صفحات العالم

هذه المرة سنتعاطف مع أوباما

سعد محيو
اعتراف سريع:
شعرت بتعاطف كبير مع الرئيس الأمريكي أوباما، حين اطلعت على النص الكامل لخطابه في أوسلو .
لماذا التعاطف؟
لأن الخطاب بدا منذ بدايته وكأنه “يعتذر” عن كل ما يريد أن يقوله في نهايته . وهذه النزعة الاعتذارية شملت في الدرجة الأولى مسألة الحرب في التاريخ البشري قديماً وحديثاً .
أوباما كتب بنفسه، على ما قيل، جلّ هذا الخطاب الذي وقع في سبع صفحات . وهذا على الأرجح ما جعل الخطاب خطابين: واحد قَمين بأن يُلقيه المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ وبقية قباطنة السلام، والثاني جدير بجورج بوش ومعه فلاسفة الحرب، من هراقليطس الذي كان يعتبر الحرب “أبُ كل الأشياء”، إلى هيغل وفولتير وهوبس .
بصمات النزعة الغاندية الكينغية السلمية كانت مبعثرة في معظم متون الخطاب:
جئت إلى هنا (أوسلو) وأنا أحمل إدراكاً حاداً بأكلاف النزاع المسلّح، وبالأسئلة الصعبة حول العلاقة بين الحرب والسلام، وبجهودنا لإحلال واحد منهما مكان الآخر . كما جئت مدركاً ماقاله مارتن لوثر كينغ من أن العنف لايجلب أبداً السلام الدائم .
نعرف بالطبع أنه طيلة كل التاريخ، لم يتم احترام مفهوم “الحرب العادلة”، إذ إن قدرة البشر على تطوير وسائل جديدة لقتل بعضهم بعضاً أثبتت أنها بلا نهاية، مثلها مثل استثناء أولئك الذين يصلّون بشكل مختلف لله من مبدأ الرحمة .
صحيح أن شجاعة الجندي وتضحياته تنضح بالمجد، لكن الحرب نفسها ليست مجيدة أبداً . وبصمات النزعة البوشية – الهيراقليتسية كانت وفيرة هي الأخرى:
الحرب بدأت منذ أيام آدم . ويجب أن نعترف بالحقيقة المُرّة: لن نستطيع استئصال النزاعات العنيفة خلال حياتنا . سيكون هناك دوماً أمم تجد في استخدام القوة ليس ضرورة وحسب بل أيضاً تبريراً أخلاقياً .
بوصفي رئيساً لدولة، لا أستطيع أن أحذو حذو غاندي ولوثر كينغ وحدهما . إذ إني أواجه العالم كما هو، وليس في وسعي أن أقف مكتوف الأيدي فيما الشعب الأمريكي يواجه تهديدات .
أدوات الحرب لها دور بالفعل في حفظ السلام، وهذا كان واضحاً طيلة العقود الستة الماضية حين تعهدت أمريكا الأمن العالمي ومهرته بدماء مواطينها وقوة جيوشها .
كيف يمكن تفسير ازدواجية الحرب والسلام هذه في خطاب أوباما؟
التحليلات قد تكون وفيرة . لكن ليس هذا هو المهم هنا . ثمة ما هو أهم: العالم لم يكن ليسمع مثل هذه القصيدة الاعتذارية من الرئيس بوش الذي كانت كل خطبه تمجد الحرب، وتحضّ عليها، سواء ل”مكافحة الشر” باسم الخير الذي يجسّده هو ومحافظوه الجدد، أو لمهر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بالدم القاني .
في عهد بوش حرب الضرورة كانت هي نفسها حرب الاختيار . في عهد أوباما ثمة خجل على الأقل من إطلاق صفة الضرورة على حرب اختيار .
قد يقال هنا إن هذه التلاوين لاتعني شيئاً، طالما أن أوباما حاز على جائزة نوبل للسلام وهو يرسل 30 ألفاً من شبان أمريكا إلى جحيم حرب أفغانستان .
وهذا صحيح بالطبع . لكنه على الأقل فعل ذلك وهو يلعن الحرب ويتذكّر غاندي ولوثر كينغ وجون كينيدي . وفي هذا بعض العزاء، حتى ولو اقتصر هذا العزاء على بلسمة جروح الشعوب بحفنة كلمات في الهواء .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى