صفحات العالم

عام جديد للبؤس العربي

زياد ماجد
يحلّ العام 2010 علينا، مذكّراً إيانا بأن أحوالنا في هذه المنطقة من العالم مرشّحة للاستمرار على بؤسٍ لـ365 يوماً إضافياً، على الأقل…
– فالإستبداد ما زال ينكّل بالعديد من البلدان العربية، واعتقالات الناشطين الحقوقيين والصحافيين والمعارضين مستمرّة فيها، تماماً كما العمل بأحكام “الطوارئ” أو ما يشابهها من منظومات تمنع التعدّد السياسي وتنتهك الحريات الأساسية في التجمّع والتعبير عن الرأي.
– والظلاميّة بتيّاراتها المختلفة ما زالت تجهد في أكثر من موضع لتحويل حياة الناس الى كدر وموات وحفر في ماض سحيق، وبحث عن مشروعيّات تُلغي مشروعيّة العقل والعلم وتمنع التفكير في مشاكل الحاضر وتحدّيات المستقبل.
– والاحتكام الى العنف والعودة الى ما قبل “الدولة” صارا تهديداً دائماً لفكرة التعاقد الاجتماعي، تعاني منه بلدان لم يعد الفارق بين حكوماتها وقبائل مجتمعاتها أو عشائرها إلا فارقاً صُورياً ولفظياً. كما أن الحروب الأهلية باتت عنصراً يقصّر المسافات الجغرافية بين المدن والمناطق المنكوبة جاعلاً القتل والظلم والإرهاب قواسم مشتركة في حياة أبنائها (بمعزل عن الأسباب والتجلّيات والنتائج المتباينة).
– وانتفاء قيم العمل والانتاج، والاستسلام الى النظم الاقتصادية الريعية المعطوفة على تكاثر سكاني وعلى علاقة ضعيفة بين الجامعات والمعاهد وأسواق العمل تواصل إنتاج البطالة والتعطّل وفقدان الأمل بالقدرة على تحسين الأوضاع التنموية والمعيشية.
– وتهميش المرأة بحكم التشريعات والممارسات المُبعِدة إياها عن حقوق المواطنة وعن دوائر القرار يرسّخ ثقافة تسلّطية داخل العائلة والمؤسسات العامة والخاصة، مُفاقماً الأزمات المجتمعية ومؤسّساً للمزيد منها في المستقبل القريب.
– والنكبة في فلسطين تكبُر عاماً جديداً مع استمرار ازدواجية المعايير الدولية (الأميركية والغربية بخاصة) وتجاهل قرارات الأمم المتّحدة، ومع جنوح القيادة الإسرائيلية (مدعومة بالتبدّلات الديموغرافية والايديولوجية داخل المجتمع الاسرائيلي) الى تكثيف الاستيطان وقضم الأراضي ومصادرة الأملاك في القدس والضفة الغربية، ومع بقاء الفلسطينيين على انقسامهم وعلى غياب مشروعهم الوطني الجامع وارتماء جزء منهم في أحضان أنظمة تزايد عليهم بدمهم.
أما في لبنان، الذي ظلّ على مدى عقود أحد الاستثناءات العربية القليلة، فالمراوحة تبدو عنواناً رئيسياً للأيام المقبلة، وانتظار رياح المنطقة إن عصفت أو خمدت يظهر كناظم أول لحياة سياسية استكانت لعصبيّات طائفية ينخرط فيها أكثر الأطراف، ولو أن واحداً منها ينفرد بعسكرتها فيُنتج فائض قوّة ينوء تحت ثقله وخطره البلد بأكمله.
هل من  ضوء يمكن أن ينبعث بعد هذا التقديم؟
ربما؛ على أن انبعاثه من زوايا ثقافية وتجارب مواطنية ومبادرات سياسية وشبكات غير حكومية موجودة وتجهد للتغيير هنا وهناك، أو انبثاقه من تحسّن عام للرعاية الصحية في المنطقة ومن تقليص انتشار الأمّية فيها (ولو أن ثلث العرب ما زالوا أمّيين)، يبقى خافتاً. وهو في أي حال غير كاف لمجابهة العتمة والتهتّك المنتشرَين “من المحيط الى الخليج”…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى