بطاقـة معايـدة
فواز طرابلسي
أمنية واحدة للعام الجديد: الأمل.
الأمل، نعم.
لأن الأرواح زهقت وأنهكت الأجساد ونفد الصبر من طيور البوم تنعب مفردات بلاغتها المقيتة عن «الانحدار إلى قعر لا قرار له».
الأمل، لأنه بات يصعب الاقتناع بأن الفحش في وصف بؤس «أحوال الأمة» يسهم في «الاستنهاض» أو يزيدنا معرفة بأوضاع أو يرسم خريطة طريق أو يزخّم قدرات على التغيير.
الأمل بالضد مما هو سائد ومن استبداد أسياد السلطة والمال.
الأمل، طالما لا يزال يوجد صبي في فلسطين يفاخر: «أنا حطّيت خشمي في خشم الجندي الإسرائيلي!».
الأمل، لأنه وسط بُرك الدم وأكوم الأشلاء في بلاد الرافدين ثمة من لا يزال يجيد التصويب على الاحتلال الأميركي لا على أخيه العراقي.
الأمل، لأن في الجزائر مناضلة اسمها جميلة بوحيرد تطالب بحقها وحق مواطنيها في الرعاية الصحية بالحزم ذاته الذي كانت تصرخ فيه بوجه جلاديها الفرنسيس مطالبة بحق بلادها في الاستقلال.
والأمل لأنه يوجد زمن كانت مصر فيه تمد الجزائر بالسلاح وتدريب المقاتلين وإيواء الجرحى والمساعدات وأساتذة اللغة العربية، بدلاً من أن ترجمها بشتائم عنصريي كرة القدم، أكانوا ساسة توريثيين أو مرتزقة المثقفين أو رعاع العاميين.
الأمل بعالم عربي يتسع بلا تمييز لجميع أبنائه وبالوحدة طوعاً في الديموقراطية والمواطنة وحقوق الأقليات.
الأمل، للذين لا زالوا يعتقدون بأن نفط العرب وثرواتهم الطبيعية وأرصدتهم وصناديقهم السيادية يجب أن توظف لتوفير العمل والخبز والدواء والدراسة للجميع بدلاً من أن تهدر في استنقاذ النظام الرأسمالي من أزماته وتغذية آلاته الحربية.
الأمل، للذين لم تقنعهم الرأسمالية بأنها نهاية التاريخ بل تؤكد لهم أزماتها المتكررة بأنها أعتى قوة لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وأكبر ورشة تدمير للطبيعة.
الأمل في عالم جديد يحتضن كل العوالم التي يتكوّن منها ويحقق معجزة اقتران الحرية بالمساواة والديموقراطية بالعدالة الاجتماعية.
الأمل لكي يبقى في نهاية النفق بصيص نور. والنور أمل.
الأمل بالشباب والنساء خصوصاً.
والأمل دوماً وأبداً، وصولاً إلى «الأمل الذي لا شفاء منه».
الأمل للذين يكدحون من مناجم المغرب إلى «المحلة الكبرى» ومن مدارج شجر البن في اليمن إلى مراعي السودان ومن أهوار العراق وسواحل الخليج إلى سهول سوريا وجبال لبنان.
الأمل للذين يكدحون بالذهن بمثل التزام وعناد وصفاء الراحل أنيس صايغ، الواثقين بأن «مجتمع المعرفة» ينبني على «مجتمع الإنتاج» لا على تنابلة الريوع، المؤمنين بالثقافة الناقدة الفاضحة، لا ثقافة تحنيط البشر في الماضي وتكبيلهم بالجذور وتحليل ذبحهم باسم هوياتها القاتلة.
والأمل بالأدب والفن والموسيقى والرقص تزيد الحياة متعة وفرحاً وتثريها بالجمال والمعنى.
الأمل، كما في «تحية العمل والأمل»، علامة التعارف الزاخرة بالمعاني: الأمل للذين يعملون، لأنهم وحدهم من يحق لهم جني خيرات عملهم. والأمل بما هو صناعة مثل سائر الصناعات، على ما قال الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي (جائزة «غونكور» للآداب الفرنسية للعام 2009).
وأخيراً، الأمل، كما في وصية محمود درويش، عندما أجاب عن سؤال: ما العمل؟
ـ نربّي الأمل.
للذين يحتفلون، كل على طريقته، بانقضاء العام 2009:
تصبحون على أمل.
السفير