المفكر محمود أمين العالم في حديث مع الراية الأسبوعية
القاهرة – الراية – صفاء البيلي: هي تلك التجربة التي حاولتها علي مدار ثلاث ساعات ونصف هي مدة الحوار الذي لم يبدأ في الحقيقة بالأسئلة وإنما منذ أن ركبت السيارة متجهة الي جاردن سيتي أحد أهم أحياء القاهرة الراقية والذي يجمع بين المتناقضات ففيه ترقد السفارة الأمريكية ، قمة الرأسمالية العالمية وتمثال سيمون بوليفار محرر أمريكا الجنوبية ووسطهما يعيش ذلك الرجل الجدلي والمفكر المصري الكبير محمود أمين العالم وكأن الزمان والمكان قد آثرا معاً ان تتواجه المتناقضات في صدفة قلما نعثر عليها ونحن في طريقنا للبحث الدائم عن الحقيقة.
فلم يكن هذا الرجل الذي تعدي السابعة والثمانين بقليل سوي هالة مضيئة تشع فكراً وتنبض بروافد متباينة ومتعددة نقداً ، إبداعاً ، فكراً ، ثقافة ، تاريخاً وسياسة إنه صاحب رؤية متكاملة أحياناً تتناقض وأخري تدفعك بموضوعية لاكتمال الحلم حيرني من أين أبدأ من ماركسيته أم من فلسفته أم رؤاه السياسية والاجتماعية أم إبداعاته الأدبية والنقدية والشعرية التي لا يكاد يعرفها الكثيرون او علاقاته الانسانية التي تحمل كثيراً من وجهات النظر في معاصريه من رموز الفكر والاعلام والثقافة؟، لكنه كان دائماً ما يدفعني دفعاً نحو بداياته هو كي نسير في المسار الصحيح.
عائلة متمردة
# حفظت القرآن الكريم في كتاب الشيخ السعدني في مدخل حارة السكرية هل مازلت تتذكر هذه البدايات؟
– كان ذلك الكتاب في المسجد الذي يعد أول مدرسة لي عن بوابة المتولي وقد حفظت جزءاً كبيراً من القرآن الكريم فقد نشأت في بيت علم حيث والدي الذي كان وكيلاً للجمعية الشرعية وأخي الضرير كان طالباً في الأزهر علاوة علي أخي الثاني شوقي الذي كان يعمل في الأزهر لكنه تمرد عليه وألف كتابه الأزهر فوق المشرحة وكان الفصل من الازهر جزاءه بسبب تأليفه لهذا الكتاب فأخذ يكتب في الصحف ويندد بما حدث له ثم دعا الي تكوين المجمع الملكي للغة العربية وحينما تكون المجمع كان هو أول أعضائه وقبل وفاته كرم بجائزة عظيمة تخليداً لدوره الرائد في اللغة العربية كما كنت أصحب أخي أحمد الضرير الطالب بالأزهر حياة وقراءة حيث كنت أقرأ له دروسه الدينية وكان يكتب هو بطريقة برايل.
# أعتقد ان هذه النشأة الدينية أفادتك بخاصة حينما فصلت من الجامعة واضطررت للسفر الي فرنسا وقمت بتدريس الفلسفة وشيء من الدين الاسلامي أليس كذلك؟
– نعم وقد ساعدني علي ذلك مصاحبتي لأخي أحمد الذي كان عضواً بالجمعية الازهرية وكان الأعضاء خاصة المثقفين منهم يطالبون لاعداد خطبة يناقشون فيها بعض القضايا الدينية وأفادني ذلك حينما ذهبت الي فرنسا ودرست لهم الشريعة الاسلامية من أول بعثة محمد صلي الله عليه وسلم حتي سيد قطب وكان ذلك في باريس 8 شارع أو باري لوي وكانت من المصادفات السعيدة ان شقيقة سيد قطب كانت تلميذتي وحكت لي كيف تم اغتياله وكيف أنهم حاولوا معها لتشهد ضده وكانت من أفضل طالباتي وكنت أختلف معها أحياناً كثيرة لكنها كانت جادة في كتاباتها وكان من المفترض ان أشرف علي رسالتها في الدكتوراه لكنني عدت الي مصر حيث مات السادات.
أنا والاخوان المسلمين
# تقابلت مع حسن البنا وأنت في المرحلة الثانوية فلماذا لم تنضم الي الاخوان المسلمين؟
– أنا بالفعل تقابلت مع حسن البنا قبل الثورة وكنت طالباً في الثانوية كنت أحبه جدا لكني اختلفت معه وعبرت له عن هذا الاختلاف فقد كنت ضد تكوين دولة دينية أنا مع الدين لأنه قسم من الحياة وخاصة الدين الاسلامي لانه معني من معاني ثقافتنا لكن أن يصبح هو السلطة فهذا ما أرفضه لان هناك اختلافات فكرية فالسلطة يجب ان تحترم التنوع وتقوم علي المتنوع من المجتمع والحياة لا يمكن ان تقوم علي نص حتي ولو كان نصاً دينياً هذا بالرغم من احترامي للنصوص الدينية وخاصة النص الاسلامي فحتي ماركس حينما كان يتحدث عن الشيوعية كان يقول أنا لست شيوعياً ذلك لأن الشيوعية تأخذ تطورات في شكلها بحسب الزمان والمكان والأحوال كذلك الإسلام والدولة لا تكون أساس الاسلام فهي لكل المجتمع وهي التي تعبر عن جموع الشعب بكل اتجاهاته انها ليست الدولة الدينية
# كيف كان رد حسن البنا علي وجهة نظرك هذه؟
– كان رجلاً لطيفاً يقبل الرأي الآخر وأذكر انني كنت خارجاً من عنده بعد حديثنا هذا وكلانا سعيد بهذا الاختلاف المثمر ومازلت حتي الآن علي علاقة وثيقة ببعض قيادات الاخوان منهم عصام العريان وأحترم آراءهم ومحاوراتهم.
أول خلية شيوعية
# هل تتذكر أول خلية شيوعية انضممت إليها؟
– أول تنظيم شيوعي انضممت اليه هو النواة لكن قبل ذلك كان تحولي الي الشيوعية بشكل غريب جداً فلقد ظللت مرتبطاً بالفكر الديني بحسب نشأتي الأولي لفترة طويلة وأخذت أتمرد عليه شيئاً فشيئاً حتي أصبحت متصوفاً وفي المرحلة الثانوية كان مدرس اللغة الفرنسية نيتشاوياً فعشقت نيتشة وأصبحت نيتشاوياً أنا الاخر ثم في الجامعة تعلقت بأستاذي د. يوسف مراد أستاذ علم النفس فتحولت من التدين الديني الي ما يشبه التصوف العقلاني ثم الي علم النفس التكاملي وليس علم النفس العاطفي أو الذاتي لكنه علم النفس الذي يرتبط بالعلم والواقع الاجتماعي.
# أهذا ماجعلك تغير في منهجك الذي اتخذته في رسالة الماجستير حيث كنت تبحث في المصادفة في الفيزياء في الفيزياء الحديثة؟
– نعم حدث هذا التغير لي حينما كنت أعد رسالة الماجستير عن المصادفة في الفيزياء الحديثة وكتبتها في علم المناهج واتبعت فيها منهجي بعقليتي التي هي بين التصوف والوجودية والشعرية ولكنني أثناء البحث وجدت بعض الكتب منها كتاب لينين وقرأته فوجدت فيه شيئاً ما خاصة وأنا أكتب بشكل عقلاني وأبحث في نظرية المصادفة بمعني ان كل شيء جاء مصادفة وأنه لا قانونية اتكاء علي وجودي ثم بعد ذلك اكتشفت ماركس فجننت به وكنت في ذلك الوقت علي وشك الانتهاء من الرسالة فبدلت الموضوع الي نظرية المصادفة الموضوعية في الفيزياء الحديثة وقد نلت عنها جائزة الشيخ مصطفي عبد الرازق ثم عينت في كلية الآداب في قسم الفلسفة.
اختلاف مبكر مع يوليو
# لكنك فصلت بعد ذلك أنت ولويس عوض لماذا؟
– لأن ثورة يوليو كانت قد قامت وكنت مختلفاً معها في بدايتها ومثلي كثيرون من أساتذة الجامعة ما يزيد علي 50 مدرساً وكنت ولويس عوض من كلية الآداب وعبد العظيم أنيس من العلوم وحينما خرجت ولويس عوض الي ميدان الجيزة المزدحم بالبشر التفت اليه قائلاً: انظر الجامعة كانت فارغة من الطلبة اما الميدان فمملوء بالناس نحن خرجنا من الجامعة للشعب ومن يومها وانا مع الشعب
# ولم تكمل رسالة الدكتوراه؟
– نعم لم أكمل الدكتوراه التي كنت أعد لها تتمة لموضوعي الذي بدأته في الماجستير لكنني عملت في روزاليوسف بعد ذلك
# كيف حدث اعتقالك مع زملائك أول يناير 59؟
– اختلافي مع الثورة في بدايتها اتسم بالحمق فقد كانت مصر محتلة بأكثر من 80 ألف جندي وقد نقلهم كفاح الشعب المصري الي قناة السويس وكان هناك بند في اتفاقية الجلاء ينص علي عودة الجيش الانجليزي الي القناة اذا هاجم الاتحاد السوفيتي سوريا وحينها قلت يا داهية دقي وأخذت أصرخ هذه خيانة وكتبت كثيراً وهاجمت الحكومة علي هذا البند اما السبب الثاني فحينما طردت الثورة فاروق ذهبوا اليه ودعوه من ميناء الاسكندرية وكان السفير الامريكي يقف جنباً لجنب مع السفير الامريكي فقلت: هذه خيانة عظمي أخري والسبب الثالث فقد كانت مظاهرة في كفر الدوار قام بها مثقفون تقدميون أفكارهم تقترب من الحزب الشيوعي فشنقتهم الحكومة وأنا كنت ضد كل هذا.
التأييد المطلق
# لكن ما الذي جعلك تتحول باتجاه الثورة من المعارضة الشديدة الي التأييد المطلق؟
– حينما بدأت معركة ناصر مع العدوان الثلاثي اتصلت به وطلبت منه أسلحة لنمد بها إخواننا من الحزب الشيوعي في بورسعيد ومنهم البمبوطية عمال البحر كما كنا نساعد ضباطه ووزراءه سراً والغريب انه حينما انتصر العدوان الثلاثي شكرنا عبد الناصر وبعدها بقليل طلب منا السادات إعادة السلاح مرة ثانية ففعلنا.
# وماذا عن مقابلتك بعبد الناصر بعد ذلك؟
– اتصل بي عبد الناصر عن طريق يوسف إدريس وكان يسكن حينها في الهرم واستمر لقائي معه من العاشرة مساء الي الرابعة صباحاً.
# ما سبب تلك المقابلة؟
– هو شكرني عليما بذلناه في بورسعيد وقال طلبنا من الاخوان المسلمين ان يحلوا تنظيمهم وينضموا لنا في الاتحاد القومي لكنهم رفضوا فقتلناهم وعليكم أن تحلوا حزبكم وتنضموا لنا فقلت له هذا غير ممكن وأنا هنا لا أتكلم عن نفسي لكني كنت أحد ثلاثة أعضاء سكرتارية الحزب الشيوعي المصري الموحد حينها وأكدت له انني عضو قيادي في الحزب لكنني سأقترح عليك شيئاً اراه أجدي وهو ان ندخل الاتحاد الاشتراكي كحزب شيوعي مصري ويدخل الوفد كحزب الوفد وهكذا فرفض وأصر علي دخولنا كأفراد انا وبقية الحزب فرفضت واعتذرت ومشيت وكان الوقت حينها متأخراً جداً.
# هل صحيح أنه تركك تعود الي بيتك علي قدميك؟
– نعم قال لي: السائق الآن نائم وأنت بروليتاري عد الي بيتك علي قدميك وقد كان وبعد فترة تم القبض علينا ووضعونا في سجن القلعة ثم حملونا في قطار الي الواحات وحاكمونا محاكمة شديدة.
# أعتقد أنك قلت ذات مرة أنها كانت محاكمة مضحكة كيف كان ذلك؟
– أحضر أخي شوقي محامياً كبيراً ليدافع عني ودفع له أموالاً كثيرة وبعد ساعة من المرافعة العظيمة قال الرجل : ياحضرات القضاة من هذا الكلام أؤكد ان محمود أمين العالم ليس شيوعياً فوقفت حينها وقلت للقاضي لا أريد هذا الرجل يدافع عني فحمل المحامي أشياءه وخرج كسير البال وكانت المحاكمة التي تحاكمني حينها عسكرية فبرأتني.
قائد ملحمة السجن
# لكنك سجنت مع زملائك!
– نعم فالمبريء والمذنب كانا سواء بعدها استقررنا في سجن أبي زعبل وسجنا 5 سنوات وكانت ملحمة.
# كنت قائداً لهذه الملحمة في السجن؟
– نعم كنا نقوم بالإضراب كثيراً خاصة حينما أرادوا ان نفتت الحجارة وان يكون نصيب كل مسجون منا 15 غلقان لكننا رفضنا وأخذوا يضربوننا لمدة شهر وفي النهاية استسلموا لنا ووقف العمل علي غلق واحد فقط في تلك الفترة كان عبد الناصر في زيارة الي يوغوسلافيا وحينما عاد جاء رئيس البرلمان اليوغسلافي في زيارة لمصر ووقف احتجاجاً علي حبسنا خاصة بعد قتل شهدي عطية ثم تم نقلنا الي الواحات وظللنا فيها فترة طويلة.
# لكنكم كنتم أكثر حرية في سجن الواحات؟
– نعم لانها كانت منطقة بعيدة عن الحكومة وماساعدنا علي الحصول علي تلك المساحة من الحرية ان مأمور السجن كان ضابطاً عظيماً وذات يوم مرض ولداه وكان معنا أطباء بارعون فلاذ بنا فأنقذنا ولديه فبدأ يعاملنا بإنسانية كبيرة.
# أعتقد أنكم أقمتم مسرحاً في هذه الفترة؟
– نعم ومثلنا رائعة نعمان عاشور عيلة الدوغري ومثلت دوراً مهماً فيها كذلك ألفنا مسرحيات.
مسجد للشيوعيين
# وماذا عن مسجد الشيوعيين؟
– هذا مسجد بنيناه في السجن وتخيلي من الذي كان يؤمنا في الصلاة، د. محمد عمارة؟
– نعم الذي أصبح الآن إسلاميا جداً .
# هل تعني ان د. محمد عمارة كان عضواً في الحزب الشيوعي؟
– نعم
# ماذا حدث بعد ذلك؟
– قامت بيننا وبين ناصر حوارات وقرر الإفراج عنا وخرجت من السجن الي بيتي ثم طلب ناصر بعدها مقابلتي.
# ماذا حدث في تلك المقابلة؟
– قال لي بالحرف الواحد عفا الله عما سلف وسألني هل أنت حزين فأجبته لقد كنت حزيناً لأنني لم أكن معك في الأشياء العظيمة التي كنت تقوم بها وقد كنت أبعث له بخطابات أخطئه في أشياء كان يفعلها وأشجعه علي أخري.
# ألهذا اتهمك أحد مؤرخي الحقبة الناصرية وهو د. حمادة حسني أنك ومعك د. رفعت السعيد وأحمد حمروش ود. أسامة الباز وجمال بدوي تكتبون تقارير سرية في زملائكم في الحزب ترفعونها لناصر في محاولة لاسترضائه؟
– حدث وإن كذبت هذا الباحث عبر شاشة التليفزيون وأوضحت أن ما كنت أكتبه لناصر مجرد خطابات نصح وليست تقارير ولولا المجموعة السيئة التي كانت حوله لما تغير وقربنا منه فقد ضحك ناصر علينا جميعاً حين أخرجنا من السجن وأدخلنا الاتحاد القومي كأفراد وأخذني في حينها في اللجنة العليا للاتحاد وقال لي : سأعطيك جريدة أخبار اليوم لكن لا تجعلها برافدا.
# هل كان يخشي ان تحولها الي جريدة شيوعية؟
– نعم كجريدة البرافدا المعبرة عن الشيوعيين في الاتحاد السوفيتي لكنني قلت له لا تخف.
# لكن أنيس منصور يتهمك أنك بالفعل حولت اخبار اليوم في تلك الفترة الي برافدا خصوصاً بعد خروج هيكل و مصطفي وعلي أمين منها ولم تستطع الاقتراب من الأهرام فما قولك؟
– لا لم أحولها الي صحيفة شيوعية بالرغم من أنني شيوعي فالشيوعية أمل بعيد ومصر لا يمكن أن تكون شيوعية.
# كان أنيس منصور يقصد الاخبار وليست مصر
– حتي أخبار اليوم لم يكن من الممكن ان تتحول الي شيوعية كلها.
# إذا حولت جزءا منها؟
– ولتها الي موقف وطني ديمقراطي معاد للاستعمار والصهيونية من أجل التطور الاجتماعي وتأميم المشروعات الكبيرة وتطوير حركة التأميم بحيث تكون الملكية العامة للشعب ان هذه ليست اشتراكية انها مرحلة أولي في اتجاه الاشتراكية وحتي لو تولي الشيوعيون السلطة فلن تتحقق الاشتراكية بل يتحقق التحرر الوطني من الاستعمار والتخلف الاجتماعي ويبدأ التصنيع الشامل والمخططات المحلية القائمة علي العلم لمصلحة المجتمع وارتباط عربي معاد للاستعمار والصهيونية وهي الخطوة الوطنية الديمقراطية التي تعد خطوة نحو الاشتراكية ومن الاشتراكية الي الشيوعية أما أن نقول اننا تحولنا الي الشيوعية مباشرة فهذا بعيد.
رفضت الوحدة مع سوريا
# في 18 فبراير 1920 كان ميلادك وفي 18 من فبراير 1958 كان إعلان الجمهورية العربية المتحدة شكر القوتلي وعبد الناصر لماذا ناهضت فكرة الوحدة مع سوريا؟
– هذه إحدي المرات التي اختلفت فيها مع ناصر لأنه ألغي اسم مصر وسوريا وجمعهما في الجمهورية العربية المتحدة لماذا ناهضت فكرة الوحدة مع سوريا؟
– هذه إحدي المرات التي اختلفت فيها مع ناصر لأنه ألغي اسم مصر وسوريا وجمعهما في الجمهورية العربية المتحدة وبهذا ألغي خصوصية كل دولة من الدولتين وكتبت مقالة سرية أنا ود. عبد العظيم أنيس نندد بذلك؟
# هل كنت ضد الوحدة؟
– بالعكس لكني أري ان لكل بلد سمات خاصة به يجب ان تحترم فالاختلاف لا يتناقض مع الحرية والحرية لا تتناقض مع الوحدة.
# يقول البعض ان الشيوعيين بحاجة الي طبيب نفسي ذلك لأنهم بعد ان سجنهم عبد الناصر خرجوا يسبحون بحمده ويدافعون عنه في حين أنهم يكرهون السادات الذي كان أقل وطأة معهم ما قولك في هذا؟
– لا أرجو الا تفسري التاريخ تفسيراً نفسياً فالقضية هنا قضية اجتماعية سياسية قومية فعبد الناصر في مرحلته الأخيرة وقف وقفة كاملة ضد إسرائيل والاستعمار الأمريكي والنظام الراسمالي العالمي من أجل خطة تنمية معادية للنظام الرأسمالي والمشروعات التخطيطية وتغيير البنية الجماعية وتحويلها كلها للقطاع العام وهذا كان قريباً من فكرنا اليساري ومرتبطا به بالطبع هو لم يستطع تحقيق أفكارنا جملة واحدة لكنه كان يمضي في طريق أحلامنا وبالتالي هو ما يمثله في مرحلته الأخيرة والتي ارتبطت به فيها وكنا نجهز لتغيير أكثر شمولية لولا وفاته ، تغييراً يعبر عن الفكر الاشتراكي في التطبيق في هذه المرحلة فالتطبيق الشامل ليس مطلقاً ولكنه اقترب من ذلك بموافقته بالإلتقاء مع الشيوعيين والارتباط بهم وهذا دليل علي التقائي به في هذه المرحلة.
ناصر والتغيير الاجتماعي
# أنا لا أسميه التقاء في الرأي بقدر ما أراه مرونة من كليكما لتحقيق مصالح مشتركة هل أنا مخطئة في هذا التصور؟
– لقد كان في مرحلته الأولي محاطاً بكثيرين أبعدوه عن حقائق الأمور وعن الرؤية الموضوعية للتغيير الاجتماعي لكن خبراته أوضحت له التناقضات التي كانت بينه وبين الآخرين فكلما اتخذ إجراء يكونون ضده او العكس وأري انه استطاع ان يكتشف الحقائق بشكل أوضح بعدما تخلص من عبد الحكيم عامر ومجموعته.
# أنت تحدثت عن النقلة التي كان ينوي ناصر أن يفعلها في بنية مصر؟
– لقد اتصل بي ناصر وحاولت معه بناء كادر كبير لعمل نقلة شديدة التغيير في بنية مصر واقترحت عليه ان يرسل بعضها الي فرنسا وانجلترا والاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الاخري وأرسلنا دفعة أولي بالفعل لكن القدر لم يمهله ليكمل هذا المشروع العظيم ومات.
# هل تتذكر حينما علمت بموت عبد الناصر ودخلت علي طبيبه فقال لك قتلوا الرجل يامحمود قتلوه؟
– نعم كان ذلك نقيب الأطباء السابق حمدي السيد وقد كنت وهو وصديق سوري آخر أقرب الأصدقاء لناصر وحينما علمت بموته ذهبت لحمدي في المستشفي فقال لي قتلوه يا محمود وقررنا ثلاثتنا ان نكتب ذلك في الصحف لكن وزير الداخلية حينئذ أمرنا ان نوقف هذا النشر.
# وهل كنتم تشكون فيمن قتله؟
– أعتقد ان هذا القتل ليس قتلاً بالمعني الصريح ولكنه إهمال.
# ولكنك وصفت السادات بأنه ضابط فاشستي ما سبب هذه التسمية؟
– لأني أعرفه قبل الثورة فقد كان رجعياً فاشياً كان يعمل في السرايا وقد جاء به ناصر ليصبح لديه عنصراً من السرايا وقد جاء به ناصر ليصبح لديه عنصر من السرايا فقط وكنت أري انه ضد الثورة منذ بدايتها وقبل موت ناصر وأتذكر بعدما مات ناصر وعينوه رئيساً ودخل الحزب يقبل صورة ناصر ثم أخذ يضرب رجال ناصر واحداً فآخر ثم فعل جريمته الكبري فقد كانت علاقته (مع أو ضد) ناصر لتحقيق مصلحته الذاتية فقط وليس فلسفته.
# كيف؟
– لقد كان يريد ان يكون قوياً.
# وما الصورة التي تجعله قوياً؟
– أن يذهب لاسرائيل
# نحن كنا منتصرين؟
– بالعكس كان هذا انتصاراً ظاهرياً وكان يجب عليه ان يتسلح بالانتصار الداخلي.
# ربما كانت خطوة منه لأن تعترف اسرائيل بنا؟
– نحن لم نكن بحاجة لان تعترف بنا اسرائيل لقد كان وجودها مفروضاً علينا فكيف نريدها ان تعترف بنا هذا خطأ فادح.
# إذاً كيف بدأت علاقتك بالسادات؟
– بدأت بالمعارضة حيث أراد ان يوقف حرب الاستنزاف وقد عرض رأيه هذا في اجتماع للاتحاد القومي وذلك بحجة حماية الجبهة الداخلية كالسد العالي وغيرها والتي يمكن ان تضار وكنت الوحيد الذي رفع إصبعه معترضاً علي وقف حرب الاستنزاف وأكدت له أننا نستطيع ان نحارب ونحمي الجبهة الداخلية لكنه قال : هذه خطة لا تفمها ياعم محمود.
# هل كنت الوحيد الذي عارض هذا المشروع؟
– نعم وكان هذا أول وآخر اجتماع لي معه.
# ماذا حدث هل سجن الشيوعيين؟
– لا سجن رجال ناصر.
# وهل أنت من رجال ناصر؟
– هو اعتبرني كذلك لارتباطي به أواخر عهده.
# حدثنا عن محاكمتك أثناء عهد ناصر فكيف كانت أيام السادات؟
– أخذونا الي سجن القلعة وقال لي المحقق : يا أستاذ محمود أنت متهم بالخيانة العظمي.
# بم رددت عليه؟
– قلت له اسمح لي إنني أتهم محمد أنور السادات بالخيانة العظمي وقلت له لن أوقع علي اتهاماتك حتي توقع لي علي اتهامي هذا فحبسوني في زنزانة انفرادية لمدة شهر ونصف الشهر.
# هل كتبت ديوانك الشعري قراءة لجدران زنزانة الذي نشر في دار نشر عراقية في هذه الأيام؟
– نعم كتبت الديوان علي جدران الزنزانة وخرجت بعدها فلم يقدموني للمحاكمة برغم اتهامي السافر للسادات بالخيانة العظمي لكنهم قدموا الزملاء المنتمين لناصر وأطرف شيء أنني طلبت للشهادة عن المتحدث الرسمي للحزب بالجيزة فبدلاً من ان أدافع عنه دافعت عن كل رجالات ناصر الذين كانوا قد أدخلوهم السجن بدعوي قضاء مدة وجيزة.
# وبعدها هربت الي فرنسا؟
– لم أهرب بل جاءتني دعوة من انجلترا وعملت في جامعة اكسفورد بعض الوقت ثم جاءتني دعوة صديقي جاك بيرك الجزائري فذهبت الي فرنسا وكان السادات في ذلك الوقت ماضياً قدماً في طريق الاعتراف بإسرائيل فقمت بضجة ضده.
أسوأ من كامب ديفيد.
# اذاً ما رأيك في كامب ديفيد بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً الآن؟
– الآن أصبحنا نحيا عصراً أفظع من عصر كامب ديفيد بكثير فقد كانت البداية الاعتراف بإسرائيل ثم الدخول في المخطط الأمريكي الصهيوني في المنطقة والتناقضات والجرائم التي تتم بين الدول العربية بعضها البعض في مواجهة الاستعمار الأمريكي والصهيوني وكانت نقطة البداية التي حققها السادات وهي الاعتراف بإسرائيل فعندما اعترف بها فتح لها الباب في مصر والبلاد العربية فلسطين ، لبنان ، وسوريا والعراق الان لقد استولت علي جزء من فلسطين وحولته لدولة اسرائيلية تطالبنا ان نعترف بها، اسرائيل هي العدو الحقيقي للعرب فإسرائيل ليست اليهود انها تحاول إبعاد مصر عن علاقاتها بالعالم العربي كالسيطرة الرأسمالية العالمية علي مصر وتفكيك القطاع العام وكل المخطط الذي أتمه عبد الناصر إننا نعيش الآن أسوأ مرحلة من مراحل حياتنا فقد تحولت مصر من دولة مستقلة الي دولة تابعة للاستعمار الامريكي الصهيوني في المنطقة اننا الظهير الثاني لإسرائيل وأمريكا في المنطقة ضد البلاد العربية فسقوط مصر في هذه الخية الصهيونية هو الذي أدي الي سقوط العالم العربي الذي أصبح ممزقاً.
# تري هل الأوضاع التي تعيشها مصر من وجهة نظرك تحتاج لقيام حزب شيوعي سواء كان سرياً أوعلنياً؟
– الحزب الشيوعي موجود ومصر لا تخلو منه لكنه ضعيف لانه مقيد لكن هناك ما هو قريب من الحزب الشيوعي وهو حزب التجمع الذي يحوي الاتجاه العام للحزب الشيوعي في أفكاره وهناك حركة شيوعية وهي اليساريون الاشتراكيون فالفكر الاشتراكي موجود لكنه ليس موجوداً والحزب الشيوعي موجود بشكل سري وله مكتب علنا وبدون ذكر أسماء فالحركة الشيوعية موجودة ودورها ملموس.
اليسار والاضرابات
# هل تري أن لها دوراً في الاضرابات العمالية الأخيرة كما أشارت بعض الصحف المصرية منها؟
– نعم حركات العمال الأخيرة كان زملاء اليسار هم قادتها وذلك برغم عدم وجود وحدة كاملة بين الشيوعيين إلا أن هناك عملا وتواجدا متقاربا.
# هل تري أن نجاح التجربة الشيوعية في بعض البلدان يمكن أن يحققها في مصر؟
– أخطر ما في الأمر أن نقر بوجود شيوعية مطلقة فلا توجد ماركسية بمعناها إنما كفكرة في التطبيق تختلف في مصر عن غيرها فالتجربة السيئة للاتحاد السوفيتي انه كان يريد إثبات ان تجربته هي الأعظم وهي التي يجب أن تطبق.
# لكن تجربة الصين ماتزال ناجحة؟
– الصين فيها عدد كبير من المسلمين المتدينين وليس كل سكانها شيوعيين فالشيوعية تجربة مرنة تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال فتفكك الاتحاد السوفيتي أضر كثيراً بالشيوعية لكن توجد الآن اتجاهات يسارية في انجلترا ، فرنسا ، الصين ، كوريا الشمالية في صراع ضد الصين بالاضافة الي الحركات الوطنية التي تتنامي في العالم كله.
# لكن هل تعتقد ان مجرد دعوة فردية للإضراب علي موقع اليكتروني مثل الفيس بوك يستطيع ان يقيم حركة شعبية؟
– لا ليست كافية فالمهم حركة الشارع فالانترنت يقدم توعية للشارع في كيفية تبني هذا الفعل الذي تهتم ترجمته تبعاً لاحتياجات الواقع وليس بالشعارات العامة التي لا يمكنها بناء ماركسية فالمادية الجدلية معناها انها مادية اي ترتبط بالموقع وجدلية أي ترتبط بالأحوال المحيطة بها.
# لكن قوي اليسار الموجودة الآن أصبحت تتخذ أوضاعاً مهادنة.
# مثل من؟
– د. رفعت السعيد مثلاً.
# إنه ليس شيوعيا
– لكنه اليسار العلني الآن.
– لي وجهة نظر في ذلك؟
# لكنه الآن أصبح في حضن الحكومة؟
– لقد عينوه في الشوري ليثبتوا أنهم ديمقراطيون لكنه في تعبيره عن نفسه وعن موقفه يعبر عن الدجل التقدمي.
– # ماقولك في الصفقة الأخيرة التي قيل بأنه عقدها مع الحزب الحاكم بخصوص انتخابات المحليات؟
– هذه جزئيات لا أود التحدث فيها وما أود توضيحه أن الحركة الشيوعية في مصر أصبحت متعددة القيادات الآن وهذا ما يضعفها ولكنه في نفس الوقت يمثل مصدراً من مصادر قوتها إذ أنها متعددة المناطق ينقصها الوحدة وإن كان بينها وبين بعضها تقارب ما فالقضية القائمة انه لا يوجد توحيد شامل لكل قوي اليسار لكن العمل هو الذي يوحدهم والتوحيد العملي يوحدهم فكراً ولا شك في ذلك.
كنت صديقاً لعرفات؟
– كنت صديقاً لعرفات المتهم في زمنه بالتهادن.
# هل الأوضاع الآن في فلسطين تثبت صحة أو خطأ رؤيته وهل تعتقد أن موته كان طبيعياً؟
– عرفات كان مناضلاً ووطنياً تقدمياً وأعتقد انه قتل بالفعل ليستبعد من الجهاد.
# ولكن من تعتقد يقف وراء قتله؟
– لا أدري فهذا اعتقادي الشخصي وبعدما مات تفككت القضية وصارت الي الانقسام الذي نراه بالرغم من اختلافي معه في بعض الأمور إلا انه كان أقرب للاتجاه الوطني الديمقراطي العام منه للاتجاه التقدمي الحاد وهذا طبيعي لو ان الشيوعيين استولوا علي السلطة فلن يقيموا اشتراكية أبداً بل سيقيمون تحرراً وطنياً شاملاً.
# إذاً ما رأيك في الصراع الحاصل بين فتح وحماس الآن؟
– ما يحدث خطأ كبير ورغم اختلافي مع حماس في اتجاهها الديني المتطرف الا ان اختلافي مع فتح أكبر لأنها أقرب في الارتباط بالمشروع الامريكي وفتح وحماس عليهما أن يلتقيا معاً عبر سياسة عروبية معادية للاستعمار والصهيونية هذا عن مستقبل الصراع الحالي أما ما يحدث من احتفاء لإسرائيل من جانب العرب فهو ما يؤدي بنا للجنون.
# لماذا تعترض علي الجامعة العربية؟
– أنا لا أعترض عليها لأنني أدعو الي جامعة الشعوب العربية وليست الجامعة العربية وأتمني أن تتحقق
# تقصد ان يكون أعضاؤها الشعب وليس الحكام؟
– أعضاؤها جميع الأحزاب علي اختلافاتها الايديولوجية، الشيوعية والديمقراطية والوطنية وتمثل الشعوب وليس الدول فنحن بحاجة الي جامعة للشعوب العربية لانه ليس هنالك تكافؤ وتجانس بين الدول العربية وما نلحظه من تكافؤ ليس سوي تكافؤ نظري اننا في حاجة الي تكافؤ مشترك تكون فيه جبهة جامعة الشعوب العربية مع امكانية ان يكون هناك اختلاف في الخطط بما يتوافق مع خصوصية كل بلد عربي لأن لكل دولة لها ما هو مشترك وما هو خاص..
# كان لك صديق يهودي اسمه شحاتة هارون عاش في مصر.. حضرت جنازته.. هل فعلاً أوصي شحاتة ألا يتبع السفير الإسرائيلي جنازته؟
– كان شحاته صديقاً عزيزاً كان مصرياً حميماً وفناناً ومثقفاً كبيراً حافظاً للتراث العربي الاسلامي كله وكان ابناً حقيقياً لمصر وعضوا في الحزب الشيوعي لقد سجن معنا وتعذب ورفض أن يترك مصر وله كتابات قيمة ومؤلفات، قابلته في فرنسا وكانت يهوديته تتيح له التعامل مع فئات عديدة من الناس لقد كان نموذجاً للمصري الأصيل بغض النظر عن ديانته وقد أوصي بالفعل بعدم اتباع السفير الاسرائيلي جنازته لرفضه ممارسات إسرائيل في الدول العربية.
موسوعة المسيري مجرد رؤية
# لماذا اتهمت د. عبد الوهاب المسيري أن موسوعته الموسوعة اليهودية فكرها إسلامي ديني وأسلوبها أصولي.. وجهت له اللوم لأنه أبدي رأيه فيها وكان من المفترض أن يكون حيادياً؟
– أحسست بالفعل أن أسلوب المسيري أقرب الي الرؤية الدينية منها الي الموضوعية مع احترامي له كمناضل يحمل وجهة نظر إلا أن المسألة حينما تتعلق بالخط العملي فإن الفكر يجب ان يتحول الي عمل حتي لا يصبح فكراً معلقاً وقد اختلفت معه في التطبيق وموسوعته أقرب الي الفكر منها الي معرفة الواقع وحقائق تفاسير الواقع فلكي نحرك الواقع يجب أن نعلم قوانينه.
# وماذا عن صديقك الفيلسوف د. عبد الرحمن بدوي؟
– انه عدوي ايضاً..
# كيف استمرت علاقتكما بالرغم من اختلافكما معاً؟
– لقد عرفت بدوي وأنا أتطور في حياتي من مسلم جداً الي رومانطيقي جداً الي وجودي الي شيوعي فعلاقتي به بدأت وأنا في المرحلة الثانوية وكان سبباً في التحاقي بقسم الفلسفة علي غير رغبة أخي الذي كان يصر علي التحاقي بقسم اللغة العربية لكنني أصررت علي الفلسفة من أجل عبدالرحمن بدوي بالرغم من أنه كان يرفضني في هذه الفترة لأنني وجودي وبعيد عن منهجه علاوة علي اختلاف وجهة نظري الخاصة عنه في كثير من القضايا، ومن ثم لم يكن ارتباطي به كاملاً لكنني كنت أحبه واحترمه.
# كانت وجهة نظره ان يكون الفيلسوف مثالياً متعالياً كان يؤمن أكثر أليس كذلك؟
– نعم اضف الي هذا أنه كان حاداً في تعاملاته مع الآخرين الي حد كبير لكنه في أيامه الأخيرة حينما زرته وزوجتي في فرنسا أثناء مرضه عادت بيننا العلاقة الحميمة وحينما عاد لمصر في مرضه الأخير دارت بيني وبينه وصديق ثالث محاورة تلفزيونية من أبدع ما يكون وأنا الذي دافعت عن تراثه القديم وفسرته تفسيراً كاملاً ولم يناقضني بل اتفق معي.
# فيم كانت اختلافاتكما؟
– كانت في التفصيلات الصغيرة.. اما في الاتجاه العام فقد كان يدعو للتقدم الاجتماعي والوحدة العربية لكن الجانب الروحي لديه كان أقوي من الجانب الموضوعي.
# لكنك اعترضت عليه حينما ترك مصر الي فرنسا بعد أن أمم عبد الناصر ممتلكات أسرته وكان حينئذ رافضاً للتجربة الناصرية؟
– هو رفض التجربة الناصرية وأنا ايضاً كنت ضد التجربة الناصرية في بدايتها وتحولت في مراحلها الأخيرة لكن ما يعيب بدوي ان العنصر الرومانتيكي او المثالي كان يغلب عليه فهو مفكر وجودي لكنه في أواخر أيامه بدأ يرفض الأمر الواقع.
# لكن مع الجانب الآخر تتجلي علاقتك الأقرب والأشد حميمية بلويس عوض بم تفسر ذلك؟
– كنت انتمي أكثر للويس عوض لأننا فصلنا معاً من الجامعة.. لكنه لم يكن شيوعياً تماماً فاتجاهه كان قريباً من الفكر الاشتراكي.
# ما رأيك في المذكرات التي كتبها؟
– هي أقرب الي الجانب المثالي لكن بداخلها تجربة عظيمة.
# ما رأيك فيما يراه ومعه د. شريف حتاته ان الانسان حينما يكتب مذكراته يجب ان يقول كل شيء.. فنري لويس يقول إن أخاه كان يغار منه وأخته مجنونة في حين أن موسي صبري أفشي أسراراً كادت تودي بعائلته بدعوي الحقيقة والصراحة.
– هذه ليست كتابة او صراحة إنما نوع من الثرثرة فكتابة المذكرات ان تقول كل ما هو جوهري لأن الذكريات تحمل الجيد والغث وكثير منها صغائر الأمور.
ضرب الإبل
# لماذا اخترت عبارة اصطياد الانسان لتكون عنواناً لمذكراتك؟
– حينما زجوا بنا في سجن بالاسكندرية كنا ثلاثة د. فؤاد مرسي وأنا.. ضربونا ضرب الإبل ثم ادخلونا واحدا تلو الآخر بطريقة تدخل الرعب في النفوس وحينما دخلت وجدت فؤاد واقفاً بحقيبته وأمامه أحد الضباط علي حصانه يضربه والآخر معه كلب يهجم عليه فتساءلت لماذا كل هذا؟ أخذنا نجري فوجدنا أنفسنا علي رمال ثم ظهرت أرض خضراء.. ثم اختفي فؤاد وجاءني أحد الضباط وسألني عن اسمي وقبل أن أجيب ضربني ثم سألني عن سجني وقبل أن أجيب ضربني وقلبوني حتي صارت رأسي لأسفل ولم يكن خوفي إلا من اكتشافه للقلم الحديد الذي كنت أخبئه خلف أذني والذي كتبت به ديوان علي جدران زنزانتي الانفرادية.. ثم ادخلوا فؤاد عرياناً أمامي ثم ألبسوه ملابس بهلوانية مضحكة ثم ادخلوه بابا ثم فعلوا معي ذلك وفتحوا بابا قذفونا منه فوجدتني في حوش كبير وحولي 3 ضباط يتناوبون علي ضربي حتي جريت وأنا أضرب حتي انفتح أحد الأبواب وكنت منبطحاً علي الارض. فوجدت اثنين شكلهما غريب يضحكان عليّ فإذا بهما صديقاي مرسي وسألت ماذا يحدث لنا؟ فقيل ان هذه العملية تسمي في السجون ب اصطياد الانسان إذ يأتي الرجل مكرما محترماً يرتدي بدلة اسمه محمود أمين العالم ليصطادوه ويضربوه كي يخضع لهم وكانت مهمتنا أن نواجه اصطياد الانسان.
# هل ستكتب كل شيء في مذكراتك مهما كان خاصاً؟ بمعني هل ستكتب الحقيقة ام ستتجمل كالكثيرين؟
– سأذكر كل ما هو جوهري.
# أهناك ما تخشي منه؟
– لا.. لكن لكل منا أشياء لا يود ذكرها وإذا عرفها أحد لا تفيد.. كما أنها لا تضر.
# أنت قلت ذات مرة إنك كنت ترتاد أماكن الدعارة والملاهي وتشرب الخمر.. فهل إذا عاد بك الزمان ستفعل نفس الأشياء؟
– فعلت هذا حينما كنت شاباً في المرحلة الثانوية وكانت أولي تجاربي الجنسية مع امرأة تكبرني كثيراً وأعتقدت حينها أن ذلك أفضل وأن متعتي ستكون أكبر وحينما اقتربت منها لم استشعر بأية ود أو رغبة.. فلم أكرر هذه التجربة.
علاقتي بالمرأة
# هل تقصد أن علاقتك بالمرأة بدأت وانتهت بزوجتك الراحلة السيدة سميرة؟
– لا.. فقد عشت قصة حب منذ طفولتي بيني وبين ابنة خالي الذي كان يعمل وكيلاً للمطبعة الأميرية وكانت تدرس الفرنسية في الجامعة وكانت رقيقة جداً في حين بدأت همومي السياسية والوطنية تتراكم عليّ فقل بيننا الحوار وأراد خالي أن يزوجها من رئيسه في العمل ووافقت هي و هذه كانت أول صدمة عاطفية في حياتي وظللت حزيناً لفترة طويلة لأنني كنت أحبها بصدق حتي كان زواجي الذي استمر حتي وفاة زوجتي في العام الماضي.
# كيف كانت علاقتك بأمك؟
– تيلي.. كان ترتيبي بين أخوتي ما قبل الأخير وكنت مهملاً تماماً لهذا كنت متمرداً وكانت أختي عائشة هي التي تهتم بأموري وهي كذلك الي الآن.
# وهرت ابنتك؟
– صديقتي.. وابنتها سلمي التي تعمل في السينما صديقتي هي الأخري.
# ماذا ورثت شهرت من أبيها؟
– الشيوعية لكنها تحررت قليلاً منها.. فقد سجنت هي الأخري.. وأحبت الثقافة.. فلديها 12 كتاباً مترجماً.
جائزة صنع الله إبراهيم
# وزير الثقافة فاروق حسني قال حين رفض صنع الله جائزته الأخيرة : الشيوعيون أوقعوني في مأزق فكيف تعطي لصنع الله الجائزة وتكون أول من يصفق حين يرفضها؟
– كنت رئيساً للجنة التي منحت صنع الله الجائزة وحينما بدأ الحفل كان الوزير يجلس بجانبي وحينما صعد صنع الله لإلقاء كلمته شكر الجميع ثم أردف لكنني أرفض هذه الجائزة وكنت أول من يصفق له.. فنظر فاروق حسني الي فقلت له مباشرة: أنا اعطيته الجائزة لقيمة إبداعه لكنني أعطيه جائزة أخري لاتخاذه هذا الموقف.
# ما رد فعل الوزير بعد كلامك هذا؟
– كان مهذباً معي.
# أم أبعدك من رئاسة لجنة الفلسفة من المجلس الأعلي للثقافة؟
– لا أدري من السبب..
# هل قدمت استقالتك؟
–لا.. منذ سنوات حاولت الاستقالة فرفض د. جابر عصفور فعرضت عليه أن يأتي بمن يساعدني فكانت د. زينب الخضيري التي أصبحت وكيلة لي وحينما انتهت مدة رئاسة د. جابر وتولي علي أبو شادي لرئاسة المجلس طلب مني الذهاب للاسكندرية لاختيار الفائزين في إحدي الجوائز لكنني أعلم أن هناك ممانية في هذه الجوائز.
# ماذا تعني ب ممانية ؟
– يعني محاباة ومجاملات.. فهم يكونون علي اتفاق مسبق لمن سيحصل علي الجائزة وبذلك لا يكون لنا دور.. وأحزن لهذا التجاهل لآرائنا فنحن نختار شيئاً يأتي الفائز علي غير المتوقع تماماً.
# كيف اكتشفت أنهم أبعدوك من رئاسة لجنة الفلسفة؟
– حينما عينوا أستاذا آخر..
تقصد د. صلاح قنصوة؟
– نعم.
# هل أثر فيك هذا الاستبعاد؟
– لا فمشاغلي كثيرة.
# هل تري أن هناك خليفة لنجيب محفوظ؟
– أنا ضد فكرة الخلافة في أي شيء فلكل أديب ذاتية مختلفة وإذا كان له خليفة انتفت عظمته.
# أنت ترفض الخلافة علي إطلاقها بمعني أنك ترفض فكرة الخلفاء الراشدين؟
– لا.. فالخلفاء الراشدون دين وسلطة وفي هذا اختلاف تام عن فكرة الإبداع فهناك أدباء ليسوا أقل قيمة من نجيب محفوظ ربما يختلفون عنه وأحياناً أشعر أن رؤيتهم في بعض الموضوعات أعمق فنجيب محفوظ علي سبيل المثال اعترف بإسرائيل في الوقت الذي أنكرنا ذلك جميعاً وهذه نقطة سوداء في حياته.
# ومع هذا أنت كتبت كتاباً مهماً عن أدبه ويعد ثاني كتاب كتب عن محفوظ بعد كتاب سيد قطب؟
– نعم لأنني استخدمت في كتابتي النقدية عنه مذهبي في النقد وقد سبق كتابي عن محفوظ كتاب عن إبداع صنع الله ابراهيم وكنت أول من قدمه وتنبأت بمستقبله الأدبي.
# ما رأيك في مذكرات أنيس منصور عن العقاب؟
– أنيس منصور ليس كاتباً إنه إدعائي أكثر منه مثقفاً فليس له موقف محدد.
# كتابك النقدي المشترك مع د. عبد العظيم أنيس.. هل تتذكر تعليق النقاد عليه؟
– نعم قال العقاد حينها.. أنا لا أناقشهما وإنما أضبطهما أنهما شيوعيان.
# هل كان يمزح؟
– لا بل كان يقول ذلك بحدة شديدة.
# وكيف كان رد فعلك؟
– رددت عليه بمقالة أكثر حدة وشدة ونقدت كتاباته من أولها لآخرها فرد ثانية بمقولة ظريفة أغظتموني يا هؤلاء .
# وماذا عن طه حسين؟
– تناولنا كتابات طه حسين بالنقد أيضاً ورد علينا رداً قوياً وهاجمنا لكننا رددنا عليه رداً مفحماً وذهبت إليه أنا وعبد العظيم أنيس وفي النهاية قال أوافقكما في الحقيقة ولكن بدلاً من أن تقولا إن الأدب صياغة ومضمون قولا إنه صيغة ومضمون لكنني وجدت أن تعبيرنا كان أفضل فلم أغيره.
# موقفك المتشدد مع العقاد.. متي تراجعت عنه؟
– العقاد كان صديقاً لأخي شوقي الأزهري الجامح وكان كثيراً ما يزورنا وكان أخي شوقي يعرف ما بيني وبينه من مساجلات وذات مرة كان في زيارة منزلية لنا لمرض والدتي فطلب مني أخي ألا أذهب الي البيت والعقاد موجود خشية أن تشتعل بيننا المعركة ولكنه قابلني أواخر الخمسينيات حيث كنت أنظم مؤتمراً أدبياً كبيراً وكان معه طه حسين وأذكر أنني قابلته لأول مرة وجهاً لوجه.. وكان ينظر اليّ بإعجاب شديد.
كراسة الكتابة الخاصة
# وماذا عن كراستك التي تكتب فيها بيني وبين نفسي ؟
– هذه نواة اصطياد الإنسان.
# كنت تتمني في فترة من حياتك أن تري كل شيء أحمر لكنك عدت ووصفتها بالمراهقة الفكرية هل هو تراجع عن الشيوعيين؟
– لا.. ليس تراجعاً ولكن الأمور لم تكن بهذا الشكل العميق فقد كان اللون رمزاً لانتقاءاتي الفكرية وكنت أعتقد أن كل شيء سيكون في منتهاه حينما يكون لونه أحمر.
# كيف تري العولمة؟
– العولمة تعني أن كل الناس مثل بعضهم والأفكار كذلك لكنها تحتوي علي العمق العولمي وليست الفردية فشكسبير كتاباته معولمة رغم ذلك فلها خصوصيتها فالعولمة لا تعني أن الجميع طرف واحد بل تعني مخاطبة ما هو جوهري في الإنسان… وهناك شاعر أحبه جداً وأختلف معه فكرياً بشدة.
# تقصد ت. س. إليوت؟
– إنه شاعر عظيم أحفظ كثيراً من أشعاره المبدعة.
# ما رأيك في تعاطف الغرب مع بعض المثقفين المضطهدين أمثال نصر حامد أبوزيد وفرج فودة وسعد الدين ابراهيم وسلمان رشدي ما مدي تعاطفك أنت معهم؟ وما رأيك في هذا التعاطف هل تري أنهم يستقوون بالخارج؟
– هذا تعاطف واجب وليس استقواء، وأنا اتعاطف معهم ايضاً وأدافع عنهم وقد كتبت عن نصر حامد أبوزيد حينما أبعدوه وفرقوا بينه وبين زوجته فالاختلاف في الفكر والإبداع قيمة كبيرة علينا السعي إليها وألا سنصبح أنماطا ثابتة جامدة.
# هل تري أن الثقافة العربية تعاني من أزمة حرية؟
– نعم نعاني من قضية الحرية فالحرية معناها أن الشعب هو الذي يحكم والشعب لم يحكم أبداً إلا في فترة محدودة خاصة أواخر عهد فاروق التي أدت الي الثورة.
# اذاً.. كيف تري المشروع التنويري في الوطن العربي؟
– أراه متخلفاً جداً.. فهناك قوي تنويرية لكن ليس هناك مشروع عام هناك كتاب وكتابات ومواقف للرفض والقبول ولكنها لم تتحول بعد الي حركة تنويرية عميقة مغيرة للواقع.
# هل تري أن دور الجامعة كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني تقوم بدورها المنوط بها؟
– الجامعة الآن متخلفة وأسلوب الدراسة فيها أكثر تخلفاً فالمعلومات التي يتم تدريسها غير علمية فالجامعة الآن ليست كالجامعة منذ زمان.
# الشيوخ قديماً كانوا مصدراً للتنوير أمثال محمد عبده ورشيد رضا والطهطاوي ما رأيك في دعاوي التكفير والفتاوي العشوائية والتحليل والتحريم وتخلي هؤلاء الشيوخ عن دورهم الرائد؟
– الأزهر به شيوخ كبار لكنهم أحياناً يأتون بفتاوي شخصية؟
ليس هناك آخر واحد
# من الآخر بالنسبة لك؟
– لا يوجد آخر واحد.. فكل الناس آخر بالنسبة لي فأنا أؤمن بتعددية الرؤي والقيم والاختلاف من أجل التقدم والاضافة فلست وحدي الذي احتجب الجديد وأؤمن بالكلمة الجميلة و اختلافهم رحمة والرحمة هنا ليست معناها القديم ولكن بمعني عمق الجمال وتعدد صوره.
# هل هناك أسلحة يمكن أن يستخدمها المثقف؟ ذكية أو غبية؟
– إنها ليست أسئلة لكنها اختلاف الرؤي ومستوياتها لرؤية الأعمق والأبعد والأكثر إبداعاً والرؤية المحددة والجزئية وبالتالي هناك رؤي مختلفة ومع اختلاف الرؤي يجب أن يكون هناك تمايز فهناك قوي محركة وأخري جامدة رؤية آحادية وأخري شاملة من هنا نكتشف أن لدينا رؤية واحدة بداخلها تنوع وهذا خصوبة.
# هل توافق علي تعبير خيانة المثقف ؟
– إذا كان مثقفاً ورفيع المستوي ويقف ضد الحق.. فهو خائن وكثيرون خانوا.
# من الذي يمكن أن نطلق عليه أنه مثقف لكل عصور ؟
– هناك قيم مستمرة.. كطه حسين مثلاً أو موليير ربما نختلف معه لكنك تجدين قيمته في ذاتها إضافة جديدة فمحمد بن عبدالله قيمة كبيرة بغض النظر عن الكلام الديني الشكلي لكنه رجل حق أحب وتزوج وكان يحب الفكاهة كان رجلاً فكهاً متفتحاً لا يحب الانغلاق.
# كيف تري التاريخ العربي الإسلامي؟
– هناك وجوه للتاريخ العربي ذات إبداع رفيع في المشرق والمغرب العربي في عصور مختلفة خاصة العصر العباسي وابن رشد تلك القيمة الفلسفية ماتزال باقية وجامعة باريس قامت من خلال كتاباته ولم تقتصر فلسفته علي الدين الاسلامي بل هناك رشدية مسيحية ويهودية.
# أعلم أن لك رأياً في ابن خلدون.. أنت قلت عنه بالنص إنه لعبي.. كبير لكنه استطاع أن يضع يده علي حركة التاريخ ؟
– ابن خلدون هو أول من قدم التاريخ تقديماً علمياً حتي الآن.
# لكن ماذا تقصد بأنه لعبي؟
– أقصد أنه كان مشاكساً ومتعدد الاتجاهات.
# أليست هذه انتهازية؟
– ليس بالمعني المفهوم فهذه المشاكسات زادته خبرة ليصل للحقيقة فقد سجن واستبعد وماتت زوجته وقاسي كثيراً ورغم هذا التعدد والتباين في مواقفه فقد كان يقف عند رؤية معينة ومحددة للتاريخ فالتنوع في الخبرة هو الذي منحه الإحساس بالتاريخ ورغم هذا التنوع فقد استطاع ان يجد قانون هذه القضية فقد اكتشف قانون التاريخ وخبراته المتنوعة هي التي أعطته احساساً حقيقياً بالتاريخ المتنوع بتنوع الوقائع وليس بمعناه أحادي الاتجاه.
# هل تري أن ظاهرة الحوار موجودة؟
– موجودة ولكن ليس بشكل كامل فالحكومة تترك الإعلام المكتوب تشتمها كما تريد أما الإعلام المرئي فهو صوت الحكومة فلا وجود الآن لقطب عقلاني مسيطر علي الواقع فالموجود سيطرة لا عقلانية تتعدد توجهاتها أننا بحاجة الي رؤية الضرورة في الواقع وكيف نمسكها لنحقق المستقبل ليس بالجدعنة ولكن قانون الأشياء..
أين القضية العربية الآن؟
# هذا يجعلني أسألك: كيف تري جوهر القضية العربية الآن؟
– أين القضية العربية؟ إنها مفككة تماماً وضرب مصر أدي الي تفكيك الأمة العربية أنظري الي مؤتمر القمة الأخير في دمشق ألا ترين أنه فشل لغياب أهم أطرافه وبالتالي هناك تفكك عربي فأمريكا داخل العراق تفتته بعد أن كان رمزاً للنهضة العربية أيام الأمويين.
# لديك كتابات متنوعة في الأصولية الاسلامية والعدو الأيدلوجي البديل ونظرية الانعكاس دعني أتوقف عند مقصودك من نظرية الانعكاس.. هل هو انعكاس الواقع الزمني التاريخي الذي نشأ فيه الفن أم بمعني ماذا؟
– كل فكر هو انعكاس للواقع لكن هل هو انعكاس صحي أم مغرض أو موضوعي كيف تري الواقع وكيف ينعكس علينا؟
– ربما نأخذ جزءاً من الواقع لكننا لا نستطيع تعميمه فهو ليس بواقع او نأخذ جزءاً أكبر ونعممه وهنا يصبح التعميم حقيقياً والذي من شأنه يجعلنا نتجاوز هذا الواقع الي واقع أبعد ربما يكون انعكاساً موضوعياً لكنني أعتقد أنه لا يوجد واقع ثابت.
تعديلات سلطوية
# ما رأيك في التعديلات الدستورية الجديدة؟
– لا يوجد دستور أصلاً وما حدث تعديلات سلطوية فالدستور تعبر عن الشعب أما الذي يحدث فهو ليس إلا تمكين السلطة من السيطرة وبالتالي.. لا توجد ديمقراطية الآن.. سوي الديمقراطية النظرية والشكلية التي تسمح للمعارضين ان يعترضوا.. فقط.
# هل تري أن لدينا منهجاً خاصاً في النقد تحكمه أطر وقواعد مجددة أم المسألة مجرد انطباعات ووجهات نظر؟
– هناك بالفعل أشكال كثيرة من النقد فهناك نقد حرفي يهدف القراءة المباشرة تكرار لما هو موجود مدحاً او قدحاً.. وقراءات أخري تقف عند الشكل او المضمون وفي رأيي أن النقد الحقيقي هو إدراك ما في العمل الأدبي من اضافة إبداعية وهذا ما نفتقده.
# عبرت عن رؤية مستنيرة في قصيدة النثر بدا ذلك في رسالة نقدية وجهتها للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي هل مازلت عند رأيك في قصيدة النثر؟
– حجازي كان ضد قصيدة النثر وأنا دائماً مع الجديد فهو يري أن القصيدة يجب أن تلتزم بالشطرتين وغير ذلك من القوالب الشكلية وهذا اختلافي في مفاهيم الشعر فالشعر ليس مجرد كلام موزون ومقفي أو حتي الوزن المتكرر لكنه رؤية للعالم تضيف جديداً للرؤية السائدة.
# هل تري وجوب انعكاس التحرر المجتمعي الذي يجب أن يعيشه الأفراد علي الفن؟
– نعم هذا ما ينبغي أن يحدث تحرر الكتابة هو الذي سيجعل التحرر الموضوعي يأخذ شكلاً محدداً.
# ما رأيك في شعر حجازي؟
– ما يكتبه حجازي ليس شعراً إنه ليس بشاعر كبير ولي فيه رأي لا أود قوله.
# لديك أسباب لهذا التحفظ وأنت ناقد كبير؟
– ليس تحفظاً.. ولكن معركتي الآن ليست معه.
# مع من؟
– مع جابر عصفور.
# لماذا؟
– كتب في عيد ميلادي ال 86 ثلاث مقالات في الاولي يمجدني تمجيداً كاملاً في دوري وشخصيتي وأدبي وفني وفي الثانية كتب يقول بالحرف : محمود أمين العالم ناقد ولكنه للأسف خضع ونقل نقلاً حرفياً من الاتجاه الستاليني للنقد الأدبي .
# ولماذا لم ترد حتي الآن؟
– لأنني خجلت أن أرد لأن ردي كان سيأخذ شكلاً قاسياً جداً لأن النقد الأدبي في مصر ليس نقداً أدبياً بقدر ما هو تفسير للأدب فالنقد الأدبي الحقيقي هو كشف الجديد الذي يقدمه المبدع ليس الجديد كمعني ولكن كبنية.
# بالرغم من هذا أنت تحب جابر عصفور؟
– أحترمه رغم اختلافي معه.. وأنا عموماً أخجل من الحديث النقدي للآخرين.
# لكنك دخلت معارك ضارية مع طه حسين و العقاد من قبل وكسبت الجولة.
– هذا ما يحرضني علي الرد عليه.
شطرنجي صميم
# أنت شطرنجي صميم.. هل حبك لهذه اللعبة كامن في إيمانك بكل ما هو عقلي؟
– إنه جزء من التدريبات العقلية لذا فأنا عاشق للشطرنج ولدي كتب كثيرة فيه فرنسية وإنجليزية و روسية ولدي مختارات كما يطلق عليها THE GOOLDEN وكنت الي وقت قريب أذهب الي المقاهي لألعب مع روادها فيغلبونني وأغلبهم.
# الي من يبعث محمود أمين العالم برسالة حب؟
– لحسن نصر الله وبعثت له برسالة فعلية لموقفه المشرف ضد اسرائيل والإمبريالية.
# بعد محاولات اغتيال العديد من رموز الفكر العلماني والتقدمي ألم تخشي علي نفسك؟
– أتوقع اغتيالي في أي وقت حتي الآن وأتقبله.
# لمن توصي بمكتبتك الضخمة بعد عمر طويل؟
– أوصيت شهرت ابنتي أن تعطيها لمكتبة باب الخلق لأنني حينما كنت صغيراً كنت أذهب إليها لأقرأ.
# لماذا لا تدخل المسجد وتصلي علي أصحابك الموتي؟
– أيما كان رأيي في الصلاة فأنا احترم الطقوس الدينية ولا أقف ضدها وأحترم الدين وكما أن ماركس ليس ماركسياً فأنا أيضاً لست محمدياً.
# وأنت علي فراش المرض هل تخشي الموت؟
– لا.. إنني انتظره لكنني لا أريده أن يجيء..
# لماذا؟
– لأن عندي أشياء كثيرة لم أكملها بعد.