منجمون وصحافيون
ساطع نور الدين
بين الصحافة والتنجيم خيط رفيع، يشده الجمهور الى الحد الاقصى حتى يكاد يقطعه، عندما يفترض سلفا أن وظيفة الصحافي أن يكون منجما قادرا على قراءة الغيب والتنبؤ بالمستقبل. وهي وظيفة تستهوي الكثيرين من الزملاء وتلحق ضررا فادحا بأحوال المنجمين، كما انها تحول دون الفصل بين قارئ الكف وبين كاتب الجريدة.
لعل أطرف وأهم ما أعلن في الأسابيع الاخيرة من العام 2009، هي تلك المراجعة التي أجريت في معظم بلدان العالم لتنبؤات المنجمين في أواخر العام 2008، والتي ثبت من خلالها انه لم تتحقق أي نبوءة في اي بلد، بل حطم قراء النجوم الرقم القياسي في الأكاذيب والمبالغات على الجمهور الذي لا يملك القدرة على محاسبتهم او الاستغناء عن خدماتهم في مثل هذه المناسبة… لكنه بات يتمتع بقدر أكبر من المناعة التي تؤهله لعدم تصديق توقعاتهم للعام 2010.
لكن هذه الحالة لا تنطبق كما يبدو على العالم العربي، الذي أطلق منجموه في الآونة الاخيرة سيلا من التنبؤات السوداء التي يمكن ان تزهق أرواح الملايين من العرب، وتهدد الباقين منهم بكوارث ومآس لم يسبق لها مثيل… استنادا الى حركة النجوم والفلك التي تدور حول منطقة يفترض أنها نالت قسطها من الموت والخراب والدمار. وهو ما يؤيده الكثيرون من الزملاء في مهنة الصحافة التي أزالت المسافة بينها وبين مهنة التنجيم ونشرت تقديرات مشابهة لا تقل سوءا وخطورة عما يقوله المنجمون.
لم تجر مراجعة أحد من المنجمين العرب على التوقعات التي روّجوها للعام 2009، كما لن تجري متابعة تنبؤاتهم للعام الحالي، مع انها تقع ما بين الهلوسات والتخريفات: حرب أميركية إسرائيلية على إيران، فتنة مذهبية جديدة في العراق، ضربة اسرائيلية متزامنة للبنان وقطاع غزة، انهيار دولة اليمن وتفككها الى دولتين او اكثر، استئناف الحرب الاهلية في السودان، تجدد حرب الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر، وغزوة مدوية من تنظيم القاعدة في احدى المدن الاميركية او الاوروبية الكبرى… يضاف الى ذلك التنبؤ بوفاة عدد من الزعماء العرب الذين ينتظرهم عزرائيل منذ سنوات، لكي يعمد الى نقل السلطة الى أبنائهم!
وكما هي العادة في التنجيم وفي الصحافة على حد سواء، فإن هذه التنبؤات تلقى هوى الجمهور وتستجيب لمزاجه السيئ الذي يدخل العام 2010، بنظرة أشد سوداوية من اي وقت مضى، ويلح على المنجمين والصحافيين ان يعطوه أخطر ما عندهم، لكي لا يفاجأ بشيء في السنة الجديدة الحافلة حسب تقديره بالدماء والدموع… مع ان حركة النجوم توحي بالعكس تماما، وتشير الى ان الكواكب تعبت فعلا من استقبال الأرواح التي أزهقت طوال الأعوام الماضية، وقررت أن ترتاح لفترة سنة على الأقل.
لا شيء ينبئ بأن العام الجديد سيكون اسوأ من العام 2009 او من الاعوام التي سبقته، ولا شيء يؤكد ان التواطؤ بين المنجمين والصحافيين يمكن ان يصمد طويلا… حتى ولو صدقت واحدة فقط من تنبؤاتهم.
كل عام وأنتم بخير.
السفير