عندما انتقد المسيري مفهوم الاختلاف عند دريدا
مازن كم الماز
في نقده لمفهوم الاختلاف عند دريدا ( و من يسميهم عبد الوهاب المسيري بالماديين السائلين عموما ) يرفض المسيري ما يرافق هذا التفكيك من تدمير للغائية و للمركز و بالتالي محاولة وضع نهاية للميتافيزيقيا بكل أشكالها . من المؤكد أن دريدا قد لاحق القداسة و المطلق بإصرار و حرص على استئصالهما من الفكر و الوعي , لكن يجب التأكيد أن هذا المفهوم من الآخر هو وحده الذي يعترف له أولا بحق الوجود و يقبل ثانيا باقتسام هذا الوجود معه , هنا يصل الحق في الاختلاف إلى درجة الوجود الحقيقي , لم تعد العلاقة مع الآخر علاقة مركز بمحيطه , بل يتم إلغاء أي مركز يحتكر المرجعية في مواجهة أي آخر . نسبية الحقيقة هذه تختلف تماما عن النسبية التي دعت إليها البراغماتية كجزء أصيل من الفكر الحداثي الأنغلو – ساكسوني , فالموقف البراغماتي ( أو النفعي ) من الحقيقة ليس إلا تأكيدا على المنفعة كطريقة أساسية , أو وحيدة , للوصول إلى الحقيقة , و نسبية الحقيقة هنا , في مواجهة مفهوم الحقيقة المطلقة , ينبع من نسبية المنفعة ذاتها , أي من نسبية الطريق الموصل إلى الحقيقة , لكن في إطار معطى معين فإن الحقيقة البراغماتية هي حقيقة مطلقة لا تقبل الآخر . و لما كانت البراغماتية , كمعظم الفكر الغربي , تقصد الإنسان البرجوازي عندما تتحدث عن الإنسان عامة تصبح المنفعة المقصودة هي مصلحة الإنسان البرجوازي في نهاية المطاف ( الغربي بالدرجة الأولى لكن البرجوازي الشرقي أيضا بدرجة من الدرجات ) . هكذا مثلا يفترض منظرو العولمة الرأسمالية أن هذه العولمة هي علاقة ذات اتجاه واحد : أنه على المجتمعات قبل الرأسمالية أو اللا رأسمالية , أو باختصار على الآخر , أن تتبنى قيم و مفاهيم الرأسمالية الغربية , هكذا يصبح الحديث عن أسلمة أوروبا أو حتى عن مجرد بناء المآذن فيها أساسا “منطقيا” و “شرعيا” للإسلاموفوبيا , لرفض الآخر وصولا إلى رهاب التعايش معه . كعادة النظام البرجوازي يتحول الحديث عن التنافس إلى تكريس لواقع احتكاري , هنا على الجانب القيمي و العقيدي . ما فعله المسيري كان بالضبط ما فعله منظرو العولمة الرأسمالية , فهم معا يرفضون الوجود المتساوي مع الآخر و يصرون على أحادية الحقيقة و المرجعية , في كل حالة لصالح “حقيقتهم” هم , مركزهم هم , بينما يصر دريدا على المضي بفكرة الاختلاف إلى نتيجتها المنطقية : غياب مركز واحد و تحويل المنظومات الهرمية إلى أفقية و الإصرار على نسبية “مطلقة” للحقيقة……..
مصادر البحث :
– محمد شوقي الزين , تأويلات و تفكيكات , المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى 2002 , عن دريدا و مفهوم الاختلاف و التفكيك عنده : ص 153 حتى 208
– الحداثة و ما بعد الحداثة , من سلسلة حوارات لقرن جديد , د . عبد الوهاب المسيري و د . فتحي التريكي , دار الفكر , الطبعة الأولى 2003
خاص – صفحات سورية –