رأس السنة الجديدة نصفه قديم.!.
فاضل الخطيب
استخدمنا تعبير “رأس” للسنة الجديدة تحت تأثير العقل الباطن، والأرجح بسبب كثرة الرؤوس، والتي تشبه رأس “بابور” الكاز قديماً الذي كان يحتاج إلى “نَكْشة”. خصوصاً أن الرأس يُنجبُ رأساً، وأحياناً رؤوس مروّسة، والرأس المُنجَب يُنجِبُ رأساً جديداً واقفاً على الدور للرئاسة والترويس والإنجاب، وهكذا دواليك. –تعجبني كلمة دواليك، فهي تذكّر بدوالي العنب ورأس السنة الجديدة..
وبجدية رئيسية يمكننا القول أنه يعتبر 1 يناير/كانون الثاني بداية رسمية للعام الجديد –حتى الآن لم أقل أي شيء جديد-، اعتمدها البابا إيناس التاسع(1676 – 1689). ويرتبط هذا اليوم بـطقوس تأصلت في عادات شعوب كثيرة..
كان الرومانيون القدماء يعتبرون بداية العام في 1 مارس/آذار، وشعوب أخرى كانت تعتبر بداية السنة 25 ديسمبر حيث يبدأ النهار بالازدياد والليل بالنقصان وكان ذلك قبل ميلاد السيد المسيح. والشعوب الأصلية لبلاد مزوبوتاميا كانت تحتفل في 21 مارس/آذار كبداية للسنة الجديدة..
– وفي سوريا يُعتبر 16 نوفمبر بداية مباركة لتقويم جديد بعد الإصلاح المبارك على صلاح جديد. وفي الجماهيرية العربية الديمقراطية الليبية الشعبية الاشتراكية.. إلخ. العظمى، هو 1 من شهر الفاتح للشمس والقمر من قبل طويل الحكم والعمر ملك الـ”طز” المُبدِع معمر-..
يرتبط أشهَر تقويم شمسي بشكل عام وضمنه بداية السنة التي نحتفل فيها الآن، يرتبط باسم وعهد الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر والذي يعود له الفضل في إعادة النظر بالتقويم ذاك، وقد أعطى تعليماته لإصلاح الخلل في الروزنامة (عدم تطابق القياس الحسابي والفعلي لدوران الأرض حول الشمس) –من لا يؤمن باللف والدوران لا مشكلة عنده- وكان ذلك في عام 46 قبل الميلاد، وبقيت معتمدة رسمياً في أوربا حتى العصر الوسيط..
لكن تقويم يوليوس ورغم إصلاحه لم يكن دقيقاً وكافياً، وتراكمت أخطاء التقويم من جديد خلال مئات السنين حتى نهاية القرن السادس عشر حيث صارت نسبة الخطأ عشرة أيام متأخرة عن الزمن الفعلي، ومن أجل تجاوز ذلك أمر البابا غريغوري الثالث عشر(1572 – 1585) بإنشاء لجنة لدراسة المشكلة وتقديم الاقتراحات المناسبة، وفي عام 1582 أعلن البابا واستناداً لاقتراحات اللجنة عن إجراء الإصلاح الجديد للتقويم من خلال مرسوم خطي صدر في تاريخ 4 أكتوبر/تشرين الأول وجوهره أن اليوم التالي هو 15 أكتوبر/تشرين الأول وتم تعميمه في كل مكان، وبالفعل فقد قفزت الروزنامة عشرة أيام كاملة للأمام خلال لحظة واحدة، وهو ما عُرف ويُعرف باسم التقويم الغريغوري. آخر تصحيح علمي دقيق جداً كان العام الفائت حيث تمّ تقديم الساعة بمقدار ثانية واحدة. – ربما هي الفترة التي يسبقنا فيها العالم حسب ساعتنا الرملية بمقدار حبة رمل أو بَعرَة ناقة واحدة!..
-وما أشبه الأمس بأول أمس. فقط بابانا تغير مع كمشة بَعْر! المجد لرأس تقويمنا وروحنا ودمنا وعاهلنا الأصغر..
وكان يُعتبر الإله الروماني ” يان ” والمُسمىّ ذو الوجهين، من الآلهة الهامة جداً في ذلك الوقت، وهو حامي بوابة روما، ثم صار إله كل بداية ونهاية، ويرتبط اسمه بيوم عيد الحصاد 1 يوليو، وتكريماً له ولمكانته سمّوا الشهر الأول بـ”يانواريوس”، ورسموا صورته على شكل وجهين واحد للخلف وآخر للأمام..
–وعندنا أيضاً له وجه للأمام ووجه للإمام، ولا يرتبطان بأهل داوود وسليمان ولا يشبهان يزيد ابن معاوية ابن أبي سفيان. – صارت الجملة طويلة ولم يبقَ مكان للإشارة إلى لبنان وإيران ولا حتى إلى جهاد خدام!..
ويرتبط اليوم الأول للسنة الجديدة بتنبؤات المنجمين عن الطقس وعن تربية الحيوانات والخصب بشكل عام، وعن الحظ والأمراض والصحة، وكان تقليداً مُتّبعاً أن يخرج الأطفال والكبار في القرى ويقدموا أشعاراً وطقوساً تحمل معاني الشكر لكل بيت يزوروه..
ولكون الحياة الاقتصادية كانت تتعلق بشكل كبير بالأحوال الجوية، لذلك كان لقراءة طالع الطقس أهمية استثنائية، ويتعلق جمال الأعياد بطبيعة الجو وصفائه، فمثلاً إذا كان طقس اليوم الأول من السنة جميلاً ومشمساً كانوا يعتقدون أن السنة الجديدة ستكون سنة خير.. وتعلقت التنبؤات التي آمنوا فيها عن يوم رأس السنة بشكل استثنائي بنوعية ما يتناولونه من أغذية في هذا اليوم أيضاً، وكانوا يحضّرون أطعمة خاصة ومتميزة في هذا العيد المميز، وفي نفس الوقت كانوا يمتنعون عن تناول أطعمة أخرى. فمثلاً كانوا يبتعدون عن أكل لحوم الطيور لأنها بأظافرها تقوم بنكش الحظ وتبذيره، بينما كان الطعام المحضر من الحبوب مرغوباً ومفضلاً لأن حباته ترمز للنقود ولكون عددها كثيراً فهذا يعني أن الحظ سيكون كثيراً، لذا كان طعام ليلة رأس السنة لا يخلو من شوربة العدس وما شابه.. ولأنهم كانوا يعتقدون أن ما يحدث في هذا اليوم سيتكرر بشكل كبير خلال العام، لهذا كانوا يبتعدون عن الخلافات والمشاكل، وكانوا يتعاملون مع بعضهم بمحبة وطيبة كبيرة. كانوا يتعاملون ويعيشون بالأمل..
الأمل الذي كَتبَ عنه رائد الحرية فولتير بشيء من السخرية واصفاً إياه بأنه لا يضر نهائياً.. وقال عنه رمسيس الثاني “لا يموت الأمل أبداً، ربما ننساه فقط”.. والحقيقة أن الإنسان بلا أمل إنسان ميت، ولا أمل بلا إنسان..
أعتقد أن الذي يلتقي بتعبير “لا يوجد أمل” في أي مجال من مجالات الحياة، يلاحظ أنه لا يوجد أتعس من تلك الحالة وأكثر شقاءً من ذلك الإنسان..
تقول الإحصائيات، أنه في بداية العام الجديد سيكون عدد سكان العالم قرابة 6,2 مليار إنسان، وبزيادة تقدر بحوالي 82 مليون شخص عن السنة الماضية، ومن بين هذه المليارات يوجد 22 مليون إنسان سوري ذكر وأنثى. 22 مليون مرشح “مواطن” – لم يدخل في حسابات سكان العالم وسكان سوريا الأكراد الذين يسبحون في منطقة انعدام الوزن(الوطن)-. وعندنا في سوريا 87% من السكان أغنياء حسب دراسات وتصريحات رئيس دائرة التخطيط السورية قبل أسابيع قليلة – لم يفصّل سيادته بالأرقام كيف تصبح هذه النسبة عندما نأخذ بالحسبان أن للذكر مثل حظ الأنثيين-. وقد بعثت طلباً رسمياً أستفسر فيه عن ترتيبي “الغنائي”، ربما لا أعرف أنني من الأغنياء وغداً أرى صورتي بين صور أثرياء المنطقة، أو تقوم مصلحة الضرائب “تضربني” بدون علمي..
والبقية القليلة الفقيرة من الشعب السوري ستقدم صلاة “الاستشماس” في الداخل و”الاستجهاد” في الخارج، آملة أن يكون 1 كانون الثاني/يناير مشمساً نجمياً جهادياً، يحمل الخير والأمل لسكان القصر وللواقف على الدور القابض على الجمر.. الأمل بأن يتسلل الأمل الجديد مع نوره إلى المنطقة الحرة للمساومة في عدرا وصيدنايا وتدمر. ونقطة آخر السطر..
وأنا الآن مُستلقي على وسادة حريرية وأشاهد الرائي وقُبلات السبايا والحرائر، رغم خطورة التبويس والشمشمة بسبب انفلونزا أولاد الخنزير أو “الحلّوف” والقردة والماعز، وعلى الشبابيك سعال ابن وبنت آوى – وأتذكّر قبلات البيك والبابا الأكبر بعد انتحار كمال جنبلاط . والمستعجل على التبويس يمكن ما شايف حجم الصِفِر من عنجر؟!.
تربطني علاقة لا بأس بها مع عدد من أبناء الوطن واعتدت اللقاء مع بعضهم. وأجد بينهم من فقد الأمل بالتغيير نحو الأفضل، وهناك من يقوم بسحب وقتل هذا الأمل عند البعض الآخر، والأغرب أنه يوجد من يقنع نفسه بفقدان الأمل، وأنه لا يستطيع امتلاك الأمل.!. والكبير الذي قال “نحن محكومون بالأمل” ربما أراد أن يعبر عن شخص أو عائلة تحكمنا وصفها بأنها أملنا.!.
ما هو دور الإنسان في هذا العالم؟.
قد يكون الوصول إلى هناك، وهذه الـ “هناك” تختلف من شخصٍ لآخر. وهي الأمل من أجل الوصول للهدف، بأن نستحضر قوة كبيرة من ذاتنا، أن نستمع إلى الصوت الداخلي فينا، الموجود هناك في كل إنسان. أمورنا وقضايانا الخارجية مهما بدت ملفتة للنظر واستعراضية كبيرة، تبقى ذات قيمة ثانوية مقارنة بما هو موجود في داخل الفرد. أعتقد أن الذي يعيش بشكل جيد هو من يعطي الفرصة يومياً للقوى القابعة في داخله كي تتجدد، وعليها يستند. وما يسمعه الشخص من داخله يحدد تصرفاته وعلاقاته مع المقربين والغرباء على حد السواء. وقد يأتيك الرد على ذلك مثلاً إذا دعس أحدهم على رجلك وأنت في باصٍ مليء بالركاب، أو “معارض” تربى على قِيَم “مسيلمة الكذاب”، وبالصدفة شفط أتعابك وبدون أن تقول كلمة عتاب، كما لو كان واجب عليك دفع الحساب، كما وَجَبَ على الذين من قبلنا وزكّوا له من نفط الأعراب. لأجل سورية جديدة وزنوبيا بريئة كمشجب ثياب، لسورية الحرة الحريرية السعيدة السعودية كبزنس وثواب. ولم يتعلموا أنه “ما كل مرّة بتِسْلم الجرة من الكسر، ولا من العقاب”.!..
ولنا عودة لموضوع “محكومون بالأمل”! وربما أخطأ البعض بالعنوان في بودابست وبروكسل؟!.
ونتابع قريباً حلقات موثقة تعالج السؤال: “من شبّ على شيء شابَ عليه؟ ولو صبغ شَعره؟”…
بودابست، 27 / 12 / 2009. .
خاص – صفحات سورية –