حوار مع الدكتور عبد الحكيم بشار*
أجرى الحوار : مكتب الإعلام : إعلان دمشق
في محاولة لفتح حوار جدي مع شخصيات وطنية سياسية لها تأثيرها الفاعل على الساحة السورية، كان لقاؤنا التالي مع الدكتور عبد الحكيم بشار، سعينا من خلاله للوصول إلى إجابة واضحة وصريحة لأسئلة قد لا تخلو من إشكالية، نستوضح من خلالها التغيرات الداخلية و الإقليمية و الهم والشراكة الوطنية في سبيل الوصول إلى التغيير الوطني الديمقراطي.
بداية نرحب بالدكتورعبد الحكيم، ونبدأ حوارنا بقراءة عميقة ومباشرة للتطورات الراهنة في المنطقة:
أفرزت التطورات السياسية الدولية والإقليمية أوضاعا مستجدة، تمثلت في التقارب الأوربي والأمريكي السوري، وبعد الزيارة الأخيرة للملك السعودي لدمشق ،و رغم ما يشوب تلك العلاقات من حذر وتكتيك إلا أنها أعطت طمأنينة واستقراراً حذراً للإدارة السياسية السورية
ــــ كيف تقيّمون المعطيات السياسية الدولية والإقليمية الجديدة ؟
أهلا وسهلا بكم ويسعدني تقديم الإجابة على تساؤلاتكم:
إن استراتيجية المجتمع الدولي لم تتغير وإنما تغيرت التكتيكات وأساليب التعاطي مع الملفات الساخنة في المنطقة ، نعتقد أن المجتمع الدولي يسعى ومعه العديد من الدول العربية إلى تخفيف التحالف السوري الإيراني والذي يتبعه تحالف ( إيران وسوريا وحزب الله وحماس ) بشتى السبل والوسائل الدبلوماسية ، وقد جاءت زيارة الملك السعودي إلى سوريا لحمل رسالة واضحة للسلطات السورية بأن المجتمع الدولي ومعه الدول العربية المعتدلة مستعدة للتعاون الإيجابي مع السلطات السورية ودفع إيران للتعاون مع المجتمع الدولي والتخلي عن طموحاتها النووية العسكرية وتصدير الثورة .
إلا أن الوقت لا يزال مبكراً للحكم على مدى استجابة سوريا لمطالب المجتمع الدولي، ودمشق لن تتسرع في التخلي عن أوراقها قبل أن تحصل على ضمانات كافية ، ثم هناك نقطة جوهرية أخرى تتلخص في : هل بإمكان سوريا فك تحالفاتها مع إيران أم لا ؟ لأن استمرار سوريا في هذا الموقف قد يعرضها لخسارة كبيرة ، فإيران لن تتردد في عقد صفقة من وراء ظهر سوريا وحلفائها في المنطقة إذا ما استدعت مصالحها ذلك.
ـــ الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة لم تكن سلبية النتائج على مستوى فرزها لمعارضة داخلية قوية
أليس التغيير الممكن أو المحتمل في إيران والمنطقة ينبغي أن يتسبب بإعادة قراءة لطبيعة العلاقات العربية الإيرانية ؟
إن الأيديولوجيا القائمة في إيران والنظام السياسي ( ولاية الفقيه ) لم تعد تنسجم مع طبيعة الإنسان الذي يعيش في الوقت الراهن ، و هذه الأيديولوجية والسياسة الإيرانية هي مصدر توتر في المنطقة و العالم العربي برمته ، فإيران تعتبر نفسها مرجعية شيعية في العالم الإسلامي ليست دينية وحسب بل سياسية ، وربما قد تكون نجحت إلى حد بعيد في تسييس الشيعة وربطها بإيران.
إن المعارضة الإيرانية انطلقت ليس كدعم لمرشحي المعارضة بقدر ما هو احتجاج على الوضع القائم وتمرد عليه ، ويمكن القول إن نظام ولاية الفقيه لم يعد صالحاً للاستمرار ، ولابد للشعوب الإيرانية أن تحسم أمرها وتنعم بحريتها ، وهذا الحسم يتعلق بجملة أمور في مقدمتها قدرة المعارضة على تنظيم نفسها.
أعتقد أن هناك حاجة لإعادة صياغة جديدة للعلاقات العربية / العربية ، والعلاقات العربية الإيرانية بما يخدم المصالح المشتركة للطرفين، وتقليص النفوذ الإيراني في الملفات الإقليمية وخاصة فيما يتعلق بقضية الصراع العربي الإسرائيلي. لأن هذا النظام لا يزال يضطهد كل الشعوب الإيرانية من كرد وعرب وآذريين وتركمان وبلوش ، والمطلوب هو اتفاق العرب فيما بينهم وتحديد موقفهم من النظام الإيراني و تحديد كيفية وآليات التعاطي معه.
ــــ بوصفكم أحد أبرز الأحزاب المشكلة لإعلان دمشق
كيف تقيمون واقع الإعلان وآفاقه المستقبلية ؟
إعلان دمشق يشكل مظلة وطنية ديمقراطية لمعظم التيارات القومية والفكرية والسياسية في سوريا ، وينضوي تحت لوائه معظم مكونات الشعب السوري ، وقد جاء كحاجة ذاتية للشعب السوري ، وانطلق بإرادة وطنية خالصة ، وأي ائتلاف هذه ميزاته لا يمكن له إلا أن يتطور ويترسخ ، أما عن واقعه فإن الإعلان لم يمض على انطلاقته سوى أربع سنوات وهو بحاجة إلى المزيد من الوقت للوقوف على قدميه، في ظل نظام شمولي مستند على حالة الطوارئ والأحكام العرفية وليس في قاموسه ما يسمى بالمعارضة مهما كان شكلها وجوهرها ، ورغم الضربات الموجعة التي وجهت للإعلان باعتقال خيرة قادته ومنع نشاطاته للقضاء عليه نهائياً إلا أن استمرار الإعلان حتى الآن ومهما كان واقعه يعتبر انتصاراً بحد ذاته ، انتصاراً لقوى المعارضة الوطنية الديمقراطية في الصمود أمام القمع .
أعتقد أن كل الظروف الموضوعية والذاتية تهيئ الأرضية لمستقبل واعد لإعلان دمشق ، إن الاستبداد أصبح من الماضي ولم يعد مقبولا من السوريين ولا من العالم وهناك توجه عالمي لنشر قيم الديمقراطية والحرية ومفاهيم حقوق الإنسان، وهذا بحد ذاته يخدم توجهات إعلان دمشق ، أما الوضع الداخلي ونتيجة سياسات وممارسات السلطة فإن معظم الشعب السوري بات معارضاً لهذه السياسات ولكن معارضته لا تزال غير منظمة بشكل كاف ويمتلكها بعض الخوف من قمع الأجهزة الأمنية لها .
لذلك على إعلان دمشق الاستفادة الممكنة من هذه الأوضاع ووضع برنامج عمل للتحرك داخلياً أولا ، وهذا التحرك يكون مستنداً في الخارج على التغلغل بين صفوف الجالية السورية والعمل على تنظيمها وفق برنامج عمل سياسي وطني واضح المعالم والسعي إلى تسخير طاقات كامل القوى الوطنية المنضوية تحت لوائه، بشكل يهيئ الأرضية لانطلاقة جديدة للإعلان تكون أكثر قوة وفعالية ، فاستمرار إعلان دمشق كما أسلفت يعتبر انتصاراً ولكن لا يتوجب الوقوف عند هذا الحد بل يتوجب عليه الاهتمام بمعاناة الشعب السوري و إشراكه في عملية التغيير الوطني الديمقراطي رغم القمع الذي يتعرض له.
ــــ تعمل المعارضة السورية الوطنية الديمقراطية على إ رساء قيم العدالة والمواطنة والمساواة، وقيم حقوق الإنسان
كيف تؤسسون للتضامن الو طني من أجل التغيير وما هي أليات وأدوات التغيير الأنسب لتحقيق الهدف المنشود ؟
أعتقد أن البحث عن أوسع وأفضل برنامج وطني ، هدفه التغيير الديمقراطي السلمي التدرجي مع الاعتراف بالآخر المختلف قومياً وفكرياً وسياسياً، واحترام خصوصية كل مكون، والإقرار بحقوقه كاملة ، وطرح هذا البرنامج على الشعب السوري من خلال مختلف القنوات والوسائل لكي تعرف مختلف شرائح وفئات المجتمع السوري ما هو مستقبلها وموقعها بعد حصول التغيير الديمقراطي، ولا يمكن للشعب الارتباط بأية جهة والدفاع عنها والانخراط فيها ما لم تجد في برنامجها ما يحقق رغباته وطموحاته بشكل أفضل من الوضع القائم.
أما آليات هذا التغيير فهي :
1- طرح البرنامج المتفق عليه على عموم الشعب السوري
2- تعبئة الجماهير حول هذا البرنامج
3- الاهتمام بقضايا الجماهير اليومية من خلال تشكيل لجان مختلفة تقدم الدعم والعون اللازمين لمختلف الشرائح ( لجان خدمات – لجان صحية – لجان ثقافية – لجان اجتماعية …. لجان الدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الطفل – لجان للدفاع عن حقوق الإنسان …. إلخ )
4- العمل على نشر ثقافة المجتمع المدني من خلال لجان مختصة وثقافة الديمقراطية .
5- تعبئة الجماهير والقوى المنظمة للاستعداد للفعاليات والأنشطة الجماهيرية المختلفة
6- الالتزام بقواعد العمل الديمقراطي ونبذ العنف بكافة اشكاله .
ـــــ تآلفت المعارضة العربية و الكردية على أساس وحدة الوطن والشعب و الحقوق و الواجبات
ماهي ضوابط العلاقة بين أطياف المعارضة السورية، وهل هي علاقة وطنية وفكرية أساسها المطالب و الأهداف المشتركة أم أنها علاقة براغماتية تنتهي أو تتغير وفقا لمعطيات السلطة، أو لطبيعة التغيرات الإقليمية والدولية ؟
إن العلاقة قامت في الأساس على وحدة الوطن والشعب والمساواة في الحقوق والواجبات واحترام خصوصية المجتمع السوري كونه مجتمعاً متعدد القوميات والثقافات ، وإقرار حقوق كل مكون إلى أبعد مدى ممكن، وبما لا يتعارض مع وحدة العمل الوطني وترسيخ قيم المواطنة ، وإنهاء حالة التمييز على أساس قومي أو فكري او سياسي ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، واعتبار أن تحقيق التغيير الديمقراطي في سوريا هو الأساس لتحقيق هذه القيم والمبادئ التي بدورها تشكل ضوابط حقيقية فكرية ووطنية للعلاقة بين أطياف المعارضة السورية التي اجتمعت حول هذه الأهداف، وفي كل الأحوال إذا بقيت المعارضة السورية (العربية والكردية ) ملتزمة بالبرنامج المتفق عليها ومستعدة لتطويرها ، فأعتقد أن التغيرات قد تعمق وتوطد هذه العلاقة نحو المزيد من التفاهم والتلاحم ، نحن بدورنا كحزب كردي ومن الأحزاب المؤسسة لإعلان دمشق ومن القوى الرئيسية فيه سنظل ملتزمين بإعلان دمشق أشد الالتزام طالما حافظ الإعلان على برامجه المتفق عليها ، وأبدت القوى المؤتلفة والحليفة والشريكة لنا في الإعلان الاستعداد لبقاء الحوار مفتوحاً حول جميع القضايا الوطنية، ومنها القضية الكردية، والتي أعتقد أن إعلان دمشق ورغم إقراره بحقوق الشعب الكردي بالصيغة التي جاءت في وثائق الإعلان تعتبر متطورة ولكنها لا تزال بحاجة إلى التطوير الدائم بما يكفل لكل السوريين على تنوعهم حقوقهم وخصوصياتهم ضمن وحدة سوريا أرضا وشعبا.
ـ تعتبر منطقة الجزيرة السورية من أغنى المناطق في سورية إن لم تكن أغناها على الاطلاق، لتوفرها على المساحة الزراعية الشاسعة والموارد المائية واحتوائها على معظم النفط والغاز السوري إلى جانب الامكانات البشرية الهائلة، وموقها الجغرافي الحدودي المتميز.
كيف تقيمون الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية هناك، وماهي المصاعب التي تواجه الحياة والإنسان في الجزيرة السورية ؟
إن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الكردية عموماً وفي منطقة الجزيرة خصوصاً كارثية والجزيرة منكوبة بكل ما تعنيه الكلمة ، وليس أدل على ذلك من الهجرة شبه الجماعية التي حصلت خلال العامين المنصرمين ، ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية إلا أن ربع سكانها أو أكثر من الأكراد قد هاجروا إلى الداخل السوري أو إلى الخارج خلال السنتين الماضيتين ، ورغم أن الجزيرة من أغنى المحافظات السورية من حيث الموارد الأولية ، ففيها البترول والقمح والقطن ( وهي محاصيل استراتيجية ) ناهيكم عن أنواع الحبوب الأخرى والخضار إلا أنها تعتبر من أفقر المناطق السورية على الإطلاق وذلك حسب التقارير الدولية المختصة ، وأعتقد أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر تتجاوزالـ 70% والسبب في ذلك يعود إلى سياسة اقتصادية جوهرها الإهمال المتعمد للمناطق التي يتواجد فيها الكرد . تستهدف إفقار هذه المناطق ودفع سكانها إلى الهجرة الاضطرارية إلى مناطق أخرى بغية تحقيق تغيرات ديمغرافية فيها ، ورغم أن هذه السياسة الاقتصادية تلحق بالدولة أيضاً خسائر فادحة، إلا أنها ماضية فيها رغم العواقب التي سوف تخلفها .
فرغم توفر المواد الأولية لمعظم الصناعات السورية ، إلا أنها تفتقر لأية معامل أو مصانع حكومية ، وكذلك فإن العقبات الموضوعة أمام القطاع الخاص تمنعه من إقامة المصانع والمنشآت الصناعية مما جعل الاقتصاد في الجزيرة مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالعوامل الطبيعية خاصة بعد أن حددت المساحات المروية وخاصة القطن إلى 15% تقريباً من القدرة الإنتاجية للبئر الواحد مع ارتفاع سعر المازوت ومختلف مستلزمات الإنتاج الزراعي ، ثم جاء المرسوم /49/ ليلحق كارثة حقيقية بالمنطقة وبالتالي فإن الإنسان في الجزيرة يواجه مصاعب جمة سياسية ، اقتصادية ، أمنية ( قوامها المزيد من الضغط والقمع ) وعدم قدرة القطاع الخاص على احتواء الأيدي العالمة الكثيرة ،وهم ما رفع نسب البطالة.
ــــ ما هي رؤيتكم للعلاقة التبادلية بين :
التنمية والحرية
الأمن و الديمقراطية.
الفقر و الحقوق المدنية الاجتماعية
وهل الإشكال الأساسي في سوريا تنموي أم حقوقي أم سياسي ؟
التنمية والحرية : الحرية هي أساس التنمية فلا تنمية بدون حرية لأن الحرية تعني تحرير الإنسان وفكره وإطلاق مواهبه وإبداعاته وبالتالي تحقيق الأرضية الصلبة لتنمية حقيقية .
الأمن والديمقراطية : هناك امن مفروض بقوة القمع والاستبداد وهو أمن مزيف وغير حقيقي ويكون على حساب حرية المواطن وكرامته وحقوقه الأساسية ، وهناك أمن ناجم عن الديمقراطية أي أحد أبرز سماته ، فالديمقراطية تهيء المناخ والأرضية لأمن مستتب يساهم فيه الكل حكومة ومواطنين ومنظمات مجتمع مدني ، امن حقيقي قائم على احترام حقوق الإنسان وصون كرامته وحريته .
الفقر والحقوق المدنية الاجتماعية :
كلما كانت الحقوق المدنية الاجتماعية متاحة ومتوفرة ، كلما تراجعت نسبة الفقر .
الإشكال في سوريا سياسي بالدرجة الأولى وهذا الإشكال هو الذي يصادر الحقوق ويبطئ التنمية .
ــــ ماذا يعني لكم الوطن ؟
الوطن باختصار هو المواطن ( مواطن حر يعني وطناً حراً )
* سكرتير اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا
البارتي
موقع اعلان دمشق