صفحات العالمما يحدث في لبنان

الواقعية السياسية لها تتمة

سليمان تقي الدين
الواقعية السياسية التي قادت رئيس الحكومة اللبنانية إلى دمشق يجب أن تكون لها تتمة. بالفعل آن لنا أن نتعلم من الماضي. ليست السلبية والتوتر هما من أخطاء السنوات الأربع الماضية، وعلينا أن نحاول الإيجابية. الموضوع أعمق بكثير. العلاقة بدمشق، كما ينبغي في العلاقات العربية، أن لا تمر من أي بلد أو دولة أخرى ولا تنبع من سياسات لها صلة بالتوازنات السياسية وتقلباتها. لا أحد ينكر إشكالات العلاقات اللبنانية السورية التاريخية. لكن ما فعلناه بأنفسنا خلال السنوات الأربع الماضية هو أسوأ فصول تلك العلاقة. لم يكن ذلك لأننا انتفضنا على القبضة السياسية الأمنية السورية التي كانت تدير بلادنا، بل لأننا ركبنا موجة مشروع دولي لا مصلحة للبنان فيه.
عندما صوّب فريق من اللبنانيين سهامه على دمشق كانت مسمومة، بل كانت ملوثة بعدم صدقية الطرح الاستقلالي. مَن كان ينعم في حضن الإدارة السورية لم يستفق إلا على وقع الاحتلال الأميركي للعراق والقرار 1559.
لم يصب سوريا وحدها بالأذى بل هو انقلب على الإرث الوطني ونضال الشعب اللبناني وتضحياته وإنجازاته ومقاومته ووحدته وعروبته. كأن الكيد لدمشق أن نستفرد بالبلد وننقله إلى حضن وصاية دولية غربية ما زالت سلوكيات الولايات المتحدة من رئيسها إلى وزرائها وسفرائها شاهدة على ذلك.
كانت هناك علاقة جدلية بين العداء لسوريا وتجاهل، حتى لا نقول كلمة أقسى، العداء لإسرائيل. هناك من أراد التخلص من سلطة القرار السوري من زاوية الدور القومي، وهو من أراد التخلص من المقاومة أو من قوة لبنان في وجه الضغوط الأميركية الإسرائيلية. انقلب هذا الفريق على الوجه الإيجابي من سياسة سوريا التي ساهمت في احتضان لبنان وحمايته من الانزلاقات نحو الفوضى والتفكك. على العكس لم يكن هذا الفريق يملك، كما لا يملك سواه، مشروعاً للدولة من خارج القواعد التي أدارت بها سوريا لبنان خاصة بعد «الطائف».
الواقعية السياسية قادت إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات، لا بأس بذلك. لكن هناك تتمة منطقية، هي في أن تحصل مراجعة نقدية لكل محطات المرحلة السابقة. على اللبنانيين أن يفهموا لماذا تتكرر الأخطاء بحق بلدهم كل حقبة زمنية ويؤخذوا إلى نزاعات خطيرة للاعتبارات نفسها ويعود أهل السياسة إلى الأسلوب القديم. اجتاحت إسرائيل بيروت وفرضت اتفاقاً مذلاً وأقامت حكماً صورياً موالياً لها ودويلة في الشريط الحدودي ولم يستقر الحكم ولم يصدَّق ذلك الاتفاق وقد سقط، ولم تدم الدويلة وغرقت البلاد في الحروب حتى اتفاق «الطائف» وحتى التحرير من الاحتلال الإسرائيلي. هذه الطبقة السياسية يستمر بعض رموزها والأدهى يستمر نهجها وقد توسعت عدواه لتشمل فئات لبنانية أوسع.
أن نفتح صفحة جديدة مع دمشق على أهميته لا يمكن أن يكون حدثاً تاريخياً. العائدون إلى دمشق فشلوا في إدارة لبنان وطنياً ولا نريدهم أن يعيدوا لعبة الاستقواء بدمشق لأنهم لا يقدرون على حكم البلد من دون مباركتها ورعايتها.
المسألة ليست مع دمشق بل مع الشعب اللبناني الذي يطمح إلى بناء مرتكزات ثابتة لسياسة لبنان الخارجية، الوفاق اللبناني شرطها الأول والتزاماتها العربية شرطها الثاني. في السنوات الأربع الماضية ذهب فريق إلى نقض هذه المرتكزات. تجاوز على الوفاق الوطني وعلى العروبة. المقاومة وسلاحها ليسا ظاهرة طارئة وعابرة وهامشية، كانت المقاومة وما تزال من صلب المشروع الوطني اللبناني. أما العروبة فلا يغطيها الحديث عن الانضمام إلى «محور الاعتدال العربي». هذا الفريق ارتبط مباشرة بالسياسات الغربية لحظة هجومها العدواني على المنطقة واستقوى بوسائل هذا العدوان من القرارات الدولية إلى العصا الإسرائيلية والحرب أو التهديد الدائم بها.
حضور دمشق المشكو منه سابقاً في لبنان بأشكاله المختلفة مصدره ضعف المناعة اللبنانية والانقسامات والصراعات وعجز الدولة. الخروج من حدّي العلاقة التبعية أو العدائية يبنى على المصالح المشتركة التي يمكن تعزيزها ويجب تطويرها بمعزل عن الحسابات السياسية الضيقة. لكن المهمة الآن هي استكمال عملية الخروج من السياسات الدولية التي قادت إلى أزمة العلاقات اللبنانية السورية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى