صفحات العالمما يحدث في لبنان

التحرك السوري في كل اتجاه يتم بمعزل عن إيران أم بالتنسيق معها؟

اميل خوري
السؤال الذي تختلف الأجوبة عنه هو: هل تحرّك سوريا في كل اتجاه عربي واقليمي ودولي بعد الخروج من عزلتها يتم بالتنسيق والتفاهم مع حليفتها ايران، أم بمعزل عنها وهو ما يجعل مواقفهما من بعض القضايا المطروحة متمايزة، بحيث انه قد يحدث في المدى القريب أو البعيد تباعد ثم فتور وجفاء؟ وهل يتكرر بين سوريا وايران ما حصل في الماضي بين الرئيس حافظ الاسد ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات على الساحة اللبنانية عندما انقسم اللبنانيون وقادتهم بين من هم مع الرئيس الاسد ومن هم مع عرفات بسبب الصراع حول من يمسك منهما بالقرار اللبناني، وبعدما أفلتت من يد الرئيس السوري الورقة الفلسطينية؟ وقد انتهى هذا الصراع بفوز الرئيس الاسد على عرفات بعدما بدأ بوقوف سوريا مع المرشح الياس سركيس للرئاسة الاولى وذلك بتأمين النصاب لانتخابه برغم القصف المدفعي على فيلا منصور، المقر الموقت لمجلس النواب، وهو قصف تولته تنظيمات فلسطينية بهدف تعطيل هذا النصاب. وانتهى هذا الصراع بإخراج أبو عمار مع الفلسطينيين المسلحين من لبنان الى تونس عندما دخلت القوات السورية الى لبنان، ودفع سياسيون لبنانيون وقفوا مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ثمن ذلك…
فهل ينقسم اللبنانيون وقادتهم مرة أخرى بين من هم مع ايران ومن هم مع سوريا في حال حصول تباعد بينهما ليس على الساحة اللبنانية فحسب بل على الساحة العربية والساحة الدولية بسبب تمايز مواقفهما من الاوضاع في العراق واليمن وباكستان وافغانستان وتالياً من السلاح النووي والسلام مع اسرائيل؟
ثمة من يعتقد أن سوريا البارعة في اللعب على حبال السياسة وعلى التناقضات والخبرة في ممارسة الازدواجية في مواقفها، لن تغامر وهي تتحرك في كل اتجاه ما لم تكن على تفاهم وتنسيق مع حليفتها القوية ايران التي لا يضيرها شيء اذا ما نجحت سوريا في العودة سياسياً الى لبنان أو في عودة لبنان اليها بفعل تبدل الظروف والمعطيات، لأنها عودة مفيدة لكل من سوريا وايران وتجعلهما يتقاسمان النفوذ فيه. فايران ترتاح الى بقاء السلاح في يد “حزب الله” وسوريا تطمئن الى وجود حكم فيه ترتاح اليه وترى في حكومة الوحدة الوطنية الحالية ضماناً لعدم صدور قرارات لا ترضيها في المواضيع المهمة. ولا يضير ايران شيء اذا ما باتت سوريا قريبة من السعودية ومن دول الخليج ومن دول الاتحاد الاوروبي وحتى من الولايات المتحدة الاميركية، لأن ما يفيد سوريا يفيد ايران ويؤهلها للقيام بدور يجنب المنطقة خطر المواجهة العسكرية. ولا شيء يضير ايران ايضاً اذا ما توصلت سوريا الى اتفاق مع اسرائيل تستعيد به الجولان، أو الى اتفاق مع السلطة الفلسطينية على حل الدولتين، بحيث يعم السلام الشامل المنطقة، ولا تعود دول فيها قلقة من عدوان اسرائيلي أو من توسع ايراني، ومع حلول هذا السلام لا تعود بحاجة الى امتلاك صواريخ بعيدة المدى ولا الى سلاح نووي. كما لا تعود الحاجة الى سلاح تحتفظ به التنظيمات والمجموعات والاحزاب في لبنان وفي فلسطين وفي أي دولة في المنطقة.
وثمة من يرى خلاف ذلك ويعتقد ان تسهيل عودة سوريا سياسياً الى لبنان وتمكينها من استعادة الجولان والاكتفاء ربما بمعرفة من اغتالوا الرئيس الحريري ورفاقه ونفذوا اغتيالات أخرى من دون معرفة من كانوا وراءهم مدبرين ومخططين، أمور مهمة قد لا تعطى لسوريا مجاناً وبدون أي مقابل. لذا يعتقد أصحاب هذا الرأي ان سوريا مطلوب منها أن تعطي في لبنان ما يعزز سيادته واستقلاله وقراره الوطني الحر، ويرسخ الأمن والاستقرار فيه، وأن يكون لبنان شريكاً معها في مرحلة من مراحل المفاوضات مع اسرائيل لكي يستعيد ما تبقى من أراضيه المحتلة، وأن تكون علاقاتها من دولة الى دولة، ولا تظل تقيم علاقات مع أحزاب وسياسيين في لبنان هم على خصومة مع الدولة اللبنانية، وان لا يبقى سلاح غير سلاح هذه الدولة ولا سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها كي يصح عندئذ القول بقيام الدولة القوية القادرة في لبنان، وأن تحدد سوريا خياراتها بين ايران والدول العربية اذا ما استمرت المواجهة السياسية التي قد تتحول مواجهة عسكرية مع ايران اذا ما ظلت مصرة على تخصيب الاورانيوم للحصول على سلاح نووي يخل بالتوازن في المنطقة، وان على سوريا في هذه الحال أن تختار موقعها وتحدد موقفها، كما فعل الرئيس حافظ الاسد من قبل، عندما وقف ضد عراق صدام حسين في حرب الخليج، وكان له دور في لبنان والمنطقة حدده له اتفاق الطائف، فدخلت قوات سورية واوقفت الاقتتال فيه وحققت الأمن والاستقرار وإن على طريقتها، وظل لبنان في حاجة الى بقاء هذه القوات أكثر من 15 سنة وليس لمدة سنتين كما نص اتفاق الطائف.
لذلك، فإن الاشهر القليلة المقبلة هي التي تعطي جواباً واضحاً وربما حاسماً بالنسبة الى موقف سوريا بين ايران والعرب إذا ما تطورت الامور نحو الاسوأ ولم يقتصر الامر على انزال عقوبات قاسية بها ولم تكن كافية لردعها عن مواصلة العمل على تخصيب الاورانيوم، بل كان لا بد من مواجهة عسكرية تضع سوريا في موقف حرج كما تضع لبنان ايضاً اذا ما تحرك “حزب الله” لمساندة ايران في هذه المواجهة. فإذا قررت سوريا الوقوف ضد ايران او حتى الوقوف على الحياد، فإن هذا الموقف يحتاج الى ترجمة في لبنان اذا ما تحرك “حزب الله” ودخل طرفاً مع ايران، أو قررت سوريا منع مرور الاسلحة اليه، عبر حدودها أو العكس، لتصبح طرفاً في المواجهة.
الواقع ان المنطقة تشهد حالياً فترة ترقّب وانتظار ما ستنتهي اليه الصراعات والتجاذبات بين الغرب وايران. وبين العرب وايران، فإما تنتهي الى تسوية او صفقة تدخل معها المنطقة مرحلة هدوء واستقرار تمهد لتحقيق سلام شامل مع اسرائيل، او تنتهي بصفعة لا يعرف أحد حجم تداعياتها ليس على دول المنطقة فحسب بل على دول أخرى. وكما انقسمت الدول العربية ودول الغرب في الحرب على العراق وكان ما كان من نتائجها، فإن انقساماً أشد وأخطر قد يحصل إذا ما تقررت الحرب على ايران. فهل تشتد الازمة مع ايران لتنفرج ويتم التوصل الى صفقة عادلة تجنباً لصفعة تفجّر المنطقة ولا ينجو منها أحد؟
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى