الإصلاح وإشكالية الإسلام
ثائر الناشف
كان من المفروض أن يكون طرحنا بصيغة معكوسة ، أي الإسلام وإشكالية الإصلاح ، لكننا ارتضينا إلا أن تكون على هذا النسق المعدول ، لطالما بقي الإشكال قائماً بين الإسلام والإصلاح ، فلا الإصلاح يقبل أن يسبقه الإسلام ، لئلا يلغى دوره ، ولا الإسلام يرتضي أن يسبقه الإصلاح ، ولعل جوهر المعضلة يكمن في هذا التضاد، الذي تحول بفعل الزمن إلى إشكالية قائمة أساساً بين الإصلاح من جهة والإسلام من جهة ثانية .
معظم الدراسات والأطروحات التي ناقشت بالفكرة وحللت بالبرهان ، إمكانية إصلاح الإسلام ، انتهى بها البحث إلى نتيجة سلبية وإلى الغرق في التنظير الفلسفي ، والغوص لحد الضياع في أعماق المشكلة الرئيسية ، ألا وهي الاكتفاء بالإشارة فقط إلى ضرورة إصلاح الإسلام ، من دون التأكيد على كيفية حصول هذا الإصلاح ، وأيضاً دون التدليل عليه ، من خلال وضع الإبهام على لب المشكلة .
وفي هذا الصدد من عمق المشكلة ، لسنا بحاجة إلى الوقوف عند رأي الإسلاميين ومواقفهم المتناقضة من الإصلاح ، فالخلل الحاصل في حاضر الإسلام من وجهة نظرهم ، لا يكمن في هياكل الإسلام وحسب ، بل أن أكثرهم يعيده إلى جملة المخاطر السلبية التي تحيق بالإسلام ، اقلها ما أتى من طريق الدسائس والمؤامرات ، وما الإصلاح في هذا المقام ، إلا واحداً من أشد المؤامرات فتكاً وتخريباً للجسد
الإسلامي .
ذلك التصور المشبع بعوامل القلق والتوجس ، لم يقلل من فاعلية الإصلاح ، إنما استبعده بشكل نهائي من أي محاولات مستقبلية لتجديد الإسلام ، فالأخير لا يحتاج إلى أي شكل من أشكال التجديد أو الإصلاح ، والسبب الأساسي في معتقدات الإسلاميين ، أن الإسلام يملك منظومة متكاملة تقيه شر التحريف والتحوير ، معتمداً في منظومته هذه على القرآن ككتاب منزل من السماء لا لبس فيه ، وبعيداً عن كل أشكال الهوى والعبث .
فحجة الإسلاميين وعلى اختلاف مشاربهم العقائدية ، أنه لطالما حافظ الإسلام على منظومته الربانية من كل عبث أو هوى ، فهو ليس بحاجة إلى الإصلاح ، أي بعكس ما جرى للمسيحية أبان فترة الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر وغيره من المصلحين ، الذين ما وجدوا أمامهم سوى جسداً مسيحياً متهالكاً بفعل استبداد رجال الكنيسة .
وما يزيد من إشكالية الإسلام تعقيداً ، انقسامه بين فرق وملل ونحل ، حيث ترى كل فرقة في صورة نفسها الكمال والخلاص ، وما عداها من فرق ، تسبح في الضلال الذي يرقى أحياناً لمرتبة الشرك ، ومثلما يعقد هذا الانقسام من إمكانية الإصلاح ، نظراً لتعثر الاتفاق على آلية واحدة توحد الجهود نحو البدء في إصلاح ما يمكن إصلاحه ، فإنه في المقابل يستدعي الإصلاح ويسهل له إمكانيات العمل على خلفية ذلك التشظي ، حتى لو وجدنا أنفسنا أمام إصلاحات متعددة ، لكل فرقة إصلاحها الذي تنافس فيه وتنازع الفرق الأخرى في ما يشبه السباق نحو الأفضل .
إلا أن واقع الحال ، ليس قائماً على تلك الصورة ، التي شرعنا في رسمها كأحد السبل الممكنة أمام الإصلاح ، إنما نحن أمام نكوص لا سابق له في تاريخ الإسلام المعاصر ، فكلما توسعت دوائر التشظي ، كلما ازداد معها النكوص والتقهقر ، ولعل المشكلة ليست في الإصلاح بقدر ما هي في الإسلام نفسه ، فقواعد الإصلاح يمكن تعديلها بين حين وآخر ، لتتماشى مع متطلبات كل عصر ، أما قواعد الإسلام فيستحيل الاقتراب منها ، ليس لدى فرقة بعينها ، بل لدى كل الفرق ، وهنا تكمن المشكلة ، ومعها يكمن الحل ، إذا ما فتشنا عنه .
هذا يقودنا إلى السؤال التالي : هل الإسلام بحاجة إلى الإصلاح أم التجديد ؟ وقد يسأل البعض، ما الفرق بين الإصلاح والتجديد ؟ الجواب أن الإسلام بحاجة إلى الاثنين معاً ، ولا بأس في أن يسبق أحدهما الآخر .
إن إصلاح العقل في الإسلام هو الأساس ، وليس النص بأرثوذكسيته ، أي بحرفيته لئلا يفتح أبواب الجدل بما لا تحمد عقباه ، وإصلاح العقل يتأتى بتحريره أولاً وقبل كل شيء من الخرافات الاجتماعية التي لبست مع الزمن لباس الدين ، وتحريره تالياً من عقدتي الوهم والخوف من الدنيا والآخرة ، فمن دون هذه العقد سنجد أنفسنا أمام عقل ملؤه الابتكار ، ومعهما سنجد عقلاً ، لا نقول عنه سوى أنه مستهلك للحضارة الحديثة ، رغم أنه يدعيها في ماضي أجداده الغابر .
وإصلاح العقل هذا ، سيؤدي بدوره إلى تجديد خطاب ومنهج الإسلام ، وبالتالي تخليصه من كل رواسب التطرف الباعث على الغرق في الماضي تارة ، وعلى الصراع تارة أخرى .