سوريا ولبنان: نعم، ولكن
سعد محيو
هل حقاً ما يُقال إن زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الأخيرة إلى دمشق، دشّنت مرحلة تاريخية جديدة في العلاقات بين البلدين؟
المظاهر الشكلية توحي بذلك: من كسر جدار الجليد السميك بين دمشق وبين تيار 14 آذار التي وُلِد أساساً على قاعدة تحقيق استقلال لبنان عن سوريا، تبادل العلاقات الدبلوماسية والاتفاق على بدء عملية ترسيم الحدود في الشمال والشرق والجنوب (مزارع شبعا)، وأخيراً موافقة دمشق على فتح ملف المفقودين اللبنانيين .
علاوة على ذلك، باتت دمشق تقيم الآن علاقات تتراوح بين الطبيعية والوديّة مع السنّة والشيعة والدروز وقسم كبير من المسيحيين، في الوقت نفسه الذي تتعاطى فيه مع مؤسسة الدولة اللبنانية الشرعية .
والآن، ومع زيارة الحريري سيكون ثمة إغراء للقول إن التاريخ يتأهب بالفعل لدفع البلدين في اتجاه مرحلة جديدة .
لكن مهلاً . هذا الإغراء يتقلّص وهجه حين ننتقل من الشكل إلى الجوهر، ومن المظاهر إلى البواطن . هنا تبدو الصورة أكثر إثارة للأسئلة منها إلى توفير الإجابات:
كيف يمكن أن يسير التطبيع الداخلي بين البلدين التوأمين نحو بر الأمان والاستقرار، فيما محرّكه الحقيقي خارجي (علاقة الغرام الجديدة بين دمشق والرياض)؟ ماذا يحدث إذا ما انقلب هذا الغرام مجدداً إلى طلاق أو فراق كما حدث في الفترة بين 2005 – 2008؟
هل القيادة السورية، التي لطالما اعتبرت لبنان جزءاً من سوريا الطبيعية، باتت مقتنعة حقاً بأنه يمكنها “سايكولوجياً” التعاطي معه كدولة مستقلة أسوة بمصر أو السعودية أو حتى الأردن ؟
والأهم: هل سيكون في الوارد العمل على بناء الحاضر والمستقبل على قاعدة الاعتراف بأخطاء الماضي وخطاياه؟ الرئيس السوري بشار الأسد اعترف قبل ثلاث سنوات بأن دمشق ارتكبت “أخطاء” خلال وجودها المديد في لبنان . لكن أحداً لم يسمع أحداً يقول إنه تم تشكيل لجان مصارحة ومكاشفة بين الطرفين لتحديد هذه الأخطاء ثم العمل على تجنّبها مستقبلاً .
هذه المسألة، ستبقى عقبة مُعيقة سياسياً طالما لم يتم التطرق إليها بالصراحة والشجاعة اللتين جابه بهما الإفريقيون الجنوبيون العنصرية، والفرنسيون حرب الجزائر الدموية، والغربيون الحروب الصيلبية المُقزّزة التي شوى فيها الجنود الغربيين المدنيين المسلمين على أبواب حلب .
صحيح أنه يجب أن ندع الموتى يدفنون موتاهم . لكن الصحيح أيضاً أن أرواح القتلى تعذّب أول ما تُعذّب أصحابها، إذا ماتخلّوا عن هدف العدالة والحقيقة . وهذا لا يحدث في الأحلام فقط (التي هي الوسيلة الرئيس للأرواح لنقل رسائلها إلى الأحياء) بل حتى أيضاً في الحياة الواقعية حيث سيسأل الجمهور باستمرار لماذا حصل ما حصل؟
هل تعني هذه المعطيات أنه ليس ثمة إيجابيات ما في الانفراج الذي حدث على طريق بيروت – الشام؟
نعم، ولكن . نعم، لأن هذا الانفراج السياسي يواكب ظاهرة موضوعية لا تحظى بتغطية إعلامية وافية، وهي القفزات النوعية الكبرى التي تشهدها العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والتي تتم في إطار التحوّل التدريجي لسوريا من الاقتصاد المُوجّه إلى اقتصاد السوق الرأسمالي (بدعم كثيف على ما يبدو من رؤوس الأموال الخليجية) .
الخليج