهمة في الانتاج والتقدم العلمي والإنساني والحقوقي، أما في عالمنا العربي ، فإنه ينتقل بسرعة الصاروخ عدواً للخلف، كنا في الحجاب وبتنا نسعى ونوثق ونشدد على صحة النقاب؟ّ…الأنظمة تصمت وترضى بالافتاء ، الأنظمة ترصد وتؤيد إلهاءنا بالقشور وتوافه الأمور، الأنظمة تغرقنا بِطَلات وجوه هؤلاء اليومية على شاشاتهم العبقرية لأنها لاتريدنا أن نتحدث بالخبز والرغيف الرديء، ولا بانقطاع الكهرباء ولا برداءة العلم والتعليم والتربية ولا بمناهجهم التي تحشو أدمغة أطفالنا بالخزعبلات والانتصارات الوهمية، لاتريدنا أن نرى جوعنا ووجوه أطفالنا الصفراء التي تنطق بنقص الحريرات ، لاتريدنا أن نصرخ بوجه جشع وفساد أولي الأمر فتوكل هؤلاء ليخوضوا بأسباب تردي المجمتع وسوء الأوضاع الواقعة على المرأة لآنها لاتسمع كلام الرب ولا تطيع كلام الفقهاء بارتداء الحجاب والنقاب كي تبعد عن الوطن الشرور والبلاء وتكالب المؤامرات على الوطن!
عليكم فقط أن تمسكوا بالروموت كنترول لتلفازكم وتتنقلوا بين محطات العربان لتشبعوا لطماً وتتقرح معدتكم وأمعاءكم وتصابون بالغثيان لانعدام العقل وتأجيره لهؤلاء الذين تغرق بهم المحطات ويغرقون عقول الناس بمتاهات الجهل والظلام، اهربوا منها للصحف العربية، واقرأوا أحكام الجلد بحق المذيعة روزانا في السعودية، وأحكام الجلد بحق مواطنات سودانيات، وثورة البرلمانيين الاسلاميين في الكويت على البرلمانيات السافرات ليفرضوا عليهن الحجاب فذكورتهم مُهانة حين تدخل المرأة الكويتية البرلمان وشعرها مكشوف!…أخبارنا تدور في هذا الفلك….نساء فلسطين تموت تحت سياط إسرائيل وتجويع العائلات وحماس تمسك بالسوط وتجبر البنات على ارتداء الحجاب وتفصل المخالفة، نساء سوريا والأردن تموت يومياً قتلا واضطهاداً قانونياً ينصف الرجل ويقتل المرأة… بحجة الشرف! ، وليحموا الشرف على النساء أن تتحجب وتتنقب، ويخرج علينا الشيخ السوري من قناة الجزيرة ” عبد الرحمن الكوكي” ليشتم ويلعن الطنطاوي لأنه سمح لنفسه باعتبار النقاب ليس من الإسلام ولا ضرورة لإجبار الصغيرات عليه…اذهبوا لمدارس سوريا الابتدائية قبل الثانوية لتشاهدوا الطفلات الملفعات من قمة رؤوسهن إلى أخمص أقدامهن، فأين حرية الاختيار عند الطفلة؟ وكيف تُميز وهي بعمر الورد بين حجاب ونقاب يمنحها الحرية؟ وأي حرية!!
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل خرجت علينا إحدى البورجوازيات الكبار ، والتي تريد توظيف أموالها بمشروع يدر عليها ربحاً ومالا غزيراً ، فوجدت في المجتمع السوري تربة صالحة لمشروعها، فاستوردت مجموعة من سيارات التاكسي خاصة بالنساء” سائقات وراكبات”ــ بالطبع السعر أعلى من التاكسي العادية ــ هل يحل هذا مشكلة العمل عند النساء؟ هل يساوي بين عمل المرأة والرجل؟ هل يمنح الحرية فعلا للمرأة؟ هل يمنع ضعاف النفوس من الاعتداء على النساء؟ ومن يحمي السائقة نفسها عندما تعمل ليلا أو نهاراً؟…أم أنه يكرس الفصل بين الجنسين ويضع حواجزاً وسدودا من التواصل الانساني ويزيد من المخاوف ويؤدي إلى انشطار المجتمع وتقويض دعائمة القائمة على امرأة ورجل وكلاهما الانسان المواطن باني المجتمع؟! أعتقد أن مشروعاً كهذا أشد خطورة من حديث الشيخ الكوكي ..ويصب في النهاية في نفس الهدف…الكل يريد الفصل، الكل يريد عزل المرأة، الكل يريد إلغاء العقل عن التفكير والفعل والعمل والبحث عن الاجابة بنفسه دون اللجوء لمتاهة شيوخ الظلام.
مَن المسؤول؟ أليس النظام الذي يسمح بتكاثر أمثال هؤلاء ، بل ويزرعهم بيننا ويفتح أمامهم كل الأبواب والنوافذ ليطلقوا أفكارهم وينشروا ذعرهم في نفوس شبابنا وبناتنا، بينما يغلق بالمتاريس بوجه كل كوة لعقل متنور وفكر ناضج يسعى لخير المجتمع وتطوره الطبيعي ، القائم على الحوار والانفتاح والحرية في التعبير والنقد، يفتح النظام السوري أبوابه الإعلامية والرسمية لاستقبال مؤتمر للأحزاب العربية القادمة من مختلف الأطراف والتوجهات الأيديولوجية، وبالطبع تحوي بين صفوها المعارض والمناقض لنظام البلد القادم منه الحزب، لكنها ترفض حتى الاعتراف بوجود أحزاب معارضة داخل الوطن! ، لأنها ستضمن أن الأحزاب القادمة ستصفق للنظام الممانع وستطبل وتزمر لوطنيته وإسلاميته وحرصه على الإسلام والمسلمين والعرب وقوميتهم، بينما تدين أي تعارض مع مسيرة النظام ورؤيته وحزبه القائد، وتغمض العين على اختناق المواطن السوري وعلى سجون سورية الملأى بمعتقلي الرأي والضمير، لأن هذه الأحزاب تكتفي بعورة العين وعورة العقل ، لأنها من نفس طينة الاستبداد الفكري والاستبداد السلطوي، ولو تسلمت مقاليد حكم في أوطانها لما اختلفت عن ممارسة ماتمارسه كل أنظمة القمع والعسف الفكري العقيم…فكيف يمكننا أن نخرج من عنق الزجاجة الذي يزجوننا به؟ هل يكفي المفكر صاحب الرسالة التنويرية قوتاً وغذاءً لنضج الأوضاع، وهو المحاصر من كل الأطراف؟ هل يمكن أن نخرج وكيف ، وإلى متى سنبقى أسرى، وإلى متى ستبقى المرأة شماعة العجز والتطرف؟
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى