سنة التفاوض على المفاوضات
محمد ابرهيم
أضاف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لمحة جديدة عن تصوره للحل النهائي بإثارة موضوع الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية المقبلة معتبراً أن القوات الدولية ليس بمستطاعها تطبيق نزع سلاح هذه الدولة، أي مكافحة التهريب، وان الجهة الوحيدة القادرة على ذلك هي… الجيش الاسرائيلي الذي ينبغي أن يرابط على حدودها الشرقية.
في الوقت نفسه كان نتنياهو يمعن في تطبيق تصوراته لمستقبل القدس الشرقية بالسماح ببناء سبعمئة منزل جديد لليهود، عالماً بالطبع ان الادارة الاميركية ستصدر بيانها المعهود بأنها ضد استمرار الاستيطان، وان مصير القدس تحدده المفاوضات المقبلة.
وهكذا في كل بند من بنود التسوية “النهائية” يترجم نتنياهو تصوراته لكيف يرى الدولة الفلسطينية، ويحض السلطة الفلسطينية على عدم اضاعة الوقت، خاصة ان مهلة العشرة أشهر لتجميد الاسيتطان في الضفة الغربية لن تجدّد تلقائياً.
نتنياهو يبني على الارض والادارة الاميركية، وفق مصادر متقاطعة، تعد كتابي ضمانات لكل من الفلسطينيين والاسرائيليين يمكن بالاستناد اليهما الدعوة لاستئناف المفاوضات المباشرة.
أي أن ما لم يمكن الاتفاق عليه كأساس للمفاوضات بين الاطراف الثلاثة، الاميركي والاسرائيلي والفلسطيني، يمكن ان يتحول تفاهمات ثنائية، فلسطينية – اميركية، واسرائيلية – اميركية، اي عودة الى مشروع غير مباشر لوضع الثقة الفلسطينية في الجانب الاميركي، المؤهل وحده لانتزاع التنازلات من الاسرائيليين.
كتابا الضمانات سيتحولان ولا شك مشروع مفاوضات طويلة للمبعوث الاميركي جورج ميتشل مع الحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينية، وفي حال نجاح مثل هذه المفاوضات، ولو بعد حين، فإن المشكلة ستكون هل يخفي كتابا الضمانات تنازلاً اسرائيلياً في القدس الشرقية، اي الحاقها بقرار تجميد الاستيطان، ام سيخفي تنازلاً فلسطينياً يكتفي بالضمانات الاميركية كبديل من عدم القدرة على وقف الاستيطان في القدس.
وعلى كل حال قد يتبدى سريعاً ان التفاوض على الضمانات لن يكون شائكاً بدرجة اقل من المفاوضات الثنائية التي قادها ميتشل منذ تعيينه مبعوثاً خاصاً للرئيس الاميركي للشرق الأوسط
وفي الوقت الذي تحفر فيه اسرائيل في القدس، مستغلة الأفق الزمني المفتوح للمساعي الاميركية في سبيل السلام، تُحفر الارض تحت المعارضة الاسرائيلية التي لم تغادر الموقف الدفاعي أصلاً. فبدلاً من طرح مشروع بديل لما يطرحه نتنياهو، يبني على ما توصلت اليه المفاوضات بين السلطة الفلسطينية ورئيس الوزراء الاسرائيلي السابق إيهود أولمرت، كاد نتنياهو يطيح بحزب “كاديما” ونوابه عارضاً عملياً استعادة وحدة اليمين، اي عودة المنشقين من “كاديما” عن “الليكود” بعد الاعتراف بفشل تجربة تسيبي ليفني في قيادة “كاديما” والمعارضة عموماً.
يسجل نتنياهو كل هذه الاختراقات فيما الاستنفار المقابل الفلسطيني والعربي الذي رافق وصوله الى رئاسة الحكومة بات عند ادنى مستوياته، وقد اكتفت السلطة الفلسطينية، ومعها الدول العربية، المعنية مباشرة بالمفاوضات، بدعم موقف ربط استئناف المفاوضات بتجميد الاستيطان في القدس. حتى الاجواء الدولية الايجابية التي بدا أنها تضيق ذرعاً بالتصلب الاسرائيلي لم تحظ برعاية مناسبة، لا بل بدت وكأنها مدعوة هي نفسها الى الانتظار.
انتظار انفجار ما او انفراج ما. اما الانفراج فإنه مرهون وفق المعطيات، التي ذكرنا بعضها، بموقف اميركي يحوّل الاعلانات المبدئية التي حفلت بها بداية ولاية اوباما الاولى سياسات عملية.
ولما كانت المتابعة لاولويات الرئيس الاميركي تشير الى أنه يعتبر اولوية اولوياته هي تمرير مشروع تعديل الضمان الصحي، والذي يُعتبر انجاز قرن وليس مجرد انجاز ادارة ديموقراطية أخيرة، ولما كان التصويت في الكونغرس الاميركي بمجلسيه، النواب والشيوخ، يحسب بالصوت الواحد، فإنه ليس من المتوقع أن يقرر أوباما فتح معركة “سوء تفاهم” مع اسرائيل تؤثر مباشرة على مؤيديها في الكونغرس.
لا بل إن نجاح أوباما، الذي بات متوقعاً في موضوع اصلاح الضمان الصحي الاميركي، يمكن ان ينعكس التزامات مقبلة حيال المقترعين الديموقراطيين أولاً، تستفيد منه اسرائيل، على الأقل، خلال الأشهر المقبلة. وهي كما نعلم الأشهر التي تفصلنا عن الانتخابات النصفية للكونغرس في الخريف المقبل، حيث التخوف من ردّة ديموقراطية على الموجة التي أتت بأوباما الى الرئاسة.
أي ان المراهنة على فاعلية أميركية ما خلال عام على الأقل ليست في مكانها.
تبقى المراهنة على الانفجار، الذي يتطلب عادة فراغاً في مساعي التسوية، وهو أمر تأمن بالانشغال الاميركي الذي ذكرناه، مثلما يتطلب اصحاب مصلحة وهم أيضاً جاهزون.
الحكومة الاسرائيلية لا تخفي استعداداتها للمراجعة العسكرية بمختلف سيناريواتها ومجالاتها، وهي تحذر سلفاً بأن الرد سيكون أوسع من الفعل. اي ان التطوير “الذاتي” لحادث ما مؤمَّن.
والطرف المقابل، وهو بالتأكيد ايران، لن يقف مكتوفاً اذا ما قررت الادارة الاميركية ان تجعل السنة المقبلة سنة حصار اقتصادي جدي لها، واذا ما نجحت في الحصول على تواقيع المترددين، دولياً، حتى الآن.
الطرفان يستعدان والفراغ بينهما قد يكون أنسب ظرف لكي تتحول شرارة ما حريقاً يعيد “ترتيب” كل المعطيات.
النهار