الجدار المصري والمواطن الغزاوي
حسام عيتاني
لا يكفي اعتبار بناء مصر الجدار عند حدودها مع قطاع غزة «قراراً سيادياً» لطي صفحة الحديث عنه. وبغض النظر عن الحساسية الشديدة التي تتعامل القاهرة بها مع شؤونها السيادية في الفترة الحالية، يتعين القول إن الكثير من الإجراءات التي تتخذها الدول في عمق أراضيها أو قرب حدودها التي لا ينازعها مُنازع عليها، يمكن تفسيرها كخطوات عدائية تتجاوز الحق السيادي البديهي لكل دولة في حمايةٍ لمصالحها.
لم يعد العالم بهذه البساطة. فالأنهار المشتركة (ومصر أدرى بمشكلاتها) وأحواض المياه الجوفية وحقول النفط العابرة للحدود، من المظاهر التي ترسم السياسات الدولية اليوم، ناهيك عن الهجرات التي لا تنفع القوانين والحدود في كبحها. عليه، تبدو المقاربة القائلة إن مصر ببنائها الجدار لا تفعل أكثر من الدفاع عن أمنها ومصالحها، ناقصة نقصاناً فادحاً. إذ أن الخطوة، وعلى رغم حق مصر الواضح في اتخاذها، فُسِّرت انحيازاً الى أحد طرفي صراع يجري خارج الحدود المصرية، هو الطرف الإسرائيلي في مواجهته مع الفلسطينيين وليس مع حركة «حماس» وحدها.
وليس من داع هنا لتكرار الاعتبارات التي أملت على السلطات المصرية البدء بدق الجدران الى داخل الأرض بعمق يحول دون حفر الفلسطينيين لأنفاقهم، فمكافحة التهريب من واجبات الأجهزة الأمنية الأولية، سيان كان التهريب هذا مرتبط بمنع انتقال الأسلحة والممنوعات الأخرى والخارجين على القانون بين جانبي الحدود، أي حدود، أو لأهداف محض سياسية. لكن نقصان الرواية أو التفنيد المصري لبناء الجدار يتكثف في عدم أخذه في الاعتبار مصالح أكثر من مليون فلسطيني يرون في أنفاق منطقة رفح بعضاً من شريان حياة ما زال يمدهم بسلع ضرورية في الوقت الذي تعاني فيه المعابر الموصلة الى غزة من الحصار الإسرائيلي المعروف، من جهة، ومن صعود وهبوط حركة العبور عبر رفح لأسباب قيل فيها الكثير، من الجهة الثانية، منذ ما قبل حرب العام الماضي على قطاع غزة.
فلسطينيو القطاع ليسوا جميعاً من مؤيدي «حماس» المخلصين، ولا يقومون بعمليات لتهريب الأسلحة وسواها من الممنوعات، بل ان همهم الأول هو تخفيف شدة الحصار الاسرائيلي وتوفير قدر من الحياة الطبيعية لهم ولأبنائهم. والخطوة المصرية لا تصب في الاتجاه هذا، لذا فهي تتعارض مع ما يراه بعض الفلسطينيين حقوقاً لهم.
ثمة ما يتعين قوله من دون مواربة في المجال هذا، خلاصته انه في حال صحت المعلومات الاسرائيلية عن دخول صواريخ «فجر» الايرانية الى القطاع (وهي القادر على الوصول الى منطقة غوش دان في وسط اسرائيل)، فإن على المصريين البحث عن وسائل مختلفة لإغلاق الأنفاق، ليست كلها عسكرية. مسألة ثانية مهمة هنا، هي أن جل ما يفعله الجدار المصري، بالنسبة الى الغزاويين، لن يتجاوز رفع أسعار المواد المهربة اليهم حيث سيجد أصحاب الأنفاق والقائمون عليها وسائل تقنية (بعضها متوافر في كل الأسواق) لخرق الجدار ونقل البضائع أو للالتفاف عليه مروراً بطرق قد تكون معقدة لكنها ليست مستحيلة. «الحلول» هذه سترفع أسعار السلع على المواطن العادي في غزة لكنها ستضمن وصول كل ما يحاول المصريون منع وصوله ببنائهم الجدار.
غني عن البيان ان القرار المصري يتضمن توجيه رسائل الى أكثر من طرف، فلسطيني واسرائيلي وأميركي وربما غير ذلك. لكن من المُلحّ القول إن المواطن الغزاوي المبتلي بالحصار هو من سيسمع صدى الرسالة بصوت أعلى من كل الآخرين.
الحياة