حوار صريح مع المعارض السوري الدكتور نصر حسن
أجرى الحوار: جان كورد (*)
سؤال 1: أفاد السيد وزير الداخلية السوري أمام الإعلام بأن الانفجار الأخير في دمشق حدث أثناء تعبئة دولاب، برأيكم هل كان هذا الانفجار لمؤخرة باص ايراني مجرّد حدث اعتيادي؟ أم أن وراء التلة تلة؟ ماذا يحدث في دمشق في السنوات الأخيرة حقيقة؟
حول انفجار مؤخرة باص إيراني في دمشق الذي وقع بتاريخ/3/12/2009, بداية أنا ضد العنف أيا كان شكله وغطاؤه وأدينه بشدة في أي مكان وزمان, ونأسف على الضحايا المدنيين اللذين لا ناقة لهم ولا جمل برعونة سياسة النظام , والنظام يتحمل مسؤولية ذلك كاملا أولا, وثانيا إن الحدث له دلالات عديدة, منها أن الباص إيراني , وترافق الانفجار مع وجود أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني /سعيد جليلي/ في دمشق, ووقوع الحادث في منطقة السيدة زينب, وهذا له إشارات بالغة بما للمكان من خصوصية, حيث أعداد كبيرة من الإيرانيين تتواجد فيه لغايات مختلفة تحت غطاء قدسية الأماكن الدينية, وثالثها وقوع الحادث في حالة استرخاء النظام المتصفة بقلة الضغوط الإقليمية والدولية عليه وشعوره الواهم بأنه قوي ومسيطر على الأمن ومستقر, مجمل ذلك يؤكد أن الحادث ليس عاديا أبداً, يدعمه كيفية تعامل النظام معه من خلال حضور وزير الداخلية والرموز الأمنية والرسمية فور وقوع الحادث, والأدهى من كل ذلك هو التفسير الرسمي الساذج الذي جاء على لسان وزير الداخلية ,الذي يبسط الحدث ويستخف بعقول الناس , ومع مركزية النظام الشديدة في التعامل مع هكذا أمور وعدم شفافيته ومنع وسائل الإعلام المستقلة وعدم كشف الحقيقة وإبلاغها للناس, يبقى الذي تسرب من خلال عدسات الكاميرات وشهود العيان وبعض التغطية الإعلامية المباشرة للحدث ,يدلل أن التفسير الرسمي واه وغير مقنع وغير صحيح , إذ كيف بانفجار إطار يحدث كل ذلك العدد من الضحايا (أشارت بعض التقارير المستقلة إلى أكثر من عشرة ضحايا وعدد كبير من الجرحى) وتدمير واجهات مباني سكنية بضمنها واجهة مستشفى الخميني في المنطقة !, والمعروف أن النظام يتكتم بشدة ويمنع وسائل الإعلام من تغطية الأحداث سوى الإعلام المرتبط بالنظام والموجه بشكل كامل ,وفي غياب الشفافية والصراحة تبقى الأمور في إطار تحليل الحدث فنيا وسياسيا للوصول إلى أبعاده الفعلية, وبالمجمل إن الحادث أيا كانت الجهة التي وراؤه له أبعاد داخلية مرتبط بصراع الأجهزة الأمنية وخارجية مرتبط بحالة الفوضى التي تعم المنطقة , فكما هو معروف أن النظام في سورية كبنية أمنية لديه تراكم كبير في (ثقافة) العنف وممارسته الفعلية داخل سورية وخارجها ,ولديه فائض كبير منه, وتلك الأجهزة الأمنية المتعددة لها وظيفة محددة وهي مرتبطة بالقرار السياسي لرأس النظام , جزء من هذا العنف موجه للداخل وجزء موجه للخارج, خلاصة الأمر أن النظام ورغم كل ما يظهر فيه من راحة,هو في حالة داخلية غير مستقرة بحكم تغول وسيطرة الأجهزة الأمنية وزيادة القمع والاعتقالات وغياب الحريات وسوء الحالة العامة للشعب, فدمشق الآن تشهد حالة استثنائية ومرحلة جديدة ,نخشى أن فائض العنف سوف يؤدي إلى تدهور خطير على المستوى الداخلي والإقليمي ,لأن النظام تحلل كليا في البنية الأمنية, وأصبحت هي صاحبة القرار مع ما يتداخل في ذلك من تعقيدات الوضع الداخلي والعلاقات الإقليمية والصراع المتعدد الوجوه والمستويات في محيط سورية, وأيضا استحقاقات كبيرة تفرض على النظام أحد الخيارات الأساسية,إما الاستمرار في السلوك الأمني وسوء نتائجه, وإما الخضوع لاستحقاقات الداخل السوري, وشتان بين المسارين .
سؤال 2: النظام السوري القائم، الذي يسميه بعضهم ب”نظام الأمر الواقع”، ويرى بعضهم أنه “خرج من دائرة الخطر!” بمبادرة الرئيس ساركوزي وفي ظل السياسة الأوباماوية…فهل هذا النظام قدر الشعب السوري؟ وهل خرج فعلاً من دائرة الخطر؟ بل لماذا كان في خطر؟
ليس خافيا كيفية وصول النظام إلى الحكم في سورية, ولا طبيعة تركيبته, بما هي سلطة خاصة جدا ,غير سياسية وغير شرعية نظريا وعمليا ,ولم يستطع النظام رغم وجوده لعشرات السنين من أن يحظى ولو بشرعية مكتسبة عبر فعل إيجابي لاحق ما على الساحة الوطنية أو القومية, وعليه ليس استمرار هذا النظام قدر الشعب السوري أبدا , فالاستبداد مهما تعددت أشكاله ومستوياته فهو زائل ,لأنه أصبح مكشوفا كليا لدى الشعب السوري وضد مصالحه وعبئا ثقيلا عليه, إذ ماذا قدم له غير القمع والفشل والفقر والتفكك وضياع الأرض والكرامة وكسر الإرادة الوطنية, وعليه لا يمكن الحديث عن أن النظام قد خرج من دائرة الخطر على خلفية احتضانه ودعمه من قبل هذه القوة الدولية أو تلك , الخطر المحدق بالنظام وبالشعب السوري هو دوائر متداخلة ,دائرة الخطر الحقيقي هي في الداخل السوري نفسه مع فهم التأثير الكبير على كيفية التعامل الدولي معه, وعليه لا سياسة ساركوزي ولا أوباما مفردين ومجتمعين ,قادرة على انتشال النظام من خطره ,قد تخفف عليه بعض الشيء أو تؤجل استحقاقات معينة ضده, وقد تساهم تلك السياسات غير المبدئية في تخفيف شدة الخطر مؤقتا على النظام , لكن الخطر الحقيقي هو في استمرار العلاقة القمعية مع الشعب ومصادرة الحريات وزيادة وتيرة العنف والاعتقالات والفقر والاحتقان الداخلي والفساد المستشري والبطالة والفوضى التي تضرب أطنابها في طول المجتمع وعرضة, مضافا له علاقاته غير الطبيعية مع إيران واستمرار تدخله في الشؤون الداخلية للدول العربية ,فعلاقات النظام مع المجتمع الدولي ممهورة بحزمة كبيرة من الشروط, لا يستطيع النظام بنيويا تحملها وتلبيتها, وبالتالي كعادته يلعب على عامل الوقت وعلى سوء التطورات التي تحدث في المحيط العربي , خلاصة الأمر أن الخطورة الكلية هي في النظام نفسه ودوره ووظيفته بظل وضع داخلي قياسي في التردي والسوء ,وفي محيط عربي واهن وغير فاعل على الإطلاق, وفي وضع دولي أيضا غير مستقر يتعامل مع التطورات الداخلية والإقليمية بأفق محدود ومتردد وغير واضح هو الآخر.
سؤال 3: لماذا لا تستطيع مجموعة ما لا تزال تسمي نفسها ب”الجبهة الوطنية التقدمية” وعلى الأخص حزب البعث العربي الاشتراكي الخروج من ظل هكذا نظام؟ وهي التي كانت تتغنّى ب”الثورية”؟
من الظلم والسطحية أن نتكلم عن وجود ما للبعث في سورية, هنا يجب قول كلمة عقل وعدل وحق بشكل واضح وصريح ,فالبعث تمت تصفيته أو (تشفيته)عدة مرات على طريقة الجزار, الأولى في 23 شباط 966 , حيث تمت تصفية قيادته وخيرة عناصره بقوة السلاح من قبل مجموعة طائفية استغلت بدناءة وطنية ونزاهة ولا طائفية القيادة التاريخية للبعث ونخبة كوادره المتنورة, والمحطة الدموية الثانية في تشرين 1970, بتصفية حافظ أسد لرفاقه وإقصاء البعث كفكر وتنظيم ومبادئ وأفراد كليا, مع الحفاظ على اسمه وشكله لفظيا,استمرارا لدور خطير فعله, وهو نسف الفكر القومي العربي من الأساس وتشويهه وتعطيل مشروع التحرر الوطني والقومي, والقضاء على بوادر الدولة الوطنية, هنا ومن موقع مستقل وبشكل موضوعي, أقول أن النظام في سورية ليس له علاقة بالبعث ولا بالوطنية ولا بالقومية, بل استخدم قوة السلاح وصفى البعث وسيطر على الجيش وشوه تركيبته الوطنية ودوره, وعسكر الحياة المدنية وشوه تركيبتها الاجتماعية, فهل نظام بهذا السلوك والأفعال والنتائج له صلة بالمبادئ أو الوطن أو الشعب .!أو حتى صلة بالطائفة العلوية الكريمة التي وظفها وأقحمها في مشروع طائفي فردي عائلي خطير على مستقبل سورية, معظم قيادة البعث وكافة الوطنيين والإسلاميين واليساريين والاشتراكيين والقوميين تمت تصفيتهم في السجون واعتقالهم وتشريدهم وقضى البعض منهم ربع قرن في سجون (الأمة العربية الواحدة )! , هنا رغم أنني بصدد نقد شامل لما يسمى بسلطة البعث ,ولدي من الملاحظات الأساسية الكثير , فبالتزام قدر يسير من الموضوعية وقيم الضمير والوجدان والنزاهة والمسؤولية الوطنية, يجب التأشير بصراحة على الانحرافات الكبيرة, وعن كم العنف المريع الذي مارسه النظام تحت اسم البعث وشتى المسميات المقدسة, الصراحة هدفي ولا أدافع عن الشيطان, بل أتهمه ولا أقصد من وجهة نظري تلك سوى قول نسبة الحقيقة التي أراها وكشفها للرأي العام السوري وضرورة التمييز بين الضحية والجلاد, لفهم أن النظام الحاكم في سورية هو مجموعة متسلطة وضد البعث واليسار واليمين والدين ,هدفها الأول والأخير هو السيطرة على حكم سورية ,وتأدية أدوار ضد مصالحها الوطنية والقومية ,عذرا للإطالة ,إذ يتوجب توضيح من هو هذا النظام ؟!,وماذا يريد ؟!,وماذا فعل بالشعب السوري من نكبات ؟! وما صلته بالبعث والمبادئ؟! أضرب مثالا ولو فرديا لكنه انعكاسا مكثفا لحالة عامة, هذه الرسالة التي تراها هي بخط المرحوم صلاح جديد شريك حافظ أسد في انقلاب 23شباط 966 , انقلب عليه حافظ أسد لاحقا رغم أنه من طائفته واعتقله مع المرحوم نور الدين الأتاسي رئيس الجمهورية ووضعهم في سجون سلطة البعث لما يقرب من ربع قرن ولم يشاهده أهله ( صلاح جديد), ولا يفهم من حديثي أي رائحة طائفية, فأنا أمقت الشعور الطائفي أيا كان شكله ومذهبه, وأحترم التركيب الطائفي في سورية بما هو تكوين واقع وتاريخ ,والسلوك الطائفي شيئا آخر, غريزي بغيض مضر ومتخلف, قلت وأكرر لو لم ينتم حافظ أسد وعصابته إلى الطائفة العلوية الكريمة لاخترع طائفة أخرى, لأنه مرتبط بتكوين وعقلية ودور ووظيفة, من خلال ما فعله في البعث وسورية, واتساقا مع فعله ذاك وليس تماشيا سطحيا مع عقلية المؤامرة وإلقاء اللوم على الآخر, والإنسان البسيط بدون محاكمة وتحليل طويلين, يرى ماذا حل بسورية من تردي في حكم (رعاع وحثالة) , لا أخفي عليك, رغم موقفي واختلافي مع المرحوم صلاح جديد فكريا وتنظيميا حول أمور كثيرة ,لكن عندما وصلتني الرسالة الوحيدة له بخط يده سربها من سجنه في دمشق قبل سنوات إلى ابنته الوحيدة وتوفي في ظروف غامضة لاحقا في السجن, وعندما قرأتها للمرة الأولى أربكتني من الناحية الإنسانية لبعدها العام في سورية, إنسان تم اعتقاله على خلفية موقف وطني قومي ولديه طفلة عمرها شهور, وواضح أنها لم تتذكر حتى صورة والدها, لأنها فيزيائيا لم تعرفه وبعد عشرين عاما أو يزيد ترسل رسالة لوالدها وهو في السجن ويرد عليها بكلمات الرسالة هذه, رغم قصرها تدلل مدى حجم المأساة الوطنية والقومية والإنسانية التي حلت بالشعب السوري, طبعا هذه تعكس حالة عامة مارسها النظام ضد الشعب السوري في حماه وحلب ودمشق والقامشلي وكل سورية, هذا هو النظام أستاذ جان, نظام صفى حزبه ورفاقه, نظام تسليم الجولان هدية لإسرائيل, نظام وزير دفاعه يخسر حرب 1967 وبعد ثلاث سنوات يصبح رئيسا للجمهورية ! نظام ألغى الشعب ودمر المدن كما حدث في حماه 1982, حيث فتك بالمدنيين وهدمها فوق الأطفال والنساء, وكما تعلم إن المفقودين والمشردين الموثقين في ملفات منظمات حقوق الإنسان الدولية هم بعشرات الألوف, نظام يتوسل الاستسلام ويهب الأرض الوطنية مع سكانها إلى إسرائيل وتركيا, نظام يعتقل خيرة المثقفين السوريين من قيادة إعلان دمشق والمعارضة الديمقراطية, وهم لم يفعلوا شيئا سوى حرصهم على الوطن وبوجود النظام!, نظام يعتقل رياض سيف والدكتورة فداء الحوراني ومشعل تمو ونشطاء الحركة الوطنية الديمقراطية عربا وأكرادا ومن كل مكونات الشعب السوري, نظام يقتل المواطنين الأكراد وهم في أداء الخدمة الإلزامية في الجيش!, أخيرا ملفات النظام كبيرة ولا إنسانية ومرعبة داخليا وخارجيا, فهل لازلت مصراً على أن حزب البعث يحكم سورية وتريد أن يكون له دور؟!, أما الحديث عن دور ما للجبهة الوطنية التقدمية, يصبح عبثيا في ظل هكذا نظام! حيث لا يقبل الآخر سواء كشعب أو كشريك, سوى قطيع وتابع بكل ما تعني الكلمة من ذل ومهانة, باختصار هي شريك النظام بكل ما جرى ويجري في سورية, وشاهد زور معه ضد الشعب السوري.
سؤال 4: علام تختلف المعارضة الديمقراطية والوطنية السورية مع النظام؟ وعلى أي الجبهات والمواقع تتفّق معه؟
على حسب علمي أن كافة فصائل المعارضة الوطنية الديمقراطية مفترقة كليا مع النظام, والشيء المشترك بينهما هو مصلحة الشعب السوري ومستقبله, النظام يسجنها ويمثل فيها بخسة, والمعارضة تحاول سلميا فك أسرها, المعارضة السورية على مستوى الداخل والخارج موحدة في الموقف الوطني والسياسي من النظام وبرنامجها واضح وصريح سواء في إعلان دمشق أو جبهة الخلاص أو بقية تشكيلات المعارضة وكلها ملتقية على هدف التغيير الوطني الديمقراطي السلمي, وتعمل على هذا الهدف حسب ظروفها وممكناتها, وبالتالي المعارضة مختلفة جذريا مع النظام وبرنامجها بالضبط هو عكس برنامج النظام, ورغم كل هذا واتساقا مع طبيعة العمل الديمقراطي الذي تؤسس له المعارضة وهو إلى الآن معطى نظري, لأن ممارسة الديمقراطية لها معنى بوجود العلاقة العملية /سلطة – معارضة/ وبرامج سياسية وانتخابات حرة ورقابة نزيهة التي يلغيها كليا النظام , ومع مرونة المعارضة الكبيرة ودعوتها إلى الإصلاح من الداخل والتدريجي وبوجود النظام وحتى بشروطه,على أن يفسح قدر بسيط من الحرية تمارس فيه عملها بالحد الأدنى من الإصلاحات السياسية والتشريعية التي تسهل ذلك, لكن النظام لا ولن يستجيب, ولا ولن يعترف بالمعارضة, بل يسجنها ويلاحقها باستمرار, فكل قيادة المجلس الوطني لإعلان دمشق في السجن, وكل رموز نشاط المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان في السجون, وعملية الاعتقالات نشطة ومستمرة على أكثر من قدم وساق, وفي الشهور الأخيرة اشتدت وتيرتها بين صفوف الحركة الوطنية الكردية, طبيعي كان الأسلم لسورية وللنظام وللمعارضة في هذه الظروف غير المستقرة,فسح مجال من الحرية لإشراك المعارضة, وهذا مفيد للنظام أيضا,لكنه إجرائيا مصر على حكم سورية بقوانين حالة الطوارئ, وبنيويا لا يتحمل ولا يقبل وجود الآخر سوى تابعا أو صامتا أو سجينا, والمعارضة ليست تابع ولا يمكن أن تكون مع الجلاد ضد الضحية.
سؤال 5: لقد حافظ الغرب والشرق على النظام في عهد الأسد الراحل باعتباره – حسب رأيهما – عنصر أمن واستقرار في المنطقة، فهل إزالة هذا النظام يبعث المخاوف من أن تصبح سوريا مصدر تعكير للأمن والاستقرار حقاً؟ أم أن النظام يقدّم للقوى الدولية ما لا تستطيع المعارضة التنازل عنه أو المساومة عليه؟
العلاقات الدولية هي فن إدارة عملية الحفاظ على المصالح الوطنية في المقام الأول , والغرب والشرق له مصالح أساسية في سورية والعالم العربي وهذا طبيعي ومشروع, الأساسي فيها معادلة الصراع في العالم العربي الناتج عن احتلال فلسطين, وما ترتب عليه من نتائج سلبية كبيرة على سورية والعالم العربي, وموقف الشرق والغرب مبني تماما على مصالحه التي يجنيها من وجود إسرائيل, هنا لا مجال أبدا للعوامل الأخلاقية أو المبدئية, بهذا المنحى هذا عمل مفهوم, على الجانب الآخر أين النظام السوري من الحفاظ على مصالح شعبه الوطنية والقومية؟! ماذا فعل لمساعدة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال والإبادة والتهجير والمعاناة الإنسانية النازفة لعشرات السنين؟! باختصار إن النظام السوري كسب رضا الغرب والشرق من خلال التخلي كليا عن مصالح الشعب السوري والفلسطيني والعربي بشكل عام , وأكثر من ذلك ,قبوله أن يكون عتلة أساسية للغرب والشرق في خدمة مصالحهما المكثفة ميدانيا في مصلحة إسرائيل , وبمقارنة بسيطة مؤسفة, نرى أن إسرائيل منذ احتلالها فلسطين أصبحت أقوى (دولة) في المنطقة عسكريا واقتصاديا وأكثرها تقدما وديمقراطية, (ديمقراطيتهم غير ديمقراطيتنا)! وسورية الدولة الوطنية التاريخية أصبحت من أكثر دول العالم فسادا وتخلفا وضعفا في كل شيء,وفيها أعلى معدلات الفقر والفساد في العالم , طبعا لا يفهم من المقارنة سوى توضيح كيفية الحفاظ على المصالح , فالاحتلال يبقى احتلال مرفوض وغير شرعي بكل القوانين والأعراف الدولية وهذا شأن آخر ,الذي أريد قوله أن وعد /بلفور /المشؤوم رسم عام 1917دولة افتراضية قائمة على احتلال فلسطين العربية , أصبح الافتراض واقع خلال نصف قرن , وإسرائيل اليوم وضمن موازين القوى الحالية هي أقوى (دولة) في المنطقة والعالم , والدولة التي كانت قائمة واقعيا (أي سورية) تم القضاء عليها كليا ومجازا الآن تسمى دولة ,فالنظام خسر كل حروبه مع إسرائيل وخسر الأرض الوطنية والكرامة والتنمية البشرية والتقدم في كافة مناحي الحياة, ولم يحقق شيئا سوى القمع والفساد والضعف والفشل الوطني العام, واللعب البائس على أوتار الحروب الباردة والساخنة لمصلحته الفردية على حساب معاناة الشعب السوري كله, فالنظام عمليا هو العنصر الرئيسي في حالة عدم الاستقرار وليس الاستقرار كما تفضلت, الاستقرار الذي وفره النظام ,هو الاستقرار في حماية مصالح الغرب والشرق على حساب غير الاستقرار لسورية ومحيطها العربي ومصالحهم, أين الاستقرار في سورية أو فلسطين أو لبنان أو العراق أو اليمن أو …..؟!, النظام لعب بجدارة وقلة أدب وأخلاق على أوتار الصراعات الدولية التي أوصلت سورية والمنطقة العربية إلى هذا التردي, وبهذا المنحى قدم النظام خدمات كبرى ولا يزال للنظام الدولي في العالم العربي, المعارضة السورية الديمقراطية رغم ضعف إمكانياتها وظروفها الداخلية ,لكن موقفها قوي وواضح ووطني, ولا تستطيع أن تكون امتدادا لهكذا نظام أو منافسا أو شريكا له على هذا الطريق الآسن, فالشعب السوري له مصالح وحقوق وكرامة ,لا يمكن التخلي عنها أو المتاجرة فيها في بازار السياسة العالمي,وفي إطار العلاقات الدولية المشروعة المتوازنة التي تريد الاستقرار الفعلي تستطيع المعارضة أن تقدم الكثير, وتكون عامل الاستقرار الحقيقي على كافة المسارات في سورية والعالم العربي,لأنها ببساطة تمثل إرادة الشعب ولا تمثل مصالح فئة,وبرنامجها الأساسي تحقيق مصالح الشعب وحماية الأمن الوطني والقومي والمصالح القومية العليا, وشتان بين مسار النظام التابع الذي يخدم مصالح الآخرين على حساب شعبه, ومسار المعارضة الوطني الديمقراطي المستقل الذي يحركه مصالح الشعب وصيانة مستقبله.
سؤال 6: في مؤتمر ضم سوريين وسياسيين من بلدان عربية وأوروبية، إضافة إلى منظمات دولية وأمريكية وتركية، في اسطنبول، طالب بعض أعضاء الاتحاد الأوربي المعارضة السورية الديمقراطية بالاقتراب من النظام بدل الابتعاد عنه، وذلك بهدف إغرائه وتشجيعه للقيام بإصلاحات سياسية خطوة بخطوة، وأثاروا تجارب الدول والشعوب في أوروبا الشرقية للتخلّص من الشيوعية، ماذا تقولون لهؤلاء؟
رغم تفاؤل المجتمع الدولي بالمرحلة التي تلت توريث بشار أسد سورية (وهذه مفارقة) وبناء على ما جاء في خطاب قسم الوريث ووعوده بالإصلاح عام 2000, أبدت المعارضة السورية الوطنية حسن نيتها رغم كل الملفات المرعبة التي ارتكبها النظام بحقها, وعبرت عن موقف عملي في منتهى المرونة, خلاصته ,رغبتها في فتح صفحات جديدة من قبل النظام على خلفية وعوده وتجنبت أي طرح محرج للنظام ,بل كل طلباتها معقولة وقابلة للتحقيق من قبل النظام وليس فيها أي إعجاز, واقتربت من النظام إلى أقصى مدى ممكن, وانتظرت وحددت برامجها على هذا الأساس, قابلها النظام بالمركزية الشديدة وبزيادة وتيرة القمع ومصادرة الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وزيادة الفساد وتضييق هامش عمل المجتمع المدني إلى أن اعتقل المعارضة الداخلية بالجملة وأوقف كل نشاط وأغلق منظمات حقوق الإنسان واعتقل رموزها وهم الآن كلهم في السجون أو في المنافي, لاشيء يغري النظام سوى الاستئثار في السلطة والإقصاء والقمع والسيطرة على سورية ونهب ثروتها , وأيضا يغريه معارضة ملحقة فيه وتابعة له, فالمقارنة بين ما حدث في دول المعسكر الشرقي سابقا وسورية غير موفقة ,لأنها تختلف كليا في طبيعتها وفي أدواتها وفي مسارها وفي موقف المجتمع الدولي منها, المجتمع الدولي دعم المعارضات في تلك الدول بكل ما يستطيع من قوة ومال وإعلام وخبرة مؤسسات دولية ,وضغط بكل قوته على طريق تفكيك المنظومة الشرقية وتابع ميدانيا إمداداته المختلفة لتتمكن تلك المعارضة من استلام السلطة وبناء منظومات ديمقراطية جديدة, هذا لم يحصل ولا جزء يسير منه مع المعارضة السورية في مواجهتها مع أسوأ الديكتاتوريات في العصر الحديث, فالمسار مختلف وموقف المجتمع الدولي مختلف كليا, ماذا فعل المجتمع الدولي من أجل اعتقال رموز العمل الوطني الديمقراطي في سورية؟! وهم الآن بالسجون بالعشرات, بل لم يتخل عن تبني النظام وكل ما فعله هو استمرار المراهنة على إمكانية تهذيبه حفاظا على الاستقرار في منطقة تلفها الأزمات والحروب والصراعات التي لها أول وليس لها آخر, ومع ذلك أعتقد أن كل أطراف المعارضة تتمتع بنظرة واقعية وعملية, ورأيي الشخصي أنها مستعدة وقادرة على اتخاذ الموقف الذي يخدم قضية التغيير الوطني الديمقراطي السلمي ويحافظ على الاستقرار في سورية والمنطقة,لكن بشرط أن يتم دعم موقفها حقوقيا وإعلاميا, وتبيان ذلك ولو بالضغط على النظام لإطلاق سراح المعتقلين من قيادة إعلان دمشق والحركة الوطنية ونشاط حقوق الإنسان ومعظمهم يحظى لدى المجتمع الدولي بالاحترام النظري إلى الآن, ما حدث في المعسكر الاشتراكي مختلف والشعوب لا يمكن لها أن تنجح في المواجهة بمعزلها ما لم تتوفر لها موازين قوى مادية ميدانية تؤهلها للنجاح والتغلب على الديكتاتورية والاستبداد, ومع أن قضية التغيير في سورية هي من اختصاص الشعب السوري, لكن التغيير كان ولا يزال في أي دولة في العالم ليس وحيا بل هو موازين قوى وتقاطع مصالح ورغبات وإرادات, للأسف إلى الآن لا تزال غير واضحة من قبل المجتمع الدولي بما يخص التغيير الديمقراطي في سورية.
سؤال 7: هل هناك التزامات سورية صوب إيران؟…ولماذا لا يستطيع الانفكاك عنها رغم أنها تهدد الأمن العربي في دول الخليج والعراق ولبنان، قبل أن تشكّل مصدر دعم وسند للقضايا العربية؟
علاقة النظام السوري مع النظام الفارسي متعددة العوامل,الظاهرة منها هو موقف إيران مع القضايا العربية وخاصة في فلسطين وهذا مدخل يسهل لها الدخول في نسيج المنطقة واللعب على أوتار الصراعات الموجودة فيها, والباطنية هو علاقة مذهبية بدأت تفصح عن نفسها بدعم وجود فئة معينة في لبنان وتكبير دورها لحد ابتلاع لبنان والسيطرة على الدولة والقرار فيه, يماثله دخول إيران وتنظيماتها المتعددة تحت مختلف النشاطان الجسم الاجتماعي والأهلي في سورية, بعد أن تسللت وبقوة إلى الجسم السياسي وأجهزة الدولة من الجيش إلى المخابرات وفروع الأمن, وتعلم والجميع مدى حملات التشيع التي تعمل بكل حرية في مدن سورية, في حين المواطن السوري لا يستطيع أن يعبر عن رأيه,عملية التشيع أخذت منحى خطير وهذا ليس تكهن أو تحليل أو موقف سياسي ,بقدر ما هو إحصائيات ووثائق لعدد المتشيعين ومدنهم وعدد الحسينيات ورياض الأطفال وورش التبشير المذهبي التي فتحت أمامها سورية, وكأنها خان بلا باب ولا بواب, في حين تغلق حتى فرص العمل على المواطن السوري ,فما بالك بالعمل السياسي, والنظامان السوري والإيراني يعملان كفريق واحد في سورية ولبنان وفلسطين والعراق بفرق وتمايز خطير, هو أن إيران لها إستراتيجية واضحة وتملك برنامجا محددا ولديها كوادر مختصة على طريق تنفيذ على الأرض, والنظام السوري فاقد ذلك وهو عبارة عن ورقة في يد إيران تستخدمها لمصالحها على الساحة العربية وفي صراعها مع المجتمع الدولي على أساس تقدمها التكنولوجي والعلمي وحلمها الإمبراطوري, وعليه كان الأجدر للنظام أن تكون علاقته جيدة مع إيران ضمن توازن المصالح والاحترام المتبادل وعدم السماح لها باللعب في النسيج الديني والاجتماعي في سورية ولبنان وفلسطين والعراق واليمن والحبل على الجرار,على هذا الأساس ليس في مقدور النظام الحالي الخروج من دائرة التبعية لإيران, بحكم ولاء مذهبي أولا والإستقواء فيها على العرب والمجتمع الدولي ثانيا ,والأخير وهو الأخطر أننا في سورية على أبواب سماع بحزب الله السوري في أي أزمة فعلية يتعرض لها النظام وتهز وجوده ومصيره مستقبلا, على أن من مصلحة سورية قيام علاقات ودية مع إيران خارج هذا المستوى الذي وقع النظام فيه وورط الشعب السوري في توليد صراعات هو في غنى عنها.ً
سؤال 8: الدول العربية التي يهمها انتزاع سوريا من أحضان ملالي قم وسياسة طهران، تكاد لا تقدّم أي دعم فعلي للمعارضة الوطنية والديمقراطية السورية. ما السّر في ذلك؟ أم أنني مخطئ في هذا القول؟
المعارضة السورية وجهها مدني ديمقراطي وبرنامجها إصلاحي واضح وأسلوب عملها سلمي ذاتي ومستقل, معارضة بهذه المواصفات والأهداف لا تغري الدول العربية في دعمها,هذا عدى عن أن كل الأنظمة العربية لا تقبل بل ويصيبها هستيريا (وطنية) من كلمة معارضة مدنية, وإمكانية انتزاع النظام السوري من حضن إيران ليست بسيطة على الإطلاق, وعملية التغيير الوطني الديمقراطي السلمي هي الحل المفيد في هذا الخصوص.
سؤال9: بعض المعارضين السوريين يتهمون النظام السوري بالجبن لمنعه آلاف الشباب السوريين من الالتحاق ب”المقاومة العراقية” ضد الحكومة العراقية الحالية…برأيكم هل “تحرير العراق من السيطرة الأمريكية” واجب الشباب السوري والنظام الدمشقي بدلاً عن واجبات وطنية سورية أخرى ملّحة؟
من هم هؤلاء المعارضون؟! أم أن السؤال افتراضي ويبطن معرفة رأيي لما يجري في العراق وموقفي منه!, بكل الأحوال سأقول بصراحتي المعهودة, أن النظام لم يوفر طريقة وفرصة إلا واستخدمها في سبيل عرقلة تسوية الأمور في العراق وإطالة أمد الاحتلال, ومعروف من هم اللذين يلعبون بأرواح ودماء واستقرار الشعب العراقي, واجب النظام السوري أن يحل مشاكل شعبه ويحرر أرضه ويقدم الحرية ورغيف الخبز للشعب السوري, وفي حالة الفائض من القدرات الخيرة يستطيع أن يقدمها لمحيطه العربي على مبدأ ((الأقربون أولى بالمعروف)) بدءا بفلسطين والعراق, ولا ننسى مئات الفلسطينيين المهجرين من العراق (الديمقراطي) الجديد اللذين يصارعون الحياة مع أطفالهم ونسائهم في الصحراء في خيام الإغاثة الدولية لسنوات,على حدود نظام التحرير والممانعة بلا ماء ولا دواء ولا كهرباء ولا صحة ولا مدرسة ولا غذاء !سوى ما يصلهم من منظمات الإغاثة الدولية, إن ما يعيشونه وصمة عار في جبين النظام وكل العرب والديمقراطية والإنسانية!, عار أن يبقوا هكذا في الصحراء العربية بدون مأوى فهم عرب وبشر بالمحصلة, ما يجري في عالمنا العربي أستاذ جان ممزق للضمير والوجدان, فأين المحررين والتحرير من هذه الأنظمة المارقة؟!.
إن تحرير العراق من الاحتلال هو واجب الشعب العراقي, ومطلوب من العرب دعم الاستقرار فيه والحفاظ على وحدته وهويته وخيارات شعبه, وفي حالة العجز عن القيام بأي دور إيجابي مفيد للشعب العراقي كما هو حاصل اليوم, حري بهم أن يتركوا العراق وشأنه, وأن يبتعدوا عن استغلال ظروفه واللعب بدمائه ومستقبله, وهذا شأن الشعب العراقي أولا وأخيرا.
سؤال 10:
لماذا يتشدد معارضون سوريون كالنظام القائم تماماً في موضوع “الجولان” ويتساهلون في موضوع “لواء إسكند رون ” الشهير بموقعه الاستراتيجي والثري بخيراته وجمال طبيعته وسعة مساحته؟ فهل هناك جزء من الوطن أغلى من جزء؟ أم أن الاحتلال التركي غير الاحتلال الإسرائيلي؟ ما رأيكم في الموضوع؟
جواب:
ليس هناك تشدد أو تساهل في الحق ، بل هناك تمسك فيه واستعداد وتنمية مستمرة لموازين القوى المادية ووسائل مختلفة للمطالبة فيه وتحريره من الاحتلال، الحق لا يضيع وخاصة إذا كان ذو بعدا وطنيا ثابتا ولا تملك أي سلطة أو حاكم حرية التصرف فيه ، فالنظام كما هو مقروء يتعامل مع سورية كمزرعة ، كقصر كثروة مباحة وشعب مستباح.
هذا النظام كما ينطق واقع حاله أوصل سورية كلها أرضا وشعبا ومصالح إلى الضياع ، فاللواء والجولان أراض سورية يجب أن تعود إلى أصحابها ،هذا موضوع شرعي قانوني لا يقبل المساومة ،لكن له نهجه وزمنه وموازينه ونظامه وجنوده ، ليس هناك تفاضل في القيمة الوطنية والإنسانية لأي جزء على آخر من الأرض الوطنية ، فكلاهما جزء محتل من سورية الجميلة التي شوهها النظام بالتخلي عن الأرض الوطنية وإدمان القمع والتهجير والترييف والفقر والفساد والتسول على أرصفة القوى الإقليمية والدولية ، الاحتلال هو الاحتلال سواء كان تركيا أو إسرائيليا أو أيا كان…
المعارضة السورية الديمقراطية بنهجها وبرامجها المعلنة ضد كل أشكال الاحتلال ،وتحافظ على موقف واضح من التمسك بالحقوق والأرض الوطنية وتحريرها .
سؤال 11:
بعض المعارضين يقرّون بوجود شعب كوردي إلى جانب الشعب العربي وأقليات قومية أخرى في سوريا، ووجود قضية كوردية ساخنة، وبعضهم يعتبر هذه القضية قضية وطنية أساسية يجب أن تُطرَح على بساط البحث والنقاش ضمن المعارضة، وخاصة فإنّ النظام يوغل في سياسة التمييز والتفرقة، بهدف تشتيت قوى الشعب السوري…برأيكم: هل هناك قضية قومية كوردية أصلاً في سوريا وخارج سوريا؟ وماذا تطرحونه باختصار داخل صفوف المعارضة لا فشال سياسة التمييز هذه؟ أم أنكم متفقون مع النظام حيال إنكار وجود هذه القضية؟
جواب:
بداية أوجه تحية للحركة الوطنية الكردية في سورية على مواجهتها المستمرة للاستبداد ، والتي تبنت الهدف الديمقراطي وأسلوب العمل السياسي المدني السلمي في إطار وحدة سورية ،وابتعدت كليا عن العنف والتطرف رغم خصوصية المواجهة مع نظام متطرف اتخذ العنف وسيلته في التعامل مع الشعب ،فالمواطنون الأكراد هم جزء تاريخي من الشعب السوري، ولم يهبطوا خلسة بالمظلات من السماء ،أو قدموا من الصين ، هم أصحاب حق موضوعي لا ينفيه تجاهله من قبل النظام أو هذا الطرف أو ذاك ، كما أنه لا يحققه المجاملات النظرية السطحية ، لذالك نرى ضرورة وعي الحق بقيمته وحدوده وعدم توسله من النظام أو من أي طرف وطني آخر ، بل تبني المعايير والبرامج الوطنية للمطالبة فيه ، المسألة أبعد من المواساة بالحق بكثير.
ومع احترامي لجميع المقاربات الوطنية النزيهة الحريصة على حل المشاكل الوطنية بشكل صادق وصحيح، أقول أن المشكلة الكردية في سورية هي جزء من المشكلات الوطنية العديدة التي أنتجها النظام ، وهي بواقعها الموضوعي مشكلة شاقولية ، بمعنى أنها بين النظام والمواطنين الأكراد بما هم جزء أصيل من الشعب السوري ، حاول النظام بشتى الوسائل غير الإنسانية التلاعب فيها وحرفها عن مسارها الوطني ،وإزاحتها أفقيا بين الأكراد ومكونات الشعب السوري الأخرى ، ومارس كل ما من شأنه تشويه بنيتها الثقافية والاجتماعية والدينية وحتى بيئتها الجغرافية.
نعم أستاذ جان هناك مشكلة وطنية يعاني منها المواطنون الأكراد السوريين ، الإنصاف والنزاهة وضرورة الحل تفرض الإقرار بذلك ، المواطنون الأكراد السوريون تعرضوا ويتعرضون لظلم كبير وانتهاك صارخ للحقوق والكرامة، وهي مشكلة وطنية عميقة في الشكل والمضمون ، نرى أن يتم توصيفها وتعريفها وتسميتها بشكل نزيه يعكس حقيقة المشكلة وليس سطحها أو تغليفها بكلاما نظريا إيديولوجيا يؤخر ولا يقدم حل المشكلة ، لاشك أن هذا يتطلب وعيا وتفهما وطنيين عاليين كمقدمة لمعالجة وطنية صريحة جريئة عادلة على أرضية الوحدة الوطنية.
هنا يجب القول بصراحة ، بأن بعض المفاهيم والمصطلحات المطروحة هي أقرب إلى الشعارات الموسمية ولا تعكس أبعاد المشكلة الفعلية ، والكثير منها مسقط عليها بحسن نية وسوئها ، ذلك أحدث الكثير من اللبس والارتباك في الموقف من المشكلة الكردية في سورية ، إحدى أهم تلك الإشكاليات هي كيفية التعامل مع مفاهيم/ الدولة -الشعب -الحقوق -الأرض –المستقبل/ ، لابد من وجود واجهات وطنية سياسية شرعية مؤهلة وقادرة وتريد الاتفاق على الأساسيات الواقعية الموضوعية للمشكلات الوطنية وليست الافتراضية النظرية ، من نافل القول أن الدولة كما هو معروف لها شعب واحد وجغرافية واحدة ونظام سياسي واحد ، وهذا الواحد تعددي يتألف تكوينا من أفراد متباينين في الدين والمذهب والثقافة والعرق ، لكنهم متساوين في القيمة القانونية والوطنية والإنسانية.
نأخذ مثالا واقعا اليوم ،في أكثر الدول عراقة وذات نظام سياسي ديمقراطي متطور حر، يوجد فيها شعب واحد وأرض واحدة وسلطة واحدة، والأمثلة كثيرة وحضرتكم تعيشون في إحدى أهم الديمقراطيات الغربية، وتدركون قيم التعددية ضمن نظام سياسي مؤسسي ديمقراطي يتساوى فيه جميع المواطنين أمام القانون بدون تمييز أو استثناء، وبالتالي يجب التأسيس النظري السليم والتعامل الصحيح مع المفاهيم والتعبير عنها بشفافية ومنهجية، وتبني السليم منها وترجمته إلى برامج سياسية واضحة تعكس هدفها الحقوقي والسياسي وتوضح بدون لبس نوعية العلاقة مع الآخر الوطني ، وأيضا قابلة للحوار مع شركاء الوطن للوصول إلى حل المشكلات الوطنية ومنها المشكلة الكردية.
برأيي هذا هو المدخل الأساسي الوطني الفكري الثقافي السياسي الحقوقي الإنساني لحل المشكلة ، أرى بالدرجة الأولى ضرورة النظرة الكلية للشعب السوري، وعدم تجزئة الظلم وبالتالي الشعب، بل إيجاد حل لمشاكل الشعب السوري كله، هذا الحل لا يمكن أن يكون عادلا ومرضيا للجميع سوى بمرجعية وطنية جامعة وبوجود نظام ديمقراطي تعددي ومؤسسات مستقلة وانتخابات حرة وبرلمان منتخب من الشعب يعبر عن إرادة الكلية الاجتماعية والعرقية في سورية.
ففي ظل حالة القمع المستمر ومحاولات النظام إزاحة أزماته أفقيا بين مكونات الشعب السوري، وضمن حالة شاذة من الفوضى الإقليمية والدولية التي أرخت مفاعيلها على سورية والعالم العربي ، يجب أن لا نرتبك في قراءة الواقع ، ولا نشتق خطابنا الوطني والسياسي من ردود أفعال على سلوك النظام الظالم ، وأن لا تضغط علينا الظروف المريضة الاستثنائية التي نعيشها فنضل الطريق المستقيم إلى المستقبل ، بل أرى أن نؤسس عمليا لحل كامل وطني عملي لجملة مشاكل الشعب السوري ، بتكثيف الأمر ،الدولة الوطنية هي الحل الأمثل لمشكلة الأكراد والعرب وعموم مكونات الشعب السوري، الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية هي الشكل الوحيد الذي يساوي بين المواطنين ويحافظ على حقوقهم وكرامتهم وخصوصيتهم بقوة القانون الذي يتساوى فيه الجميع بدون استثناء أو تمييز أو ترقيم.
وعليه يجب الوضوح في الفهم والطرح وتنقية البرامج من المفاهيم المربكة التي تزيد حالة التشويش والاحتقان والشحن العصبي المتبادل ، وهذا الأخير يصب في خانة النظام ويمنحه قوة مجانية ، وبالمحصلة تزيد معاناة الشعب السوري ، وأيضا برأيي يجب تصحيح ذلك الفهم المشوه للديمقراطية الذي يطغى على الساحة الوطنية، أي الديمقراطية العددية أو الحصصية أو الطائفية أو اللفظية التمييعية ،والتي لا أرى مصلحة البتة للحركة الوطنية الكردية في تبنيها ، هذا شيء خطير في المجتمعات القائمة على التنوع والتعدد الديني والاجتماعي والعرقي ، وغير المتوازنة عدديا في جغرافية بشرية محددة بحكم تكوينها التاريخي ، ديمقراطية المؤسسات والقيم وليس العدد هي الحل ، عندها يتم انتشال الصراع من طابع فئوي عصبي إلى أفق قيمي وطني سياسي عام.
وبهذا المنحى فإن الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية هي الحل الأنجع لتسوية المشاكل الوطنية ، عندها ينتقل العمل الوطني إلى مستوى سياسي آخر ،محدداته التفاعل والعمل المشترك على صياغة مستقبل يحترم خصوصياتهم وفيه شخصيتهم الفردية والجماعية ، بخلاف ذلك لا حل آخر سوى استمرار التشقق ودوام الاستبداد والظلم وتعدد أشكالهما ، لاشك أن هناك تراكم كم هائل من الظلم والتهميش والتجريد من الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية والاعتقال والقتل وسد أبواب العيش أمام الكثير من المواطنين الأكراد ،لكن هذا الظلم وقع بنفس النسبة وأسوأ على بقية المواطنين السوريين ، حماه مثالا صارخا.
واسمح لي بقليل من الاستطراد ، ليس انسياقا وراء التباري في حجم الظلم، بقدر ما أقصد توضيح أن النظام وزع الظلم على الشعب السوري كله بدون استثناء ، كما تعلم أستاذ جان حوصرت مدينة حماه لسنوات وحرمت من الغذاء والدواء والماء والكهرباء ، وعوقبت بشكل جماعي وتم تصفية المواطنين بمحاكم ميدانية في الشوارع ولم يستثن الأطفال والنساء وكبار السن ولا حتى دور الأيتام والعجزة ، ترافق ذلك مع حملة مسمومة في عموم سورية ضد سكانها ، تسلسل ذلك بهمجية ليس لها مثيل سوى منفذيها ،إلى أن تم حصارها وعزلها عن المدن السورية وعن العالم الخارجي في شباط المشؤوم عام 1982، وتم قصفها على مدى شهر بكل أنواع الأسلحة الثقيلة ،بالطائرات والصواريخ والأسلحة المحرمة ودمرت المدينة الخالدة فوق سكانها.
وعلى أشلاء الضحايا والدمار دخلت الدبابات والمدفعية وكل آليات قوات الرعاع والحثالة إليها، وأشلاء الجثث في الشوارع والمنازل المهدمة، وتم سلب المدينة وحرق أحيائها بسكانها وضحاياها ومتاجرها ،وجرف البشر بالجرافات بالجملة وقبرهم في مقابر جماعية بدون معرفة أسمائهم ،هناك عدة مقابر جماعية موثقة مع مجرميها ،أكبرها ثلاث تم البناء فوقها لتضييع الجريمة ! تم تدمير شامل منظم لثلاثة أرباع المدينة التاريخية بجوامعها وكنائسها وسكانها مسلمين ومسيحيين بدون استثناء ،وراح ضحايا بعشرات الألوف ،وجرد عشرات الألوف من حقوقهم المدنية ولازال ،وتم تهجير عشرات الألوف منها ، ومنع الأحياء من مغادرة سورية لعشرات السنين، ولازالت اليوم مخلفات الجريمة من المآسي الاجتماعية والإنسانية تتفاعل وتكبر وهي لا تعد ولا تحصى ،هناك ألاف المفقودين والمشردين والأيتام والأطفال لا تعرف ذويها أبدا !،
ما الحل أما هذا الواقع المروع والدمار الوطني الإنساني الشامل الذي يمزق الضمير ويعكس حقيقة هؤلاء الرعاع؟!،
ما العمل أمام هذا الكم الشاذ من الظلم والوحشية التي لم تعرفها البشرية في أشد مراحلها همجية وغريزية وانحطاط؟!
من وجهة نظري ،الحل لا يكون بالتحلل الإنساني في الظلم وهول تعقيداته الإنسانية المدمرة للوجدان والضمير والكرامة الإنسانية ، ولا الرد عليه غريزيا بتنمية عوامل الثأر ، ولا الخضوع والاستسلام إلى الغرائز وردود الأفعال السلبية ،واتخاذها برنامجا يتماهى مع الجلاد بفعله وثأره .
على النقيض من ذلك ،أرى أن الحل في الضغط على الجراح والتسامي وتحييد تفاعلات الثأر ،والإصرار على العدالة بالعمل الوطني المنهجي الديمقراطي السلمي ،لاشتقاق برنامج وطني قادر على تحقيق العدالة وسيادة القانون الذي سوف يأخذ مجراه ويعيد الحق لأصحابة ،ويحاسب المجرمين مهما طال الوقت ، المواطنون الأكراد عانوا بنفس القدر وربما أكثر.
اشتقاق الحل هو في تأسيس جدي للقانون وقوته واحترامه ، وفرض قيم العدالة والمساواة ومحاكمة المجرمين من قبل قضاء عادل حر نزيه ، وأيضا التعويض للضحايا ورد الاعتبار الوطني والمدني والإنساني لهم ، هذا هو الحل الذي يوصل إلى الحق والعدل والحرية والأمان والعيش المشترك ، العمل الانفعالي الغاضب السريع العاطفي الانفصالي لن يوصلنا إلى نتيجة ،بل هو يمثل وقودا مجانيا لآلة النظام الذي يحرق الأخضر واليابس في سورية ، هذا المنحى من المقاربات يزيد المعاناة عمقا واستمرارا ، ويزيد شحن الكراهية البغيض المتبادل ، بمحصلته يضيع الحق الفردي والفئوي والوطني ،ويتيه الجميع في مستنقعات الاستبداد والعصبية والأوهام والتشقق الاجتماعي والوطني والعرقي والظلم الذي لانهاية له.
وحده العمل الوطني الديمقراطي المؤسسي على طريق بناء دولة العدالة والقانون ،هو الكفيل بإرجاع الحقوق إلى أصحابها وتعويض المتضررين وإرجاع الجنسية للمحرومين منها وتطبيع الوضع المدني والقانوني لهم ،وهذا عمل كبير يجب أن يرتقي كل أطراف العمل الوطني بنيويا إلى وعيه والـتأسيس له والتربية عليه والخروج من دوائر الظلم حتى نراه بوضوح ، ونتمكن من إحاطة أبعاده كاملة واشتقاق وسيلة عملية لعلاجه.
على هذا الأساس يكون الاحترام والتفاعل في العمل الوطني البعيد عن التحريض والاستفزاز مقدمة لابد منها، وأيضا الافتراق مع الازدواجية على مستوى المواقف والبرامج ،والانتقال إلى صراحة الأهداف والتعبير عنها ببرامج وطنية سياسية تتفاعل ديمقراطيا لإنتاج مستقبل مشترك، قد يكون هذا الكلام لا يستسيغه هذا الطرف الوطني أو ذاك ،لأنهم كما هو واقعهم اليوم محكومون بضغوط برامج جزئية عصبية تراوح بين حدين خطيرين ،الأول خطاب النظام ، والثاني خطاب يستبطن رفض الآخر الوطني ،ويعكس عمليا نهج الإقصاء أو الانفصال ، ومع ما يشوب العمل العام من شبه برامج نظرية تجريدية متصفة بسقف حقوقي وهمي غاية في الارتفاع ، غريب أنه لازلنا لم ندرك بعد أن هذا المنحى لن يوصل لنتيجة سوى زيادة معاناة الشعب السوري، أستاذ جان.
المفاهيم والحقوق والشعوب والتاريخ والجغرافية هي ليست قوالب جامدة حجرية لا تعرف الزمنية ،وكأنها مومياء مستغرقة في نومها وسباتها في أروقة التاريخ الإنساني ! عكس ذلك هي صيرورة إنسانية وفي مرحلتها الحالية تجاوزت الطرح الجزئي العصبي الانعزالي ما قبل وطني ، العالم كله يسير بسرعة مذهلة باتجاه التكامل ، البعيد عن الرغبة في تمييع الخصوصيات الإنسانية والتحلل العدمي وضياع معالم جمال فسيفاء الشعوب وحقوقهم ، أوروبا أصبحت دولة واحدة والجميع محترمة خصوصياتهم وثقافاتهم وحقوقهم.
لماذا هذا الطغيان في البرامج الإقصائية والانعزالية ورفض الآخر من بعض الأطراف عندنا؟
لماذا هذا الإصرار على التعسف في الفهم وربط الحقوق بالإقصاء أو الانعزال؟!
لماذا هذا التحديد الأعوج للحق والإصرار المقيت بأن حقي هو في انتهاك أو نكران حق الآخر الوطني؟!
لماذا يراد لنا أن نفهم العكس دائما ، بالسير ضد مسار التاريخ الإنساني؟!بدل تعميق العلاقات البينية والمصالح المشتركة والبحث عن سبل تحقيق السعادة وليس استمرار دوامات المأساة التي تتناوب على هذا الشعب المسكين بأكراده وعربه وكل مكوناته؟!
طبيعي يمكن ترتيب الحقوق وتمييزها وتصنيفها معياريا وقانونيا والبرامج السياسية وكل المفاهيم النظرية أيضا ، لكن لا يمكن فصل أو تكسير حلقات التاريخ الإنساني ،وليس عملا حكيما تخريب بنى الثقافة المشتركة ، وعبثيا رغبة إزاحة الجغرافية حسب مزاجنا! هذا عمل عدمي يجب وعيه بنزاهة وعمق ومسؤولية.
أرى أن هناك أمل موضوعي بحدوث طفرات نوعية في الوعي والضمير الوطني لدى كل أطراف المعارضة، وجيل جديد وتحول جديد في فهم الحق وشرعية المطالبة فيه ، نرى أن يؤسس ذلك بالصدق والصراحة والمسؤولية ، والإقرار بأهمية تعميق الحوار البيني وتعشيق البرامج الوطنية وتجذير العمل الديمقراطي كفهم وسلوك وأسلوب ونزاهة وطنية ،ورفع منسوب المسؤولية الأخلاقية الوطنية الإنسانية للوصول لتسوية وطنية ومعالجة ما يعانيه الشعب السوري من ظلم، لذلك أرى الابتعاد عن الطرح الاستفزازي الذي يضيع معه الحق وينتج الشقاق ويطيل زمن الاستبداد ويعطيه ورقة دائمة لإخافة الشعب السوري.
نحن الآن نتكلم عن برامج وأفق سياسي وعمل مؤسسي مفتوح للمستقبل وأركز على كلمة مفتوح ، هنا نرى التأكيد على الغائب عن برامج الكثير من أطراف العمل الوطني ، وهو عدم احترام رأي الشعب، والوصاية عليه وعلى الديمقراطية، وعدم التمييز والفصل الواضح بين مرحلة الاستبداد التي نعيشها اليوم ومفاعليها ، ومرحلة الدولة الديمقراطية الحرة المستقبلية وتجلياتها العملية في حياة الناس.
القول الفصل هو لرأي الشعب ممثلا بمؤسساته الدستورية بظل حياة ديمقراطية فعلية حرة وليست افتراضية مجردة ، رأي الشعب عبر مؤسسات وبرلمان حر منتخب طوعيا من الشعب هو الفيصل ، بتكثيف الأمر ومباشرته.
بكل الاحترام أقول أن المعارضة السورية بكافة أطرافها الوطنية العربية والكردية وكافة مكوناتها المجتمعية اليوم غير مؤهلة لحسم قضايا مصيرية تخص مستقبل سورية ، إذ لا ننسى الوضع الخطير على الأرض الذي أوصل النظام الشعب السوري إليه اليوم ، والذي يتجلى موضوعيا بطغيان المجتمع الأهلي بغرائزه وعصبياته بعد أن خرب النظام بشكل منهجي متسلسل الروابط الاجتماعية المدنية الوطنية الإنسانية ، بات المجتمع السوري اليوم مفخخا بأحزمة الحرب الأهلية التي ربطه فيها الاستبداد، هذا وضع مقلق وخطير وأشبه ببرميل من البارود قابل للانفجار بأي شرارة عبثية.
خلاصة الأمر أن مشروع المستقبل نرى عدم قفله مسبقا ، بل يجب أن يأخذ أبعاده من الواقع الذي يعيشه الشعب وربطه بأفق المستقبل ، وليس من الإرتداد للعصبيات والأطر النظرية المجردة والسجالات السياسية والاهتداء الأعمى بظلام الظروف الإقليمية وشعاراتها الغوغائية وفقاعاتها الوقتية وتوزيع الأسماء والتوصيفات التي تؤخر ولا تقدم.
هذا مشروع كبير مفتوح في إطار المستقبل ،أرى عدم تشويهه بطرح نظري استفزازي غير عملي وغير واقعي وغير مفيد ، كفى الشعب السوري ظلم وعذاب وهجرة وترحيل وحرمان من الحقوق ووعود لم يتحقق منها شيء، وبرامج مفروضة عليه لا تعبر عن رأيه ، نرى التحرر من رحى تلك الثنائية الخطيرة التي تطحن الشعب السوري ،رحى الاستبداد ورحى الإقطاع السياسي الذي يطغى على عمل بعض أطر المعارضة العربية والكردية على حد سواء، أخيرا إن ما يتعرض له الشعب السوري بظل هذا النظام ،أعتقد أنه أكثر من كاف لتحريك العقول والضمائر وشحذ الإرادة والخروج من ذلك الباب الدوار ، إلى البحث الجدي عن برامج عملية تمثل مخرج مما هو فيه اليوم من تردي .
سؤال 12:
هل حقق ألسيد أوبا ما شيئاً من أهدافه في سياسته الشرق أوسطية؟ وماذا يريد السوريون من السيدة كلينتون حقاً عندما تتطرّق إلى الملف السوري؟
جواب:
من السابق لأوانه إطلاق حكم على ذلك ، فالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تحكمها مصالح إستراتيجية ، في الواقع الحالي ورثت تركة ثقيلة ومعقدة من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ، ولازالت بؤر الصراع الأساسية في فلسطين والعراق وعموم الشرق العربي بدون أفق جديد ،تتفاعل التناقضات مع سلبية غياب المقاربات الصحيحة بتوليد صراعات جديدة وليس حل الموجود منها ، لم يتحقق شيء ما يذكر على المسار الفلسطيني ، والعراق لازال غارق بالدماء والفوضى والفساد والطائفية السياسية ، ودعم الديمقراطيات المعارضة لازال ضعيف للغاية ،باختصار ليس هناك شيء يميز مرحلة الرئيسين سوى التحسين الطفيف في سمعة أمريكا ورفع المنسوب الأخلاقي الذي أدى إلى تحسين صورتها قليلا.
وأما بالنسبة للملف السوري، نرى أن على الشعب السوري ورموزه الوطنية الديمقراطية فتح هذا الملف من اليمين إلى اليسار وقرائته جيدا ،واستيعابه بواقعية ووطنية وتحليله بشكل مجسم والخروج ببرنامج وطني واحد يلخص مصلحة الشعب السوري في تغيير هذا النظام وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية ، مطلوب من كل قوى الحرية مساعدة الشعب السوري على هذا الطريق.
سؤال 13:
ماذا عن سياسة “الكف عن المعارضة” تجاه النظام؟ هل كان هذا خطأً تاريخياً أم تكتيكاً ذكياً من السيدين بيانوني وزهير سالم (من أقطاب المعارضة في جبهة الخلاص سابقاً)؟ هل ترون نتائج ملموسة لهذه السياسة؟
جواب:
تعلم أن جبهة الخلاص الوطني تضم طيف واسع من القوى الوطنية في سورية ،توافقت على موقف وطني موحد أرضيته وسقفه السياسي هو الديمقراطية على طريق التغيير وبناء الدولة الوطنية المدنية ،وأسلوبه هو العمل الديمقراطي السلمي ،أي برنامج الجبهة الذي توافقت عليه مكوناتها ومنهم الإخوان المسلمين هو تغيير النظام سلميا وبناء الدولة المدنية، كان الإخوان المسلمين يمثلون طرف رئيسي وأساسي في الجبهة ،لاشك أن خروجهم أثر سلبيا على الجبهة والمعارضة.
ومع احترامي الشديد لكل الآراء ، لكني قلت وأكرر إن موقف الإخوان المسلمين بتعليق معارضتهم للنظام كان قرارا غير موفقا ويتعارض كليا مع برنامج جبهة الخلاص الوطني ،وهذا ما توصل إليه الإخوان بعد أن تأكد لهم أن النظام غير صادق وغير جدي في علاج ملفات الماضي وخاصة ملفات التيار الإسلامي الكبيرة ،وكل ما يريد هو استغلال ذلك لمصلحته وإحداث شرخ وارتباك في عمل المعارضة الوطنية وتجاوز بعض التناقض في تعامله مع الحركات الإسلامية العربية .
وبكل الأحوال نحترم وجهة نظر كل فريق وطني ونقدر ظروفه ،فالتيار الإسلامي قدم عشرات الآلاف من الشهداء والمفقودين والمهجرين ،ولديه الحق في رؤية ما يراه سليما لحل المشاكل الإنسانية التي يعيشها نسبة كبيرة من الشعب السوري ، والبيان الذي صدر مؤخرا حول تعليق معارضتهم بمناسبة انعقاد مؤتمر الأحزاب العربية في دمشق وحضرته قوى إسلامية معارضة ، بيان الإخوان يقول بأن النظام غير جاد ولم يقابلهم التحية لا بمثلها ولا بنصفها ولا بربعها ،رغم كل الإشارات الإيجابية التي أرسلها الإخوان ، مما يعني عمليا أن النظام لا يمكن أن يتجاوب بحل أي ملف في سورية ، بل يريد التعامل الأمني مع الموضوع ، معنى ذلك عمليا أن التعليق لم يعد له معنى لأنه وصل إلى نهاية مسدودة ، على أن العمل الوطني ليس موقفا (ستاتيكيا) جامدا، ولا أسيرا لهذا الموقف أو ذاك ،بل محكوما بمصلحة الشعب السوري ، فالبيان يعتبر مراجعة صريحة وجريئة لتلك الخطوة ، وبالمجمل نرى ضرورة تنشيط كل ما من شأنه توسيع أفق التكامل بين أطراف العمل الوطني على طريق التغيير الوطني الديمقراطي السلمي في سورية .
سؤال 14:
هل فشلت فكرة جرّ “اليساريين والبعثيين والإسلاميين المعتدلين” إلى صف المعارضة الديمقراطية، أم أنه لا يمكن تغيير النظام بدونهم؟
جواب:
المريح في المعارضة السورية من يمينها إلى يسارها أنها سلمية وديمقراطية ومستقلة ، ومن المعروف أن العديد من أطرافها كانوا على فراق أو تفاعل بيني ضعيف في السابق ، نشطت بشكل ملحوظ عام (2000) بعد استلام بشار أسد وراثة سورية ، ترافق ذلك بزيادة وعلنية العمل المعارض وبشكل خاص على الساحة الداخلية ،ممثلا بنشاط المجتمع المدني والحقوق إنساني ومتوجا بولادة إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي ، وشهد الخارج نشاط موازي وتأسست جبهة الخلاص الوطني ،واختارت بعض أطراف العمل الوطني أن تخوض نضالها ضد الاستبداد منفردة خارج التشكيلين المذكورين .
وبديهي أن التصدي للاستبداد يحتاج جهود الشعب السوري كله ، لذا حري على أطراف العمل الوطني أن تتحاور بصراحة ووضوح للتفاعل وليس الجر ، لتنمية موازين قواها في المعادلة الوطنية ، على هذا الأساس هناك حوارات مستمرة بين أطراف العمل الوطني على كافة المستويات ، وارى أن الذي تملكه أطراف المعارضة الآن هو سلاح قوي ضد الاستبداد ،وأعني الحوار على طريق توحيد المرجعيات الفكرية والسياسية، بمعنى لو توصلت أطراف المعارضة إلى كتلة أو جسم وطني سياسي واحد وببرنامج سياسي في الموقف من الاستبداد ،أعتقد أن الأمور سوف تختلف كليا عما هي عليه الآن من إتباع البرامج الجزئية التي لا تشكل ضغطا أساسيا على النظام ،هناك حوارات مستمرة أرى من واجب كل الأطراف دعمها والانخراط فيها .
سؤال 15:
ماذا عن دور الجيش السوري؟ كيف يمكن استعادة استقلاليته بحيث يتخلّى عن العقيدة الحزبية ليعود جيشاً وطنياً لا يتدّخل في السياسة ويقوم بواجبه في الدفاع عن تراب الوطن وسيادته ووحدة البلاد؟ أم لم يعد ثمة جيش سوري بمعنى الكلمة ومن الضروري بنائه من جديد؟
جواب:
الجيش السوري مشهود بوطنيته وبدوره على المستوى الوطني والقومي، كان ولازال في بنيته العامة وطنيا ، مشكلته اليوم هي مشكلة الشعب السوري كله، أي في رأسه، أعني قيادته ، فالنظام بشكل مبكر جدا أفرغ الجيش من خيرة ضباطه القياديين ،واستبدلهم بموظفين لدى النظام وشوهه تركيبته الوطنية واستقلاليته ، وأدخله في تناقضات دائرة الحزبية والطائفية الضيقة على مستوى القيادة ، وحصر ملكيته في رأس النظام عبر تسييسه والسيطرة عليه ونقله من جيش وطني لحماية أرض الوطن وأمن الشعب وكرامته الوطنية والقومية ، إلى جيش لحماية النظام وتوريطه في هزائمه وفساده ومؤامراته ومساوماته على الأرض الوطنية والأمن الوطني والقومي ، وبالتالي أصبح الجيش أسير قيادته التي تشكل جزءا من النظام الأمني ،وعليه فقد حريته في القيادة ،وهذا هو سبب كل الهزائم التي أوقعه فيها النظام.
مشكلة الجيش السوري هي وجه من مشكلة سورية ، وعندما تستقيم الأمور في سورية ويعود الجيش إلى تركيبته المهنية المؤسسية الوطنية القادرة على حماية الوطن والشعب وتحرير الأرض الوطنية ، هذا مرهون كليا بالتغيير الوطني الديمقراطي السلمي في سورية ، الاستبداد والطائفية السياسية في نسيج سورية أصبح سرطانا منتشرا بشكل خطير ، لابد من بتره وإعادة الحياة الوطنية الصحية إليه .
سؤال 16:
يبدو أن الدستور يبقى دائماً عائقاً أمام أي تغيير جذري وحقيقي في البلاد، هل للمعارضة الديمقراطية السورية أي مشروع جاد لدستور جديد، أم أنها مجرّد ملاحظات على ما هو موجود؟
جواب:
إذا كنت تقصد دستور الاستبداد الذي فصله أتباع النظام ومأجوريه على قياس الطائفية السياسية والعائلة والفرد الديكتاتور المستبيح لوطن وشعب أوافقك الرأي ، فهو العائق العملي أمام تحقيق العدالة وحتى أي إصلاح أو تغيير أو حتى تنمية وتطوير في سورية ، لأن النظام بالإضافة إلى كون دستوره من هذا المقاس البائس ، أسعفه بقوانين حالة الطوارئ وجحافل فروعه الأمنية الفالتة ،واستنادا إلى ذلك عاث ويعيث بالبلاد والعباد تنكيلا وفسادا، على النقيض من ذلك يجب أن يكون الدستور هو العقد الاجتماعي القانوني الوطني الذي يؤسس للعدالة والحرية والمساواة بين المواطنين ،وهو يعبر عن تسوية وطنية مقبولة منهم تصون حقوقهم جميعا بدون تمييز، يحميه قضاء حر قوي نزيه ، هنا تحديدا تكمن الحاجة الوطنية القانونية إلى فصل السلطات واستقلالها لتقوم بعملها بحرية لخدمة الشعب وحفظ حقوقه وكرامته ومصالحه.
ؤال 17:
دكتور نصر، نسمع كثيراً عن “إعلان دمشق” وعن “جبهة الخلاص” وعن انخراط غيرهم في “جهاد” النظام، فهل السوريون بسطاء ليصدّقوا أن مثل هذه التكتلات الضعيفة التي لا تملك أي مبادرة جدية وعملية على الساحة، ستحررهم من “استبداد وفساد” عقود طويلة من الزمن؟ أمّ أن للمعارضة مشروع جديد؟ …
جواب:
مع احترامي لوجهة نظرك ، الأمر ليس بهذا التبسيط ، الشعب السوري والعالم العربي والدولي يسمع ويرى كم القمع والعنف اللذان يقابل فيهما النظام الأمني المعارضة الديمقراطية السلمية في جمهورية القمع الوراثية ، من جهتي احترم كل جهد وطني يصب في خدمة الشعب السوري ويعزز موازين القوى في مواجهة ديمقراطية سلمية لا يستثيغها النظام والكثير من القوى الإقليمية والدولية أبدا ، وعليه جبهة الخلاص الوطني وضمن ظروفها وممكناتها فعلت الكثير على المستوى الداخلي والخارجي ، عبر توجيه خطاب وطني سياسي معتدل يحافظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية ويوهن الاحتقان الأهلي ،ويتصدى لخطاب وفعل النظام الطائفي على المستوى الداخلي ،وأيضا خطاب حقوق إنساني ينمي حالة الوعي بالحقوق وتنمية أساليب المطالبة السلمية فيها ،وعلى المستوى العربي والدولي قامت الجبهة بحملات إعلامية نشطة وكبيرة لتعرية النظام وطرح قضية الشعب السوري عبر العديد من الرسائل إلى الدول والرؤساء والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان والعديد من الحملات الإعلامية ووضع ملفات المعتقلين وحقوق الإنسان في سورية أمام العالم كله، لاشك أنه مطلوب المزيد.
على الجانب الآخر تدري تماما ماذا قدم إعلان دمشق للتغيير الوطني في سورية ، قدم الوحدة الوطنية والمطلب الديمقراطي ومشروع التغيير الوطني السلمي ، وواجه النظام بجرأة في عقر أوكاره الأمنية وسجونه وساحات وقاعات محاكمه العسكرية ، وقدم عشرات الشهداء ومئات المعتقلين على الأقل في الفترة المنظورة القريبة بعد حكم الوريث أي منذ عام (2000) إلى اليوم.
قدمت المعارضة الوطنية الحل الوطني الديمقراطي نقيضا للديكتاتورية والفساد ، قدمت رموزا وطنية شجاعة ، في المقدمة الدكتورة فداء الحوراني رمز كرامة سورية ، ورياض سيف وآل البني واللبواني ومشعل تمو والحسيني وهيثم المالح وكوكبة كبيرة من المثقفين السوريين الشرفاء الحريصين على كرامة شعبهم وحقوقه، وستبقى المواجهة قائمة مع الديكتاتورية وهي متمرحلة وليست نهائية اليوم.
الشعب السوري ليس بسيطا فهو يرى ويسمع ويعيش ويعاني باستمرار من تعدد وسائل القمع والاضطهاد والتمييز، ومع كل ذلك يعبر عن رأيه ويشارك بالحدود وبالأشكال التي يراها مناسبة ، أعتقد أن نقاط ضعف وقوة المعارضة الوطنية السورية واضحة تماما ، فهي قوية بوحدة مطلبها وبمشروعها الديمقراطي وباستقلاليتها وحفاظها على الوحدة الوطنية ومستقبل الشعب السوري ، ضعيفة في إمكانياتها هذا واضح ومعروفة أبعاده ، ويجب البحث الجدي عن وسائل تطويرها ، وعليه إن أسباب ضعف عملها مؤشرة، خلاصتها أنها معارضة ديمقراطية هدفها مدني سلمي لا تغري أحدا بدعمها !، وهنا لا نراهن على الخارج بل نراهن ، أولا وأخيرا على الشعب السوري وعلى قواه الوطنية وعلى قدرتها على الوحدة والتكامل في تبني مشروع التغيير الوطني الديمقراطي السلمي وعلى احترام خيار الشعب السوري ودعم قوى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان .
هذا هو مشروع المعارضة وهو ينتظر الجديد المتمثل في وعي كافة أطرافها على ضرورة الحوار والتفاعل لإنتاج معارضة ديمقراطية مؤسسية تضع البرامج العملية لتحريك الشارع السوري سلميا وتصعيد المواجهة الموحدة المستمرة مع الديكتاتورية حتى تحقيق أهداف الشعب السوري بالخلاص وتحقيق الدولة الديمقراطية الحرة التي يصبح للمواطن السوري قيمة وكرامة وقيد مدني ورأي في أموره وقانون يحميه ويصونه .
وأخيرا رجوعا سريعا إلى مقاربتك حول (الانخراط في جهاد النظام) ، هذا عمل كبير بدايته مع النفس والتشكيلات الوطنية وحدوده مواجهة ديمقراطية مع أعتى النظم الديكتاتورية وأكثرها قبحا وفسادا وخصوصية ، وترجمته العملية هو الإرتقاء من قبل كافة أطراف العمل الوطني الديمقراطي إلى مستواه برامجا وأساليبا وعلاقات ،وقطع الطريق على مراهنات النظام الأمني على تشقق وتباعد قوى العمل الديمقراطي ،كما على تبني الشعارات والبرامج البغيضة التي يطرحها النظام ويرفعها بعض الأطراف بحسن نية وسوئها ، حان الوقت لمواقف وطنية ديمقراطية نزيهة واضحة شجاعة مغرية للشعب السوري في الانخراط الكمي الكبير في معركة الحرية.
أستاذ جان أشكركم جدا وأحييكم على الحرص على الحوار ،وأتمنى استمراركم فيه ورفع وتيرة جرأته ، وفتح الصفحات المغلقة فيه، فبالحوار الوطني الصريح الجريء تتسق الأفكار وتتفاعل وتتقارب القناعات وتتعشق الأفعال وتتوحد المواقف وترتقي إلى الفعل الوطني الإنساني القادر على حسم المواجهة مع الديكتاتورية والفساد ، وأعتذر عن الإطالة في بعض الأسئلة ،إذ السؤال والحدث فرض ذلك ، وإلى حوار آخر.
الحوار المتمدن