لينا هويان الحسن: الشبق الأيروتيكي سبب لي مشاكل مع قبائل “سلطانات الرمل”
وسام كنعان
في حوران وحلب، والساحل السوري… كانت صورة القبب الطينة ، ورحلة الشمس نحو الأفق على إيقاع بدوي… لا تفارق مخيلة (لينا هويان الحسن) الطفلة التي لم يحالفها الحظ بسؤال تقليدي واحد حول ما تحب أن تصيره في المستقبل ، لذا خبئت طموحاتها بموازاة ترحال عائلتها من محافظة لأخرى، بحكم عمل والدها حتى صادفها ظرف مكنها من البوح.. فباحت: أحلم أن أصبح رسامة… والحلم مازال ينام عند ضفتي مخيلتها التي تنضح بشخصيات حقيقية، توثق لحياة شعب هم البدو… من معشوقة الشمس إلى بنات نعش إلى روايتها الأخيرة سلطانات الرمل وما تزال ذاكرة الروائية السورية الشابة تختزن الكثير والكثير من لحظات طفولتها، وأيام دراستها للفلسفة بجامعة دمشق.. أكثر تلك اللحظات حضوراً لحظات افتتاحها لمعارضها التي كانت تنظمها في الجامعة، هناك أرادت أن تميز اسمها عن اسم إحدى زميلاتها التي حملت نفس الاسم والكنية، فربطته باسم بدوي جميل هو اسم والدها العاشق هويان…
1- رواية (سلطانات الرمل ) هي خطوتك الثالثة على طريق كتابة النص الصحراوي بعد ( معشوقة الشمس,و بنات نعش ) وهي تتحدث عن المجتمع البدوي الواسع الذي لم يقدم الأدب أو الدراما صور واقعية عنه على أن يكون لها علاقة بالتوثيق الحقيقي, كيف تصفين تلقي القارئ لأعمالك؟
رواية ( بنات نعش ) طبعت ثلاث مرات إضافة إلى ذلك كل من قرأ ( بنات نعش ) قرأ ( سلطانات الرمل) والعكس صحيح, فعندما تقول( بدو) كأنك تقول ألف ليلة وليلة, كما أن عالم الصحراء عالم واسع جذب إليه الكثير من الأدباء والمبدعين السرياليين والوجوديين, أمثال رامبو ومارتين ونرفال , وحتى مصممي الأزياء استوحوا ألوانهم من الصحراء فمثلا ً (إيف سان لوران ) عاش طفولته بالجزائر, وطلب أن يدفن في المغرب, وأيضا ً هناك الشخصيات البدوية التاريخية , مثل عنترة وعبلة, وأبو زيد الهلالي, والزير سالم التي أحبها الناس لأنها تنتمي للصحراء .
2-في هذه الرواية تشعب, و تنوع, ومجموعة كبيرة من الشخصيات, ومن وجهة نظري هي ليست كأي رواية عادية نستطيع قراءتها في أوقات الفراغ ذلك لأنها بحاجة لقارئ صافي الذهن يستطيع أن يتواصل مع كل الشخصيات, فما رأيك ؟
أنا لا أكتب رواية لتكون عادية, وعندي من النرجسية ما يكفي لأن يكون القارئ متفرغ لقراءة روايتي, وللأسف القارئ العربي أعتاد على النصوص التي تعتمد على الخيال الآني, والمؤقت, والتي تقرأ في ساعة ونصف, كما أنني تحدثت عن عالم البدو الذي لا أريد مسخه من أجل تقليد أحد, فهناك كتاب روايات قصيرة, سرعان ما اختفوا, وبالمقابل هناك روايات تقرأ في نصف ساعة, وعدد صفحاتها لا يتجاوز السبعين وهي من أجمل الروايات مثل بعض روايات ( دايستوفسكي ,و بوشكين ) والتي لا تفارق ذهنك طوال العمر, فهي مكثفة يجب قرأتها بنفس واحد و ذهن صافي.
3-كونك إعلامية وروائية حتما ً تعرفين أنه ليس لدينا في سورية صناعة نجم, وبأن الجمهور يعزف عن القراءة شيئاً فشيء, فما هي الخطوات التي اتبعتها لتصبحين معروفة ومقروءة ؟
أرغب –مثل أي كاتب- أن تكون رواياتي مقروءة, و عملي في الصحافة جعلني معروفة, وبالنسبة للقارئ أنتقد من يتهمه بأنه أمي لا يقرأ, بل وأراهن على ذوقه, فعندما يشيع خبر بأن هناك عمل ملفت نرى الناس مقبلين على قراءته. وهذا ما يحدث مع روايتي “سلطانات الرمل” حالياً.
4-أنت تكتبين زاويا رأي في أكثر من جريدة، وموقع إلكتروني وهذا ربما يسبب لك عداوات بسبب الفهم الخاطئ في بعض الأحيان لوجهة نظرك, كما حصل في أحد المرات حيث كتب عنك أحدهم (رأي مسبق) قبل قراءته لروايتك, فكيف تتعاملين مع هذا الموضوع؟
سأستخدم ميزة (البدوي) الذي يملك من التعالي ما يكفي لأن يكتب ما يراه أنه الحق والصحيح, والذي لا يجامل الباطل, فعندما أتكلم عن الأدب النسوي الرديء اكتشفت أن هنالك أكثر من عشر كاتبات اعتقدن أنهن المعنيات, هذه مشكلتهم, وأنا لست معنية بأمراض الوسط الثقافي.
5-هل تفكرين بالسفر إلى مكان آخر لا توجد فيه عداوات الكار الواحد بالشكل الموجودة فيه بدمشق, علماً أن الأخيرة هيأت أجواء استثنائية للكثير من الكتاب الكبار.؟
كل مكان في العالم غدا مزحوما بالعداوات، وعداوة الكار عداوة قديمة ولا أعول بالمطلق على أن يتحول سكان وسطنا الثقافي إلى ملائكة, أمنياتي في المستقبل أن أعيش في مكان هادئ على شاطئ البحر, مع زوج رائع, وأن يكون لدي طفلين, وأتمنى أن أستطيع تربية قطة وكلب…. أما بالنسبة للوسط الثقافي في سورية, فسوف أتفقده من حين لآخر, لأطمئن على حاله, الذي لن يتغير أو يتطور أو قد أتفاجئ أنه انحدر لمزيد من السوء.
6 -معروف عنك كثرة اعتذارك عن حضور المؤتمرات الأدبية بالعموم ما مشكلتك مع هذه الأجواء؟
أنا انتقائية وحسب, ولا أعتذر عن كل المؤتمرات وأنا على يقين أن المؤتمرات لا تصنع كتاب, وروائيين, فأنا أحب الفردية (أحب أن آخذ غزالي وآكله على الشجرة دون مشاركة أحد ), كما يجب على الكاتب أن يكون صاحب مشروع حقيقي هذا الأمر لا تحققه المؤتمرات كونها تتيح فرصة للتعارف لا أكثر ولا أقل.
7-ظهرت قدرتك في سلطانات الرمل وغيرها على تصوير لحظات حميمة بين الرجل والمرأة, فما هي الآلية التي عملت عليها, لإيصال هذه التفاصيل,وهل هي تفاصيل مهمة في الرواية, خاصة أن هناك كتاب يعتمدون على هذه التفاصيل بكامل رواياتهم ؟
هذه اللحظات تأتي عفوية, وتلقائية, ومن حق الكاتب الاحتفاظ لنفسه كيف يكتب هذه التفاصيل, حتى لا يخرِّب على القارئ متعة القراءة, في “سلطانات الرمل” مُدحت (الأيروتيكية) الموجودة فيها, وهذا ما كنت أتمناه أن يشعر القارئ بشخصية من لحم ودم, وهذا الشق “الايروتيكي” سبب لي مشكلة مع العشائر المذكورة في الرواية: مثلا ً لم يعترض أهل الأمير أحمد أبو ريشة من عشيرة الموالي على سيرة الأمير, ولكن اعترضوا على مقطع صغير وهو الذي وصفتُ فيه الليلة الأولى للأمير مع ( حمرا الموت ) التي حارب من أجل الحصول عليها, ومع أني حاولت أقناعهم بوجهة نظري أصروا على موقفهم المعترض, كروائية لي الحق بأن أجعل بطلي حقيقي وله حضوره الصحيح بالطريقة التي أراها مناسبة، فهذا يشعرني بالسعادة.
8-نحن نسعى في الحياة لتحيق توازن معين مع الطرف الآخر، فكيف تحقق لينا توازنها مع الرجل وأين هو من خريطة حياتها؟
الرجل أجمل ما حدث في حياتي، بداية ً بأبي، ومرورا ً بأبناء عمومتي هؤلاء البدو الذين فتحوا عيني على نمط من الذكورة الواضحة، والتي علمتني الكثير، وانتهاءً بالرجال الذين عشقتهم…
9-هنالك عبارة تقول: (الإبداع يخلق في رحم المعاناة والفقر) فمثلا ً( جان جنبه) كان لقيطا ً، ووضعه الاجتماعي سيء، ولكنه كتب أجمل المسرحيات العالمية،أما أنت كما أعرف وضعك الاجتماعي والمادي مريح، فكيف يمكن للإبداع أن يخلق في كنف الأرستقراطية أو في ظروف تقاربها؟
من الممكن لو كنت من سكان العشوائيات لكتبت ما يشبه رواية (محمد شكري – الخبز الحافي) المليئة بالألم، ولكن الظرف الذي وجدت فيه سجل كنقطة إيجابية لي، إذ ساعدني ذلك لأبحث في الماضي، والتاريخ القريب والبعيد فكتبت (سلطانات الرمل وبنات نعش) ومن الممكن لو كنت بحالة عوز لانشغلت بعوزي، إذ أن الجائع يعمل ليسد رمقه.
10-ألا تشعرين أن هناك قضايا معاصرة تجذبك أو تستفزك للكتابة عنها، كونك صحفية وروائية، وأنت ابنة هذا العصر؟
أنا مؤمنة بهذا الكلام، وهناك مشاريع في ذاكرتي لم تنجز بعد، ولكن أعتبر نفسي الكاتبة الوحيدة في جيلها التي لم تخف من الالتفات إلى الماضي والكتابة عنه، أما الحاضر أصبح مبتذلا ً من كثرة ما كتب فيه من خواطر يروج لها أنها روايات؟
11-يصفون الدراما التلفزيونية بأنها (فن الثرثرة الجميلة) فهل تفكرين بتحويل إحدى رواياتك إلى عمل تلفزيوني؟
الدراما خلقت تحد بجودة العمل الروائي، فكاتب السيناريو ليس كالكاتب الروائي، وهناك روايات تحول بسهولة لأعمال درامية، لأنها مكتوبة أصلا ً بما يشبه الدراما، وأيضا ً هناك روايات مهمة حولت لأفلام سينمائية وفشلت كرواية ماركيز (الحب في زمن الكوليرا) فالعدسة لا تستطيع تصوير كل ما يتخيله القارئ بالرواية، و لا أقبل تحويل أي رواية لي في الوقت الحالي، وأن حدث فبشروط خاصة، وصعبة، ذلك لأني لا أريد أن أحط من قدر رواياتي.
12-هل تضعين إستراتيجية لعملك، أو أنك ابنة اللحظة وتنتظرين الإلهام؟
من الصعب القول أني ابنة اللحظة، أو أنني أنتظر الإلهام، ففي رأسي مكتبة أرشيفية هائلة أخزن فيها كل ما قرأت، وشاهدت، وعشت، وعندما أمسك بالقلم تحضر الذاكرة فورا ً إلى أوراقي، فروايتي الأخيرة استغرقت مني تسعة أشهر من الكتابة على الورق، ولكنها كانت لسنوات تتراكم في ذاكرتي .
13-استندت في أجزاء روايتك على كتابات المستشرقين والمؤرخين لكن ثمة شقاق يحصل بين المؤرخين غالباً فكيف لك أن تدققي في المعلومة التي ربما تتحول في يوم ما إلى وثيقة؟
معظم ما استندت إليه كان مجرد تقارير خاصة بالمستشرقين الذين كانوا بالأصل جواسيس لحكوماتهم، وهؤلاء لن يكذبوا على الحكومات. 14-ما رأيك بالدراما البدوية، والتي بات يبذخ عليها الكثير من الأموال لتظهر بهذا الشكل، وتستقطب المشاهد، وهل تخافين أن تقارن أعمالك الأدبية بالدراما التلفزيونية؟
أنا أعتقد أنها اعتمدت على أقلام غير محترفة، ومولعة بالفانتازيا، وأن المخرجين، والممثلين السوريين هم الذي أجادوا. على صعيد النصوص نحن نفتقد لكتاب ذوي اطلاع كافي، يكتبون وفي ذهنهم الشيك الذي سيقبضونه مجرد انتهائهم من كتابة السيناريو ، طبعا هذا الكلام لا يشمل كتاب مثل نهاد سيريس أو الراحل ممدوح عدوان في مسلسله الزير سالم، كذلك لدينا كتاب شباب وجدد محتمل جداً أن يطوروا في جودة درامانا.
15-هل هناك من زودك بمعلومات ساعدتك عند كتابة سلطانات الرمل وهل لديك مرجع بشكل عام؟
قمت بالاستعانة بأحد أقاربي الذي أعطاني معلومات عن ( الكلاب السلوقية، والصقور، والأسلحة) و في معرفة طباع أهل الصحراء، وطرق الصيد المتبعة.
16-هل تودين أن توجهي كلاماً ما للقارئ؟
الشيء الذي أريده هو أن أبقى على تواصل مع القراء، وأن أكسر( تابو) الأدب الرديء الخالي من المضمون، وأنا أعرف أن مهمتي صعبة، وهذا يعطيني مزيدا ًمن النشاط لأستمر بكتابة أعمال تعيد للقارئ الثقة بالرواية العربية.
عن موقع بوسطة