صفحات العالمما يحدث في لبنان

الحسن وغزالي: الأمن يعبّد طرق السياسيّين

ثائر غندور
تقول الرواية: حين حطّت الطائرة الخاصة الصغيرة في مطار دمشق الدولي، لم يكن كثيرون يعلمون من هو الضيف، الذي تنقله هذه الطائرة إلى العاصمة السورية، وكذلك كان الأمر في بيروت، من حيث أقلعت الطائرة نفسها، لم يكن أحد يتخيل أن الشخصية الأمنية التي تتجه على جناح العجلة والسرية نحو دمشق ليست سوى وسام الحسن
، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، والمستشار المقرّب من رئيس الحكومة (المكلّف حينذاك) سعد الحريري.
تضيف الرواية ذاتها: زيارة إثر أخرى بدأت المعلومات تصل إلى بيروت، وبدأت بالتسرّب من هنا أيضاً، الرجل الذي يقوم بجولات مكّوكية بين دمشق ومنزل الحريري في وسط بيروت هو الحسن، الذي لم تبقَ تهمة لم تُلصَق به وبفرعه، من العمل ضد سوريا وحلفائها في لبنان إلى الأعمال الأمنية السرية في مناطق عدة لشدّ العصب المذهبي، وها هو في دمشق يتحاور مباشرةً مع رستم غزالي، ذاك الضابط السوري الذي رُفعت صوره في التظاهرات التي تلت اغتيال رفيق الحريري، وحمّلته قوى 14 آذار، إلى جانب شخصيات أخرى، مسؤولية عملية الاغتيال.
وقبل أسابيع من زيارة سعد إلى دمشق، كان أحد المقربين من سوريا يردّد أن الزيارة ستجري، وقنوات الاتصال قائمة. ويوضح: «الوسيط السعودي موجود لكن أنا أتحدّث عن غيره». وأصرّ حينها الرجل على الكتمان للحفاظ على سرية قنوات الاتصال حتى حصول الزيارة.
بالفعل ذهب سعد الحريري إلى سوريا، واستُقبل هناك استقبالاً حميماً، «وهو استقبال كان يعرف سعد الحريري أنه سيكون على هذا الشكل، وسيكون حميماً جداً» يقول الرجل ذاته.
وعند الانتهاء من الزيارة حان الوقت لكشف حقيقة قنوات الاتصال، بحسب أكثر من مصدر: بعد التكليف الأول لسعد الحريري بدأ التواصل بين رئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن ورئيس فرع أمن دمشق وريف دمشق اللواء رستم غزالي.
وتُشير المعلومات إلى أن الزيارة رُتّبت بين ملك السعوديّة ونجله الأمير عبد العزيز من جهة، والرئيس السوري من جهة ثانية. ولكن كما قيل وقتها، فإن التواصل السوري ـــــ السعودي حدّد توقيت الزيارة لا وقتها، وعنوان الزيارة لا جدول أعمالها. ولذلك كان دور الثنائي الحسن ـــــ غزالي تحديد هذه التفاصيل.
وعلى مدى أشهر ثلاثة، بحسب المصادر ذاتها، تواصلت اللقاءات بين غزالي والحسن، ومثّل الحسن موقف الحريري في المجالات التقنية، كما السياسية التفصيلية، بعدما رسم الأمير عبد العزيز والوزير السعودي عبد العزيز الخوجة السقف العام للعلاقة بين الطرفين، فيما مثّل رستم غزالي الرئيس بشار الأسد، ونسّق الطرفان في كل الملفات التي جرى البحث فيها.
وتكشف المعلومات أن عناوين أربعة أرسلها الأسد إلى الحريري عبر هذا الثنائي:
1 ــ الإقرار بعروبة لبنان.
2 ــ حفظ المقاومة في لبنان والتنسيق معها.
3 ــ العداء لإسرائيل.
4 ــ تأليف حكومة وحدة وطنيّة تضم جميع القوى المعادية لسوريا والحليفة لها.
الحريري لم يرَ مشكلة في هذه البنود الأربعة، بل عدّها جزءاً من قناعته، وعبّر عنها في التصريح الأول له كرئيس حكومة مكلّف، من قصر بعبدا.
أضف إلى ذلك، بحث الأسد والحريري خلال الزيارة في كيفية إلغاء كل ما من شأنه إثارة فتنة سنية شيعية، كما بحثا في ملفات أكثر حساسيةً، وتتعلّق بما هو أكبر من لبنان، وتتعدّاه إلى المنطقة. وقال الأسد للحريري خلال اللقاء «علينا أن نترك الناس يسيرون خلفك، ولا يمكن أن تقبل أنت أن تسير خلف الناس»، مشيراً إلى الجوّ العام المتشنّج في لبنان، وأضاف «لا نريد العودة 1400 سنة إلى الوراء».
وعلى هذا الأساس تطوّرت العلاقة بين غزالي والحسن، قبل أن يتّفقا على توقيت زيارة الحريري، ومدّتها ومكان منامة الضيف في دمشق، واستقباله. وكلّ ما يُقال عن أن الأسد أحرج الحريري بطريقة الاستقبال غير دقيق. فهو كان عارفاً حجم الحفاوة والحميميّة، وموافقاً عليها بالكامل.
وتشير المصادر إلى أن الحسن زار سوريا أكثر من عشر مرّات على الأقل، وأن التواصل بين الطرفين تجاوز أمر الزيارة إلى التنسيق بأمور أمنيّة.
وفي مرحلة من التواصل بين غزالي والحسن، تتوقّف بعض المصادر عند مبادرة أحد النواب من تيار المستقبل، وزيارته سوريا واتصاله بأحد كبار الضباط، الذين كانت تربطه بهم علاقة قديمة، حيث حاول النائب التوسّط بين سوريا والحريري، فاعتذر منه الضابط السوري الرفيع، شاكراً له جهده، وأبلغ الضابط القيادة السورية الأمر، التي رأت أن في ذلك تجاوزاً لمسار الاتصالات بين الحسن وغزالي.
وفي بيروت، طلب الرئيس الحريري، حين علم بالأمر، إلى النائب المستقبلي إيقاف المبادرة الشخصية. أما النائب، فينفي أن يكون قد بادر أو عمل قناة تواصل بين سوريا والحريري.
ورغم ذلك، فإن مقرّبين من الحسن ينفون أن يكون الحسن قد زار دمشق، مؤكّدين أنه لم يفعل ذلك منذ عام 2005، وأن التواصل مع غزالي خلال الأيام التي سبقت زيارة الحريري إلى الشام كان يجري من خلال وسيط. ويقول هؤلاء إن الوسيط، بعد تواصله مع غزالي، فتح قناة للاتصال بين الحسن وأحد المسؤولين عن المراسم في رئاسة
الأسد للحريري: «لا نريد العودة 1400 سنة إلى الوراء»
مقرّبون من الحسن ينفون أن يكون قد زار دمشق، ويؤكّدون أن التواصل مع غزالي جرى من خلال وسيط
الجمهورية السورية. ويضيف المقرّبون من رئيس فرع المعلومات إن الأخير وفّر تواصلاً بين أحد مسؤولي المراسم السورية ومسؤول الحرس الحكومي في بيروت. بعد ذلك، تواصل الحسن مع الوسيط من أجل تحديد بعض التفاصيل الإضافية المتعلقة بزيارة الحريري، ومنها، على سبيل المثال، وقت وصول الطائرة، ومكان إقامة الحريري.
وعندما تُواجِه المقربين من سوريا بنفي الحسن، يُجيبون: دعوه ينفِ فهو سيقرّ قريباً. يضيف هؤلاء إن غزالي قد يزور لبنان قريباً أيضاً. ويُشيرون إلى أن أبرز خضّة واجهت زيارة الحريري إلى سوريا هي الاستنابات القضائيّة السوريّة، لكن ما أدّى إلى تجاوز هذه الأزمة هو التواصل بين الرجلين. إذ إن غزالي وضع الحسن في جوّها وأهدافها وسقفها قبل إعلانها، وعلى هذا الأساس جرى تجاوزها.
ويُعطي هؤلاء هذه الحادثة مثالاً للقول إن التواصل بين الطرفين كان شبه يومي، وكان الجليد قد انكسر بين الطرفين يوم تبادلا المعلومات عن ملفات الجهاديين عبر الوسطاء، وتبيّن لكلّ منهما أن الآخر كان صادقاً بالمعلومات التي أرسلها، وأنه لم يسعَ إلى إخفاء معلومات تُعدّ ضروريّة لأمن هذا البلد أو ذاك.
ومن هذه العلاقة تطوّرت علاقة أمنية بين الرجلين، وإن كان رستم غزالي يفضّل دائماً أن يتعامل مع الوجوه السياسية، إلّا أنه أوّلاً ضابط أمن، وكثيراً ما عمل في لبنان على الملفات الأمنية ـــــ السياسية. والحسن يعدّ بالمقاييس اللبنانية على المستوى نفسه.
لماذا الحسن وغزالي؟ وسام الحسن هو مسؤول أمن الرئيس رفيق الحريري، والرجل الموثوق به جداً من الرئيس سعد الحريري.
أما غزالي، فقد كان قائد قوات الأمن والاستطلاع السورية العاملة في لبنان عند الانسحاب السوري، وهو الذي رُفعت صوره كمتهم عام 2005 في تظاهرات 14 آذار. لكنّه أيضاً ما زال يحظى بثقة الرئيس بشار الأسد، وقد رقّي بعد عودته من لبنان من رتبة عميد إلى رتبة لواء، وعيّن مسؤول أمن ريف دمشق (تصل مهماته إلى الحدود مع لبنان)، وهو المعنيّ الأول بالملف اللبناني في سوريا. ثم أُضيف إلى مهمّاته أمن العاصمة، دمشق.
أيفتح نصر الله صفحة جديدة؟
خلال مراسم التعزية بشقيق الرئيس السوري، جلس بشار الأسد وإلى يمينه رئيس مجلس النواب اللبناني، وإلى يساره إحدى الشخصيات اللبنانية، فبادر نبيه بري الرئيس السوري بالقول: «أعلم أن لديكم فجيعة، ولكن حتى هذه المأساة العائلية يمكنها أن تكون مفيدة من ناحية ما، فما رأيكم لو زاركم النائب وليد جنبلاط للتعزية؟».
لم يُجب الرئيس السوري محدّثه، بل التفت إلى الشخصية اللبنانية إلى يساره سائلاً: «ما رأيكم؟»، فأجابته الشخصية: «لو أردت يمكنني ترتيب الزيارة فوراً». إلّا أن الرئيس السوري التفت إلى الرئيس بري وقال له: «دعنا ندرس الأمور أكثر».
ويقول من يتابعون التفاصيل في العلاقة ما بين سوريا ولبنان إن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي لا يزال أمامه خط واحد لفتح صفحة جديدة مع دمشق، ألا وهو زيارته لبشار الأسد إلى جانب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وإلّا فإنه قد يلتقي شخصيات سورية غير الأسد. علماً بأن هؤلاء يؤكّدون أن زعامة سعد الحريري في لبنان تتطلّب عموداً فقرياً هو تحديداً جنبلاط، الذي يجب أن يبقى إلى جانب سعد الحريري.
الاخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى