المجلس السياسي ونظرة الى الواقع الكردي السوري
حسين عيسو
الحركة الكردية اليوم على مفترق طرق، فان اتجهت الى العمل من خلال الرؤية المشتركة التي بنت عليها مجلسها الجديد، فان ذلك سيكون دليلا على أنها أقامت هذا المجلس على أسس وتصورات واقعية وتفكير عقلاني، بعيدا عن الأحلام الوردية الجميلة، والى أنها بدأت تعي واقعها فعلا، وتقر بكل الإخفاقات التي منيت بها الحركة منذ تأسيس أول حزب كردي في سوريا عام 57 والى اليوم، وأسباب الاستمرار في تلك الأخطاء على مدى نصف قرن من الزمان، والوصول الى نتيجة مفادها أن مصائر الشعوب لا تبنى على الأهواء والأحلام الجميلة البعيدة عن الواقع والحقائق الموجودة على الأرض،وأن استمرار ذاك النهج من الأنانية والمصالح الذاتية والشعارات البراقة، هو الذي أوصل الإنسان والشعب الكردي قي سوريا الى ما هو فيه اليوم من معاناة.
فالأخطاء التي واكبت مسيرة الحركة منذ بدايتها والتي لم تنبع من خصوصية الواقع الكردي السوري، هي التي أدت الى كل هذا الفشل، والمصيبة الأكبر هو الاستمرار في ذاك النهج اللاعقلاني، فالحزب الذي تأسس عام 57 ونادى بتحرير وتوحيد كردستان، لم ينطلق من الواقع ولا درس التاريخ الكردي بجدية، ولم يبحث في الأسباب التي أدت الى فشل الثورات الكردية خلال الفرنين التاسع عشر والعشرين في انجاز أهدافها، وفي العودة الى الأسباب، نجد أن ذاك الحزب ومنذ اليوم الأول، تم استخدمه في سبيل تحقيق أهداف أخرى بعيدة عن واقع الشعب الكردي في سوريا، والا فكيف تستطيع مجموعة لا يزيد عدد أشخاصها عن العشرة المناداة بهدف كبير فشلت ثورات في تحقيقه، ألا يدل هذا وبوضوح وكما ذكر البعض من المؤسسين الأوائل على أن فكرة التحرير والتوحيد* لم تكن يومها الا تلقيناً أو إيحاء من أطراف أخرى، لم يكن المؤسسون من ضمنهم، أي أنهم استُغلوا في تنفيذ أجندات الآخرين، وحين انقلب مستغلوهم عليهم بانت هشاشة تنظيمهم، ولاح لكل ذي بصيرة، كم كان ذاك الحزب ضعيفا، حيث تم تحويل القيادة الى المعتقلات دون ضجيج، ثم توالت الإجراءات القمعية والتعسفية بدءا بعملية الإحصاء الاستثنائي وما لحقه من مشاريع عنصرية، ولم يستطع الحزب الذي لم يكتف بكردستان سوريا، بل نادى بتحرير وتوحيد أجزاء كردستان الأربعة، لم يكن بإمكانه منعها أو حتى القيام بأي فعل احتجاجي على تلك المشاريع العنصرية التي نفذت تباعا بحق شعب مغلوب حتى ممن قالوا أنهم قادته، والسؤال هو من يتحمل وزر تلك المشاريع، قد يقول البعض، أن سلطات عنصرية هي التي نفذت تلك المشاريع، وأرد عليهم، بنعم، ولكن من فتح المجال لتلك السلطة، ثم هل أن حقوق الشعوب يتم نيلها وانجازها في الصالونات والغرف المغلقة، أليس ما حصل ودون الاعتماد على أي واقع فعلي، يعتبر استهتارا بحياة شعبهم ومستقبل أبنائه، وماذا حصل بعد ذلك، اضطر أولئك القادة الى تغيير تلك البرامج وتغيير اسم الحزب معترفين بالخطأ، لكن بعد فوات الأوان، ثم لينتقلوا من خطأ الى آخر ولتتكاثر الأحزاب والأخطاء وتصل بنا الى ما نحن فيه، واليوم ومن خلال إلقاء نظرة على الرؤية المشتركة التي قام المجلس على أساسها، ومن باب الأمنيات الواقعية، يبدو أن قادة الحركة الكردية في سوريا قد اكتشفوا ما وقعوا فيه من أخطاء تسبب في كثير منها من سبقوهم، نتيجة العواطف التي لم تتسبب سوى في المعاناة والدمار، وأرجو أن تكون نظرتهم اليوم الى هذا الواقع نابعة من الإخلاص والعقلانية والمسئولية.
لقد كان الشعب الكردي السوري ضحية العاطفة التي لو بقيت ضمن حدود المنطق فهي واجبة، لكنها اذا وصلت الى حد انكار الذات ونسيانه بالكامل من أجل مصلحة الآخر الشقيق أو القريب فانها تتحول الى مرض توجب معالجته، فمصائب الحركة الكردية في سوريا منذ التأسيس وحتى اليوم، سببه عدم ممارسة العقلانية والنقد الذاتي الذي يؤدي الى تصحيح ما يراه الوعي الناضج من أخطاء او قصور في الثقافة الاجتماعية. واستخدام الشعارات العاطفية التي واكبت نصف قرن من تاريخ الحركة الكردية في سوريا، والتساؤل هنا هو هل أن كل تلك الأخطاء التي مرت بها الحركة القومية الكردية في سوريا كانت نوعا من رد الفعل، أو تقليداً للخطاب القومي العربي في سوريا، ذلك الخطاب الذي بني بدوره على العاطفة، أولاً….. وعاشرا، ولم يترك مجالا للتفكير العقلاني، متسببا في تدمير الشعب السوري بقومياته المتعددة، ولم ينتبه الى أن بناء الدولة السورية على أسس ديمقراطية وطنية أهم من الركض وراء أحلام تحقيق وحدة عربية من محيط الى خليج، لم تتحقق يوما عبر التاريخ، ولأنه لم يستخدم النقد الذاتي لمسيرته الفاشلة، فقد أصبح اليوم خارج التاريخ، بعد أن فقد ثقة الشارع الذي منحه اياها ذات يوم، وبما أن الخطاب القومي الكردي في سوريا يحاول اللحاق به وتقليده حتى في هفواته وخيباته**، لذا فحين رأى أن تلك الشعارات الوحدوية كانت ناجحة في أيام خلت، ورغم الفشل في محاولات تنفيذها تارة مع مصر ثم العراق وليبيا وحتى اليمن السعيد، ورغم أنها آلت كلها الى الفشل بل أدت الى خلق عداوات جديدة مع تلك الدول بعد كل فشل، وبنتيجتها تبين أن سوريا هذا البلد الذي كان جميلا لم يجني من وراء ذلك سوى حكومات عسكرية وسلطات استبدادية ودمار لهذا البلد، أقول برغم كل الفشل، فان الحركة الكردية لم تفكر فيه الا كمنافسة في ميدان سباق، لذا لم تحاول أخذ العبر من أخطاء الشريك العربي، بل حاولت اللحاق به على نفس المسار، فتارة كل الدعم للثورة الكردية في العراق، وأخرى للكرد في تركيا، دون أن تنظر الحركة الى ما تسببت فيه من مآسي لشعبها في سوريا، ولذلك بقيت خارج التاريخ، واليوم وبعد أن فشلت الأحزاب القومية العربية في سوريا في كل ما عملت في سبيله، بعواطفها وبعيدا عن التفكير العقلاني، لدرجة أدت الى ابتعاد الشارع العربي في سوريا عنها بعدما أصيب باليأس من تصرفاتها، ولم يعد أحد يهتم بها، بل وينظر اليها كسبب في كل تلك المآسي التي حلت بهم بنتيجة الفشل المستمر، فتحولت الى أحزاب هزيلة هدفها الوحيد هو الحفاظ على الاستمرارية فقط ولم تعد لها من هدف سوى البقاء على قيد الحياة، وهذا نفس ما تمر به الحركة الكردية في سوريا أيضا، فالشعب أصبح في واد والحركة في واد آخر، لكن ما يدعو للتفاؤل في هذا الظرف العصيب هو أن العديد من المثقفين والمفكرين السوريين بدؤوا نقد الواقع بجدية والعمل من أجل مصلحة سوريا، وتوصلوا الى أن الخروج من المأزق الذي صرنا فيه، لا يتم الا بتأسيس الدولة المدنية، دولة الحق والقانون التي لا تنتمي الى قومية أودين أو أي أيديولجيا، وانما دولة ديمقراطية يتساوى فيها كل المواطنين في الحقوق والواجبات، وأن الحل الأمثل هو في “الدولة” الأمة السورية، تلك الفكرة العظيمة التي نادى بها المتنور المصري “رفاعة الطهطاوي” منذ ما يقارب القرنين من الزمان، حين نادى بالأمة المصرية والتي لو تحققت لكانت مصر اليوم “أم الدنيا” فعلا، ولما سمعنا كل يوم بمصائب نجع حمادي وغيرها، صحيح أن الوصول الى تحقيق هذا الهدف الانساني يحتاج الى جهد ووقت الا أن الفكرة بدأت، وهذا هو المهم.
هنا ومن خلال الرؤية المشتركة التي بني عليها المجلس السياسي الكردي، أرى أن الحركة الكردية أيضا بدأت تنظر الى واقعها بإخلاص ومسئولية وتفكر بعقلانية، لكن يبقى من واجب الحركة اذا كانت تريد فعلا مصلحة شعبنا الكردي خاصة والسوري عامة، هو إهمال املاءات وتوجيهات وتنظيرات “متمردي” أوربا و”مناضلي” كردستان العراق من الكرد السوريين، فعصر التمردات في أوربا انتهى منذ زمن بعيد، وكردستان العراق أصبحت دولة بمعنى ما، ووضعنا وواقعنا ككرد سوريين يختلف عن أوضاع الكرد في كل من العراق أو تركيا أو أي مكان آخر، ومن يحاول العمل بإخلاص ومسئولية ويفكر بعقلانية، وان كان يعيش في أوربا أو أي مكان في العالم فانه سيجد أن هذه الرؤية هي التي تعبر عن الواقع الكردي السوري، ومن أفضل ما فكرت فيه الحركة الكردية في سوريا حتى اليوم، أما المزاودون والمتاجرون بالشعارات البراقة ومن يتكلمون من جديد عن الجماهير الشعبية والطبقات الكادحة والبورجوازية المتوسطة، فهؤلاء يبدوا أنهم قد ابتعدوا عن شعبنا منذ أزمنة بعيدة، ولذا لا يعلمون أن الشعب السوري بكرده وعربه وآثورييه وكل قومياته، قد أصبحوا كادحين جدا، لكنهم يعرفون جيدا جدا، أن المتاجرين بتلك الشعارات والذين كسبوا الكثير من ورائها، قد انتقلوا الى واد آخر بعيد عنه في الزمان والمكان، وأن تلك الشعارات هي التي دمرت البلد، وحتى الجائع اليوم يكره ذكر تلك الشعارات التي أفقرت الكادحين وزادت من غنى الفاسدين وبينهم أولئك الذين استغلوا تلك الشعارات في يوم من الأيام، وصدقهم الناس ذات مرة، لكنها لم تعد تنطلي على أحد، مرة أخرى، ولن أقول لهم هذه المرة عودوا، بل أقول ابقوا هناك، ونعرف كيف كنتم وأنتم هنا، فأبقوا حيث أنتم، لكن اتركوا الحركة الكردية في سوريا لأهلها فهم أدرى بمصالحهم ومستقبل أبنائهم.
* ذكر العديد من الذين واكبوا تلك الفترة وأيضا ما ذكره الأستاذ رشيد حمو في مقابلة لي معه بعنوان “لقاء مع الذاكرة-الحلقة الأولى” وهي منشورة في العديد من المواقع الألكترونية وفيها أن الأمن السوري يومها طلب منهم نشر القلاقل في تركيا ردا على مشروع أيزنهاور وحلف بغداد.
** من مقدمة ابن خلدون وفيها: المغلوب مولع أبداً بتقليد الغالب في سائر أحواله