صفحات مختارةطيب تيزيني

لماذا يُخفق العرب؟

طيب تيزيني
يطرح السؤال، الذي يتصدر هذه المقالة، بدوره، سؤالاً يتجه نحو التأكُّد من صحته وصدقيته هو نفسه، وهو (هل يخفق العرب؟)، ومن ثم فهذا السؤال الثاني يسعى للتأكد من مشروعية السؤال الأول، دون أن يطلق حكماً أو آخر عليه. ورغم ذلك، يظل السؤالان المذكوران كلاهما مفتوحين أو إشكاليّين، وعلى هذا، يصبح السؤال الثاني (هل يخفق العرب؟) هو المطلوب أن نجيب عنه أولاً، قبل أن نواجه السؤال الأول. وإذن، هل أخفق أولئك حقاً؟
كان للندوة التي بثتها إحدى القنوات الفضائية في مساء الثلاثين من الشهر الأخير للعام المنصرم ، دور في إثارة مثل تلك الأسئلة، وإن جاء الأمر على نحو تلقائي غير ُممنْهج، وعبر الكثير من الشطحات الأيديولوجية المعبَّأة بالأسى والمرارة، التي أفصح عنها معظم الباحثين المشاركين (وكانوا من بلدان عربية متعددة). وإذا كنا قد أحلْنا السؤال الأول إلى السؤال الثاني، فإنه يغدو من السهولة بمكان أن ندلّل على مصداقيته، وذلك بأن ندقّق فيما آل إليه حقلان اثنان من حقول المجتمعات العربية، وهما الحقل المتصل بالقضية الفلسطينية والحقل الممثَّل بالدواخل العربية. فعلى صعيد الأول يكفي استعراض أوّلي لِما مرّ بتلك القضية من انكشافات وهزائم وتصدعات، في حين نكاد نستجمع الأدلة الأولية الضرورية على تفكك تلك الدواخل من بعض العناوين الكبيرة، التي نتأملها في حيثيات أحد هذه الأخيرة: مثلاً في القضاء أو في التعليم الأساسي وكذلك في التعليم الجامعي والاقتصاد ومنظومة القيم والسياسة. وفي هذين الحقلين نواجه صيغة أو أخرى مِمّا ندعوه “حُطاماً عربياً مفتوحاً”: إن أحكام أو قوانين طوارئ (أو ما يتماثل معها على صعيد الواقع الحيّ) موجودة باسم مرجعية ما، قانونية وضعية أو دينية أو قومية أو عُرفية، وتفرض نفسها هنا وهناك بفعل القوة والعنف المكشوف غالباً في المجتمعات العربية، ومن موقعها تُنتهك حقوق الإنسان.
والآن، إذا استطعنا الوصول إلى إجماع على وجود الإخفاق العربي مجسداً بأوضاع نعيشها هنا وهناك، فلماذا لا نستطيع الوصول إلى إجماع أوّلي ما حول الحدود الدنيا من الحلول المناسبة لواقع الحال العربي المعنِي هنا؟! وقد نرى أن العوامل التي تحول دون ذلك لابد أن يكون بعضها الأساسي ماثلاً في التالية: تناقض المصالح وتصارعها، وتناقض الخيارات الاستراتيجية، والمرجعيات أو التحالفات الخارجية، ومنظومات القيم الوضعية أو الدينية أو كلتاهما معاً، وغيرها مما يندرج تحت مشتركات الحد الأدنى، إضافة بالطبع إلى تعارض مصالح معظم الغرب من نهوض عربي.
بعد هذا الذي أوردناه، أيبقى السؤال وارداً: هل تبقّى للعرب حدود دنيا يلتقون حولها وعليها؟ في الاحتمال المفتوح، خصوصاً في مرحلتنا المعيشة، يمكن القول بأن حالة جديدة قد تكون ضمن رهانات المستقبل العربي القريب أو البعيد، وتقوم على إعادة تفكيك البنية أو البِنى العربية لصالح إنتاج بنى جديدة، من نمط تحالفات بين إسرائيل وبلدان عربية ضد بلدان عربية أخرى، وإذ ذاك، كيف سيسير التاريخ العربي؟
الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى