صفحات العالم

سخرية القمة

ساطع نور الدين
تسدل الستارة اليوم على مؤتمر كوبنهاغن الذي كان أشبه بسيرك مفتوح قدمت خلاله عروض مملة، لم تساهم في تبديد الانطباع بأن مشكلة المناخ مفتعلة الى حد ما وهي تندرج في قصص الخيال العلمي، أكثر مما تنبعث من حاجة فعلية الى الحد من ظاهرة ارتفاع حرارة الارض التي يقول نصف العلماء انها تهدد البشرية، فيما يرد نصفهم الآخر بالتأكيد أنها ظاهرة طبيعية تتكرر على الكوكب مع تعاقب القرون والازمان، وتغير ظروف حياة الانسان ومواقع سكنه وانتشاره.
في ذلك السيرك شارك الآلاف بين ملوك ورؤساء ووزراء ومراقبين وخبراء وإعلاميين، تصرفوا جميعا مثل مهرجين اغتنموا فرصة السفر الى كوبنهاغن، والاحتشاد في واحد من اكبر المؤتمرات الدولية، حتى ضاقت بهم فنادق العاصمة الدنماركية وشوارعها، وغصت بهم قاعات نقاش خلت الا من المدعين بأنهم يمثلون نخبة عالمية جديدة تعي حجم المشكلة المناخية الطارئة، وتعمل بكل ما أوتيت من قوة من اجل انقاذ الكرة الارضية كلها من الاحتراق بنار الانبعاثات الضارة…
كانت الايام العشرة الماضية على المؤتمر مجرد عبث، سبق ان شهدته معظم المؤتمرات الدولية العامة التي تنظمها الامم المتحدة، والتي يبدو انها عثرت من خلال المناخ على وظيفة جديدة وعلى فرصة لتمديد صلاحيتها وزيادة ميزانيتها، عندما أتاحت لهذا الجمع الشامل لمختلف الدول الاعضاء ان يلتقي في مكان واحد وتحت عنوان واحد… مع علمها المسبق، بناء لجميع التجارب الماضية، باستحالة التفاوض بين ممثلي نحو مئتي دولة، فكيف بالتوصل الى قرار ملزم للجميع، او حتى الى بيان يعبر عن نوايا الجميع.
ضاع جوهر المشكلة وسط الحشد الضخم، الذي استعاد الطقوس المعتمدة في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، ومعها الفرز التقليدي بين الاغنياء الذين يلوثون الكوكب ويهددون سكانه وبين الفقراء الذين يدفعون الثمن ويطالبون بالتعويض.. مع ان العكس هو الصحيح في ظاهرة الاحتباس الحراري التي تنذر بتغيير طبيعة القارات والمجتمعات والاقتصاديات الغنية بمخاطر تفوق ارتفاع مستوى البحر او حتى غرق بعض الدول – الجزر التي ظهرت على سطح الماء قبل قرون قليلة.
انحرف النقاش عن مساره الطبيعي في كوبنهاغن. وبدلا من التأسيس لثقافة بيئية جديدة ووعي بيئي مختلف على مستوى العالم كله، احتدمت الصراعات السياسية والاقتصادية بين المشاركين، ووقفت اميركا وحلفاؤها في وجه الصين وأنصارها من دول العالم الثالث التي كانت تعتبر ان المعركة المناخية هي تتمة طبيعية لمعاركها الطويلة والمستمرة منذ قرون مع الدول الامبريالية والاستعمارية ومع شركاتها المتعددة الجنسيات… بينما بقيت الدول العربية النفطية في قفص الاتهام بصفتها الملوث الاكبر للمجال الجوي، والمصدر الاهم للتعويضات المالية المطلوبة للبلدان الفقيرة!
وفي الشارع، خرج متظاهرون أعيتهم الحيلة في العثور على سبب للتظاهر والاشتباك مع الشرطة في بلدانهم، وفي الزعم أنهم ينتمون الى تلك النخبة القلقة على مصير الكوكب والمهتمة بإنقاذ سكانه من النار، وقدموا عروضا لا تختلف كثيرا عن تلك التي كانت تقدم داخل القاعات والغرف المغلقة، والتي جعلت من القمة اشبه بسخرية من اهم عناوين الثقافة والحضارة المعاصرة: البيئة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى