صفحات العالم

تدخل في غير محله

ساطع نور الدين
وقعت القمة العربية في سرت في مغالطتين عندما دعت الرئيس الاميركي باراك اوباما الى التمسك بـ»موقفه المبدئي والاساسي» الداعي الى وقف الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وعندما رفضت من جهة اخرى الحوار مع ايران قبل ان توقف تدخلها في العراق ولبنان وفلسطين… واساءت بذلك الى الموقف العربي الذي كان يمكن ان يدخل تلك المساومة الاميركية الاسرائيلية والتأثير في مجرياتها.
توصيف موقف الادارة الاميركية من الاستيطان انه مبدئي واساسي لا يجافي الحقيقة فقط، لكنه يعبّر عن جهل عميق في ما يدور بين واشنطن وتل ابيب هذه الايام، والذي باتت وقائعه وتفاصيله معلنة، وهو لا يمت بصلة الى المبادئ ولا حتى القيم، لكنه يعبر عن انتهازية سياسية صريحة يتناوب الاميركيون والاسرائيليون على ممارستها، وهي تصل الى حد تبادل الاتهامات الجوفاء بأن اوباما يريد فعلا اقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، او بأن نتنياهو يعرّض اميركا ومصالحها في العالمين العربي والاسلامي لمخاطر جمة… وفي الحالتين يصعب على أي عاقل ان يقدّم الدليل على أن الرئيس الاميركي بلغ هذا الحد من الشعور بالحاجة الى تسوية القضية الفلسطينية، او على ان رئيس الوزراء الاسرائيلي صار مناهضا للامبريالية الاميركية.
ولمن لم يلاحظ بعد، فان الخلاف الاميركي الاسرائيلي على الاستيطان يدور حول التوقيت ليس الا. هناك تعارض في الامزجة الشخصية بين اوباما وبين نتنياهو. لكنه لا يرقى الى مستوى الشعور الاميركي العام بالحاجة الى ضبط النفوذ اليهودي والاسرائيلي المفرط في اميركا على المستوى البعيد. لكن جوهر الخلاف الحالي كان ولا يزال يتركز على ايران التي لا تريد الادارة الاميركية القطيعة معها او الذهاب الى حرب ضدها، وهو ما يثير غضب الاسرائيليين لا سيما في ضوء التهديدات المتكررة على لسان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد بازالة دولة اسرائيل من الوجود.
وعلى الرغم من التطمينات الاميركية المتكررة لاسرائيل ومنظومات الاسلحة المتطورة التي حصل عليها الجيش الاسرائيلي، فان حكومة نتنياهو التي لا تزال تصر على انها غير مطمئنة الى مصير الدولة، تستغل الفرصة لابتزاز الاميركيين ومطالبتهم بالمزيد من التغطية العسكرية والمالية، ودفعهم الى ازالة ذلك الخطر الايراني المفترض… وابلاغهم بان عدم الاستجابة للمخاوف الاسرائيلية يضطرها الى تكثيف حملتها على واحدة من اهم المحرمات العربية والاسلامية، اي مدينة القدس المحتلة، التي تتعرض الان لواحدة من اوسع عمليات التهويد منذ احتلالها في العام 1967.
معادلة الابتزاز الاسرائيلية بسيطة جدا وواضحة جدا وهي تضع الاميركيين امام خيار من اثنين: اما الحرب على ايران او نسيان القدس والتسوية الفلسطينية الاسرائيلية. هناك فرصة متاحة لاسرائيل لكي تحقق بعض المكاسب الاضافية من الحرب الاميركية على العالمين العربي والاسلامي، قبل ان تنتهي المراجعة التي يجريها الاميركيون حاليا لهذه الحرب الى ما لا تحمد عقباه بالنسبة الى الاسرائيليين.
ليس من الصعب التكهن في الخيار الذي سيعتمده الاميركيون، والذي لن يكون مبدئيا ابدا. لكنه من الصعب فهم ذلك التدخل العربي الغريب في تلك المساومة الجارية حاليا بين واشنطن وتل ابيب حول ايران.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى