تصويـب فـي كـلّ اتجـاه
جورج علم
وقف وزير خارجيّة فرنسا برنار كوشنير خلف القرار الدولي الرقم 1559 ليصوّب باتجاه دمشق. لقد استحضر الواقعة التي حصلت قبل أشهر في باريس عندما انفضح التباين في وجهات النظر ما بينه وبين نظيره وليد المعلم حول اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي أمام وسائل الإعلام، يومها أعلن كوشنير «بأن سوريا ستوقع وفق شروطنا»، فقاطعه المعلم فائلا: «لا أحد يملي علينا، ولن نوقّع إلاّ وفق مقتضيات مصالحنا».
وشاء كوشنير أن يوجّه رسائل عدّة من خلال حرصه على القرار 1559، منها: تمسّك فرنسا بتيري رود لارسن كمسؤول على متابعة تنفيذ هذا القرار، بعدما طالبت سوريا بإنهاء مهمته، (والكلام لكوشنير). وتأكيد الانسجام ما بين موقفه وموقف الإدارة الأميركيّة على ضرورة معالجة موضوع السلاح اللاشرعي، وإبلاغ من يعنيهم الأمر من اللبنانيين والسورييّن، بأن فرنسا والولايات المتحدة متعاونتان على تنفيذ كامل مندرجاته، مثلما تعاونا على تخريج صدوره عن مجلس الأمن. وصبّ الزيت على النار من جديد في الداخل اللبناني بين المرحّبين بزيارة الرئيس الحريري الى سوريا، والمعترضين الذي يتخذون من الموقف المستجد من القرار 1559 ذريعة لتسعير حملتهم وزيادة منسوب انتقاداتهم.
ويرى البعض في موقف كوشنير وكأنه يريد ان يرحّب بزيارة الرئيس الحريري المرتقبة الى باريس على طريقته، ليضيف بندا جديدا على جدول أعمالها يتوافق ونظرته الى القرار 1559، وبدلا من أن يبادر الى توفير المناخات الإيجابيّة لها كأول زيارة يقوم بها الى فرنسا كرئيس لحكومة كلّ لبنان، راح يمطرها بالمواقف التي تحرج صاحبها، وعلاقته الطريّة العود مع الجانب السوري.
وهناك في بيروت من يخشى من أن يكون الغرض من الحملة التي يقودها رئيس الدبلوماسيّة الفرنسيّة استهداف موقع لبنان الجديد في مجلس الأمن، كخطوة مدروسة ومنسّقة مع واشنطن لقطع الطريق أمام أي محاولة يقوم بها الجانب اللبناني في الأمم المتحدة لتجاوز هذا القرار.
ويلتقي نواب من صفوف الأكثريّة والأقليّة على القول بأن موقف كوشنير جاء ليرفع من منسوب السجال في الداخل اللبناني، وفي هذا التوقيت بالذات، خصوصا أن محاولة تسويق الفكرة الرسميّة من هذا القرار جاءت ملتبسة، وتعاطى معها الفريق الأكثري، وكأن هناك محاولة من من قبل الوزراء الأقلويّين، مدعومة من رئيس الجمهوريّة، «للتخلّص» منه (القرار)، وجعله «وراءنا».
ويحتدم النقاش الآن حول توجهين، بين من يريد علاقات مباشرة مع سوريا متحررة من القرارات الدوليّة ذات الصلة، ومن يريدها من خلال المجتمع الدولي، والقرار 1559، والإصرار على تنفيذ ما تبقى من بنوده: السلاح، وترسيم الحدود.
ويأتي الرّد على أصحاب هذا التوجّه بأن موضوع السلاح مطروح على طاولة الحوار الوطني، فيما بادر الرئيس الحريري الى التأكيد على تفاهمه مع الرئيس بشّار الأسد، على أن يبدأ الترسيم من الشمال.
أما العبرة المستنتجة عند بعض فريق عمل رئيس الجمهوريّة، فخلاصتها الآتي: إن التصويب يتم في كلّ اتجاه، بعدما التقت مصالح البعض على المستوى المحلي مع مصالح بعض الأطراف الدوليّة للتمترس وراء القرار 1559، وإطلاق النار على زيارة الرئيس سليمان الى واشنطن، وزيارة الرئيس الحريري الى دمشق، والصفحة الجديدة التي فتحها على مستوى العلاقات الثنائيّة المباشرة.
السفير