جنـات عـدن
ساطع نور الدين
كانت الابتسامة تعلو وجه عالم الفضاء المصري الأميركي الشهير فاروق الباز عندما قال قبل أيام إن منطقة الشرق الأوسط، لا سيما شبه الجزيرة العربية، ستتحول نتيجة ظاهرة الاحتباس الحراري وما ستجلبه من أمطار غزيرة، الى مساحة خضراء تغطيها الغابات وتغمرها الأنهار والبحيرات، وتكسو الثلوج معظم جبالها الجرداء، لتصبح مثلها مثل الطبيعة الراهنة لشمالي القارة الاوروبية التي تشكلت ظروفها المناخية على مدى ملايين السنين.
لا يمكن لأحد أن يجادل في تلك النظرية العلمية المعروفة، كما لا يمكن لأحد من سكان الشرق الأوسط أن يعترض على هذا التحول الطبيعي الذي سيعيد المنطقة الى سابق عهدها قبل ان ترتفع حرارتها تدريجياً وتجف أنهارها وتحرق غاباتها القديمة التي صارت مع مرور الزمن احد المكونات الجيولوجية للنفط والغاز في باطن الارض.. ولا يمكن لأحد أن يمانع إذا ما استغرق هذا التبدل في الأحوال المناخية والجغرافية للمنطقة الآلاف او ربما المئات من السنين، بدلاً من الملايين، نتيجة تلك الظاهرة التي يخشاها العالم كله اليوم ويعقد في كوبنهاغن مؤتمراً حاشداً لمكافحتها.
المؤتمر افتتح رسمياً أمس وسبقته دراسات ووثائق علمية تحذر من خطورة الظاهرة التي يمكن ان ترفع حرارة كوكب الأرض أكثر من ست درجات، ما يعني ذوبان جليد القطب الشمالي في مياه المحيط الأطلسي وإخلالاً بتوازن التيارين البارد والحار اللذين يعبرانه ويحددان تعاقب الفصول في النصف الغربي من الكرة الارضية، ويؤديان الى ارتفاع مستوى مياه المحيطات والبحار في مختلف انحاء العالم ويهددان سكان سواحلها، لا سيما في البلدان الفقيرة.
كما سبقت المؤتمر دراسات ووثائق علمية تؤكد ان الاحتباس الحراري ظاهرة طبيعية سبق للأرض ان تعرضت لها منذ القدم، والمبالغة في التحذير منها هي ذات اهداف سياسية لا اقتصادية، مثلها مثل الإنذارات التي صدرت في مطلع الثمانينيات من ثقب الأوزون الذي اكتشفه العلماء في حينه، وكاد يتحول الى كابوس مرعب للبشر جميعاً، إلى أن تمكنت الطبيعة نفسها، وبعض الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الدول الصناعية، من ترميم طبقة الأوزون التي عادت لتؤدي وظيفتها كالمعتاد منذ ملايين السنين، وتحمي الكرة الأرضية من لهيب الشمس وأشعتها.
لعل الإنذار الراهن الذي يفترض أن يصدر عن مؤتمر كوبنهاغن اكثر جدية، لأن الاحتباس الحراري اشد خطورة من ثقب الأوزون. لكنه شأن يخص بالدرجة الاولى الدول الواقعة في الجزء الشمالي من الكرة، أكثر ما يعني الدول الواقعة في الوسط او حتى في الجنوب التي تعتمد على التيارات المناخية المنتظمة الآتية من القطب الجنوبي الذي يبدو انه خارج البحث، او حتى لغزاً لم يستكشف الإنسان طبيعته ودوره ومكوناته التي ثبت مؤخراً أنها تشبه مكونات كواكب القمر والمريخ وغيرهما.
اذا صحت تلك النظرية، وتحولت خلال مئات السنين لا أكثر الى حقيقة، تكون ظاهرة الاحتباس الحراري التي تخيف الغربيين اليوم، هي بشارة الخير الاولى منذ قرون التي يتلقاها الشرق الاوسط من الغرب، ويترقب ان تبعث جنات عدن مجدداً في منطقة احرقتها الطبيعة..والحروب.
السفير